واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا .
ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لجبابرة قريش فقال :
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا أي : اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها وسرعة زوالها ؛ لئلا يركنوا إليها ، وقد تقدم هذا المثل في سورة يونس ، ثم بين سبحانه هذا المثل فقال :
كماء أنزلناه من السماء ويجوز أن يكون هذا هو المفعول الثاني لقوله : ( اضرب ) على جعله بمعنى صير
فاختلط به نبات الأرض أي : اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى ، وقيل : المعنى : إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء ؛ لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر ، فتكون الباء في ( به ) سببية ، ( فأصبح ) النبات ( هشيما ) الهشيم الكسير ، وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ، ورجل هشيم : ضعيف البدن ، وتهشم عليه فلان : إذا تعطف ، واهتشم ما في ضرع الناقة : إذا احتلبه ، وهشم الثريد : كسره وثرده ، ومنه قول ابن الزبعري :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
( تذروه الرياح ) تفرقه . قال
أبو عبيدة وابن قتيبة : ( تذروه ) تنسفه ، وقال
ابن كيسان : تذهب به وتجيء ، والمعنى متقارب .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف ( تذريه الريح ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : وفي قراءة
عبد الله ( تذريه ) يقال : ذرته الريح تذروه ، وأذرته تذريه .
وحكى
الفراء : أذريت الرجل عن فرسه أي : قلبته
وكان الله على كل شيء مقتدرا أي : على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء .
المال والبنون زينة الحياة الدنيا هذا رد على الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء ، فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة ، كما قال في الآية الأخرى
إنما أموالكم وأولادكم فتنة [ التغابن : 15 ] ، وقال
إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم [ التغابن : 14 ] . ولهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقوله :
والباقيات الصالحات أي : أعمال الخير ، وهي ما كان يفعله فقراء
المسلمين من الطاعات
خير عند ربك ثوابا أي : أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثوابا وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها ( وخير أملا ) أي : أفضل أملا ، يعني أن هذه الأعمال الصالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين ؛ لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا ، وليس في زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة ، ولكن هذا التفضيل خرج مخرج قوله تعالى :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا [ الفرقان : 24 ] ، والظاهر أن الباقيات الصالحات كل عمل خير ، فلا وجه لقصرها على الصلاة كما قال البعض ، ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعض آخر ، ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب ؛ لأن
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وبهذا تعرف أن تفسير الباقيات الصالحات في الأحاديث بما سيأتي لا ينافي إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
علي قال : (
المال والبنون ) حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد جمعهما الله لأقوام .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة و ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
والباقيات الصالحات ) قال :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والحاكم وصححه
وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020722استكثروا من الباقيات الصالحات ، قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن شاهين وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا بلفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020723سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هن الباقيات الصالحات .
وأخرج النسائي
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الصغير
والحاكم وصححه
وابن مردويه والبيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020724خذوا جنتكم ، قيل : يا رسول الله من أي عدو قد حضر ؟ قال : بل جنتكم من النار قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنبات ، وهي الباقيات الصالحات .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور وأحمد وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020725ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله الباقيات الصالحات .
وأخرج
ابن مردويه نحوه من حديث
أنس مرفوعا ، وزاد التكبير وسماهن الباقيات الصالحات .
وأخرج
ابن مردويه نحوه من حديث
أبي [ ص: 863 ] هريرة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه من حديث
عائشة مرفوعا نحوه ، وزادت :
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وبن مردويه من حديث
علي مرفوعا نحوه .
وأخرج
ابن مردويه من طريق
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا فذكر نحوه دون الحوقلة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، عن
سعد بن جنادة مرفوعا نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تاريخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من قوله نحوه .
وأخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من قوله نحوه .
وكل هذه الأحاديث مصرحة بأنها الباقيات الصالحات ، وأما ما ورد في فضل هذه الكلمات من غير تقييد بكونها المرادة في الآية فأحاديث كثيرة لا فائدة في ذكرها هنا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
قتادة قال : كل شيء من طاعة الله ، فهو من الباقيات الصالحات .