القسم السابع عشر
خروج اللفظ مخرج الغالب كقوله تعالى :
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ( النساء : 23 ) ، فإن
[ ص: 120 ] الحجر ليس بقيد عند العلماء ; لكن فائدة التقييد تأكيد الحكم في هذه الصورة مع ثبوته عند عدمها ; ولهذا قال بعده :
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( النساء : 23 ) ولم يقل : "
فإن لم تكونوا دخلتم بهن ( النساء : 23 ) ولم يكن في حجوركم " فدل على أن الحجر خرج مخرج العادة .
واعترض بأن الحرمة إذا كانت بالمجموع فالحل يثبت بانتفاء المجموع ، والمجموع ينتفي بانتفاء جزئه ، كما ينتفي بانتفاء كل فرد من المجموع .
وأجيب بأنه إذا نفي أحد شطري العلة كان جزء العلة ثابتا ; فيعمل عملها .
فإن قيل : لما قال :
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ( النساء : 23 ) قال في الآية بعدها :
وأحل لكم ما وراء ذلكم ( النساء : 24 ) علم من مجموع ذلك أن الربيبة لا تحرم إذا لم يدخل بأمها ; فما فائدة قوله تعالى :
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( النساء : 23 ) .
قيل : فائدته ألا يتوهم أن قيد الدخول خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط ; كما في الحجر المفهوم إذا خرج مخرج الغالب ، فلا تقييد فيه عند الجمهور ; خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=12441لإمام الحرمين والشيخ عز الدين بن عبد السلام والعراقي ; حيث قالوا : " إنه ينبغي أن يكون حجة بلا خلاف إذا لم تغلب " ; لأن الصفة إذا كانت غالبة دلت العادة عليها ، فاستغنى المتكلم بالعادة عن ذكرها ، فلما ذكرها مع استغنائه عنها دل ذلك على أنه لم يرد الإخبار بوقوعها للحقيقة ; بل ليترتب عليها نفي الحكم من المسكوت ، أما إذا لم تكن غالبة أمكن أن يقال : إنما ذكرها ليعرف السامع أن هذه الصفة تعرض لهذه الحقيقة .
ومنه قوله تعالى :
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( الإسراء : 31 ) .
وقوله تعالى :
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة : 283 ) وجوزوا أن الرهن لا يختص بالسفر ، لكن ذكر لأن فقد الكاتب يكون فيه
[ ص: 121 ] غالبا ، فلما كان السفر مظنة إعواز الكاتب والشاهد الموثوق بهما ، أمر على سبيل الإرشاد بحفظ مال المسافرين بأخذ الوثيقة الأخرى ; وهي الرهن .
وقوله تعالى :
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ( النساء : 101 ) والقصر جائز مع أمن السفر ; لأن ذلك خرج مخرج الغالب لا الشرط ، وغالب أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم تخل من خوف العدو .
ومنهم من جعل الخوف هنا شرطا إن حمل القصر على ترك الركوع والسجود والنزول عن الدابة والاستقبال ونحوه ; لا في عدد الركعات ، لكن ذلك شدة خوف لا خوف ، وسبب النزول لا يساعده .
وكقوله تعالى :
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( النور : 33 )