القسم الثامن عشر
nindex.php?page=treesubj&link=28914القسم وهو عند النحويين جملة يؤكد بها الخبر ، حتى إنهم جعلوا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( المنافقون : 1 ) قسما ، وإن كان فيه إخبار ، إلا أنه لما جاء توكيدا للخبر سمي قسما .
ولا يكون إلا باسم معظم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض إنه لحق ( الذاريات : 23 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قل إي وربي إنه لحق ( يونس : 53 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قل بلى وربي لتبعثن ( التغابن : 7 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم والشياطين ( مريم : 68 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين ( الحجر : 92 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون ( النساء : 65 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فلا أقسم برب المشارق والمغارب ( المعارج : 40 ) .
فهذه سبعة مواضع أقسم الله فيها بنفسه ، والباقي كله أقسم بمخلوقاته .
كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون ( التين : 1 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( الواقعة : 75 - 76 ) .
[ ص: 122 ] nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ( التكوير : 15 - 16 ) .
وإنما يحسن في مقام الإنكار .
فإن قيل : ما معنى القسم منه سبحانه ؟ فإنه إن كان لأجل المؤمن فالمؤمن يصدق مجرد الإخبار ، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده .
فالجواب : قال الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=14999أبو القاسم القشيري : " إن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها ، وذلك أن الحكم يفصل باثنين : إما بالشهادة ، وإما بالقسم ، فذكر الله تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقي لهم حجة .
فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ( آل عمران : 18 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قل إي وربي إنه لحق ( يونس : 53 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=72لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( الحجر : 72 ) .
وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق ( الذاريات : 22 - 23 ) صاح وقال : من الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ؟ قالها ثلاثا ، ثم مات .
فإن قيل : كيف أقسم بمخلوقاته وقد ورد النهي علينا ألا نقسم بمخلوق ؟ قيل : فيه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه حذف مضاف ، أي : " ورب الفجر " و " رب التين " ، وكذلك الباقي .
والثاني : أن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها ; فنزل القرآن على ما يعرفون .
والثالث : أن الأقسام إنما تجب بأن يقسم الرجل بما يعظمه ، أو بمن يجله ; وهو فوقه ،
[ ص: 123 ] والله تعالى ليس شيء فوقه ; فأقسم تارة بنفسه ، وتارة بمصنوعاته ; لأنها تدل على بارئ وصانع ، واستحسنه
ابن خالويه .
وقسمه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( لعمرك ) ( الحجر : 72 ) ; ليعرف الناس عظمته عند الله ومكانته لديه ، قال الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=14999أبو القاسم القشيري في " كنز اليواقيت " : " والقسم بالشيء لا يخرج عن وجهين : إما لفضيلة ، أو لمنفعة ; فالفضيلة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وطور سينين nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وهذا البلد الأمين ) ( التين : 2 - 3 ) والمنفعة نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون ( التين : 1 ) .
وأقسم سبحانه بثلاثة أشياء : أحدها : بذاته كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض ( الذاريات : 23 )
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين ( الحجر : 92 ) .
والثاني بفعله ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها ( الشمس : 5 - 6 - 7 ) .
والثالث : مفعوله نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى ( النجم : 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=1والطور وكتاب مسطور ( الطور : 1 - 2 ) .
وهو ينقسم باعتبار آخر إلى مظهر ومضمر : فالمظهر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض ( الذاريات : 23 ) ونحوه .
والمضمر على قسمين : قسم دلت عليه لام القسم ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لتبلون في أموالكم وأنفسكم ( آل عمران : 186 ) ، وقسم دل عليه المعنى ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها ( مريم : 71 ) تقديره : " والله " .
وقد أقسم تعالى بطوائف من الملائكة في أول سورة الصافات ، والمرسلات ، والنازعات .
[ ص: 124 ] فوائد : الأولى : أكثر
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28908الأقسام المحذوفة الفعل في القرآن لا تكون إلا بالواو ، فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( النحل : 38 )
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يحلفون بالله ( التوبة : 62 ) ولا تجيء الباء والفعل محذوفا إلا قليلا ، وعليه حمل بعضهم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13يابني لا تشرك بالله ) ( لقمان : 13 ) وقال : الباء باء القسم ، وليست متعلقة بـ " تشرك " وكأنه يقول : يا بني لا تشرك ثم ابتدأ فقال : بالله لا تشرك ; وحذف " لا تشرك " لدلالة الكلام عليه ، وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49ادع لنا ربك بما عهد عندك ( الزخرف : 49 ) قيل : إن قوله : " بما عهد " قسم ; والأولى أن يقال : إنه سؤال لا قسم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته ) ( المائدة : 116 ) فتقف على ( لي ) وتبتدئ بحق فتجعله قسما .
هذا مع قول النحويين : إن الواو فرع الياء ; لكنه قد يكثر الفرع في الاستعمال ويقل الأصل .
الثانية : قد علمت أن القسم إنما جيء به لتوكيد المقسم عليه ; فتارة يزيدون فيه للمبالغة في التوكيد ، وتارة يحذفون منه للاختصار وللعلم بالمحذوف .
فما زادوه لفظ " إي " بمعنى " نعم " كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قل إي وربي ) ( يونس : 53 ) .
ومما يحذفونه فعل القسم وحرف الجر ، ويكون الجواب مذكورا ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لقد كان لكم في رسول الله ( الأحزاب : 21 ) أي " والله " .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49لأقطعن أيديكم ( الشعراء : 49 )
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعن بالناصية ( العلق : 15 )
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32ليسجنن وليكونن من الصاغرين ( يوسف : 32 ) .
وقد يحذفون الجواب ويبقون القسم للعلم به ; كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ذي الذكر )
[ ص: 125 ] ( ص : 1 ) على أحد الأقوال ; أن الجواب حذف لطول الكلام ; وتقديره " لأعذبنهم على كفرهم " .
وقيل : الجواب إن ذلك لحق .
ومما حذف فيه المقسم به قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قالوا نشهد إنك لرسول الله ( المنافقون : 1 ) أي : نحلف إنك لرسول الله ; لأن الشهادة بمعنى اليمين ، بدليل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2أيمانهم جنة ) ( المنافقون : 2 ) .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84فالحق والحق أقول ( ص : 84 ) فالأول قسم بمنزلة " والحق " وجوابه : " لأملأن " ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84والحق أقول ( ص : 84 ) توكيد للقسم .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1والسماء ذات البروج ( البروج : 1 ) ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=4قتل أصحاب الأخدود ( البروج : 4 ) قالوا : وهو جواب القسم وأصله " لقد قتل " ثم حذف اللام وقد .
الثالثة : قال
الفارسي في " الحجة " : الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان : أحدهما : ما تكون جارية كغيرها من الأخبار التي ليست بقسم ، فلا تجاب بجوابه ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=8وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ( الحديد : 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ( البقرة : 63 )
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18فيحلفون له كما يحلفون لكم ( المجادلة : 18 ) فهذا ونحوه يجوز أن يكون قسما وأن يكون حالا ; لخلوه من الجواب .
والثاني : ما يتعلق بجواب القسم ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه ( آل عمران : 187 )
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( النحل : 38 ) .
الرابعة : القسم والشرط يدخل كل منهما على الآخر ، فإن تقدم القسم ودخل الشرط بينه وبين الجواب كان الجواب للقسم ، وأغنى عن جواب الشرط ، وإن عكس فبالعكس ، وأيهما تصدر كان الاعتماد عليه ، والجواب له .
[ ص: 126 ] ومن تقدم القسم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لئن لم تنته لأرجمنك ( مريم : 46 ) تقديره : " والله لئن لم تنته " ، فاللام الداخلة على الشرط ليست بلام القسم ، ولكنها زائدة ، وتسمى الموطئة للقسم ، ويعنون بذلك أنها مؤذنة بأن جواب القسم منتظر ; أي : الشرط لا يصلح أن يكون جوابا ; لأن الجواب لا يكون إلا خبرا .
وليس دخولها على الشرط بواجب ; بدليل حذفها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( المائدة : 73 ) .
والذي يدل على الجواب للقسم لا للشرط دخول اللام فيه ، وأنه ليس بمجزوم ; بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( الإسراء : 88 ) ، ولو كان جواب الشرط لكان مجزوما .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=158ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ( آل عمران : 158 ) فاللام في " ولئن " هي الموطئة للقسم ، واللام في ( لإلى الله ) هي لام القسم ، ولم تدخل نون التوكيد على الفعل ; للفصل بينه وبين اللام بالجار والمجرور ، والأصل " لئن متم أو قتلتم لتحشرون إلى الله " فلما قدم معمول الفعل عليه حذف منه .
الْقِسْمُ الثَّامِنَ عَشَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْقَسَمُ وَهُوَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ جُمْلَةٌ يُؤَكَّدُ بِهَا الْخَبَرُ ، حَتَّى إِنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( الْمُنَافِقُونَ : 1 ) قَسَمًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِخْبَارٌ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ سُمِّيَ قَسَمًا .
وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِاسْمِ مُعَظَّمٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ( الذَّارِيَاتِ : 23 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ( يُونُسَ : 53 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ( التَّغَابُنِ : 7 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ( مَرْيَمَ : 68 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( الْحِجْرِ : 92 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ( النِّسَاءِ : 65 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ( الْمَعَارِجِ : 40 ) .
فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ أَقْسَمَ اللَّهُ فِيهَا بِنَفْسِهِ ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ .
كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( التِّينِ : 1 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( الْوَاقِعَةِ : 75 - 76 ) .
[ ص: 122 ] nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ( التَّكْوِيرِ : 15 - 16 ) .
وَإِنَّمَا يَحْسُنُ فِي مَقَامِ الْإِنْكَارِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى الْقَسَمِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ؟ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْمُؤْمِنِ فَالْمُؤْمِنُ يُصَدِّقُ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْكَافِرِ فَلَا يُفِيدُهُ .
فَالْجَوَابُ : قَالَ الْأُسْتَاذُ
nindex.php?page=showalam&ids=14999أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ : " إِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْقَسَمَ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ وَتَأْكِيدِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ يُفْصَلُ بِاثْنَيْنِ : إِمَّا بِالشَّهَادَةِ ، وَإِمَّا بِالْقَسَمِ ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ النَّوْعَيْنِ حَتَّى لَا يُبْقِيَ لَهُمْ حُجَّةً .
فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ( آلِ عِمْرَانَ : 18 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ( يُونُسَ : 53 ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=72لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ( الْحِجْرِ : 72 ) .
وَعَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ( الذَّارِيَاتِ : 22 - 23 ) صَاحَ وَقَالَ : مَنِ الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى أَلْجَأَهُ إِلَى الْيَمِينِ ؟ قَالَهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ مَاتَ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَلَيْنَا أَلَّا نُقْسِمَ بِمَخْلُوقٍ ؟ قِيلَ : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ حُذِفَ مُضَافٌ ، أَيْ : " وَرَبِّ الْفَجْرِ " وَ " رَبِّ التِّينِ " ، وَكَذَلِكَ الْبَاقِي .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَتُقْسِمُ بِهَا ; فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْأَقْسَامَ إِنَّمَا تَجِبُ بِأَنْ يُقْسِمَ الرَّجُلُ بِمَا يُعَظِّمُهُ ، أَوْ بِمَنْ يُجِلُّهُ ; وَهُوَ فَوْقَهُ ،
[ ص: 123 ] وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ شَيْءٌ فَوْقَهُ ; فَأَقْسَمَ تَارَةً بِنَفْسِهِ ، وَتَارَةً بِمَصْنُوعَاتِهِ ; لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بَارِئٍ وَصَانِعٍ ، وَاسْتَحْسَنَهُ
ابْنُ خَالَوَيْهِ .
وَقَسَمُهُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ : ( لَعَمْرُكَ ) ( الْحِجْرِ : 72 ) ; لِيَعْرِفَ النَّاسُ عَظَمَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَكَانَتَهُ لَدَيْهِ ، قَالَ الْأُسْتَاذُ
nindex.php?page=showalam&ids=14999أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي " كَنْزِ الْيَوَاقِيتِ " : " وَالْقَسَمُ بِالشَّيْءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَجْهَيْنِ : إِمَّا لِفَضِيلَةٍ ، أَوْ لِمَنْفَعَةٍ ; فَالْفَضِيلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وَطُورِ سِينِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) ( التِّينِ : 2 - 3 ) وَالْمَنْفَعَةُ نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( التِّينِ : 1 ) .
وَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : بِذَاتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ( الذَّارِيَاتِ : 23 )
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( الْحِجْرِ : 92 ) .
وَالثَّانِي بِفِعْلِهِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( الشَّمْسِ : 5 - 6 - 7 ) .
وَالثَّالِثُ : مَفْعُولُهُ نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( النَّجْمِ : 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=1وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ( الطُّورِ : 1 - 2 ) .
وَهُوَ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى مُظْهَرٍ وَمُضْمَرٍ : فَالْمُظْهَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ( الذَّارِيَاتِ : 23 ) وَنَحْوِهِ .
وَالْمُضْمَرُ عَلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَامُ الْقَسَمِ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ( آلِ عِمْرَانَ : 186 ) ، وَقِسْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ( مَرْيَمَ : 71 ) تَقْدِيرُهُ : " وَاللَّهِ " .
وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِطَوَائِفَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الصَّافَّاتِ ، وَالْمُرْسَلَاتِ ، وَالنَّازِعَاتِ .
[ ص: 124 ] فَوَائِدٌ : الْأُولَى : أَكْثَرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28908الْأَقْسَامِ الْمَحْذُوفَةُ الْفِعْلِ فِي الْقُرْآنِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْوَاوِ ، فَإِذَا ذُكِرَتِ الْبَاءُ أُتِيَ بِالْفِعْلِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ( النَّحْلِ : 38 )
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ( التَّوْبَةِ : 62 ) وَلَا تَجِيءُ الْبَاءُ وَالْفِعْلُ مَحْذُوفًا إِلَّا قَلِيلًا ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ) ( لُقْمَانَ : 13 ) وَقَالَ : الْبَاءُ بَاءُ الْقَسَمِ ، وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِـ " تُشْرِكْ " وَكَأَنَّهُ يَقُولُ : يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ : بِاللَّهِ لَا تُشْرِكْ ; وَحَذَفَ " لَا تُشْرِكْ " لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ( الزُّخْرُفِ : 49 ) قِيلَ : إِنَّ قَوْلَهُ : " بِمَا عَهِدَ " قَسَمٌ ; وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ سُؤَالٌ لَا قَسَمٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ ) ( الْمَائِدَةِ : 116 ) فَتَقِفُ عَلَى ( لِي ) وَتَبْتَدِئُ بِحَقٍّ فَتَجْعَلُهُ قَسَمًا .
هَذَا مَعَ قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ : إِنَّ الْوَاوَ فَرْعُ الْيَاءِ ; لَكِنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ الْفَرْعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَيَقِلُّ الْأَصْلُ .
الثَّانِيَةُ : قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَسَمَ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِتَوْكِيدِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ; فَتَارَةً يَزِيدُونَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّوْكِيدِ ، وَتَارَةً يَحْذِفُونَ مِنْهُ لِلِاخْتِصَارِ وَلِلْعِلْمِ بِالْمَحْذُوفِ .
فَمَا زَادُوهُ لَفْظُ " إِي " بِمَعْنَى " نَعَمْ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قُلْ إِي وَرَبِّي ) ( يُونُسَ : 53 ) .
وَمِمَّا يَحْذِفُونَهُ فِعْلُ الْقَسَمِ وَحَرْفُ الْجَرِّ ، وَيَكُونُ الْجَوَابُ مَذْكُورًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ( الْأَحْزَابِ : 21 ) أَيْ " وَاللَّهِ " .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ ( الشُّعَرَاءِ : 49 )
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ( الْعَلَقِ : 15 )
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ( يُوسُفَ : 32 ) .
وَقَدْ يَحْذِفُونَ الْجَوَابَ وَيُبْقُونَ الْقَسَمَ لِلْعِلْمِ بِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ )
[ ص: 125 ] ( ص : 1 ) عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ ; أَنَّ الْجَوَابَ حُذِفَ لِطُولِ الْكَلَامِ ; وَتَقْدِيرُهُ " لَأُعَذِّبَنَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ " .
وَقِيلَ : الْجَوَابُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ .
وَمِمَّا حُذِفَ فِيهِ الْمُقْسَمُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ( الْمُنَافِقُونَ : 1 ) أَيْ : نَحْلِفُ إِنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) ( الْمُنَافِقُونَ : 2 ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ( ص : 84 ) فَالْأَوَّلُ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ " وَالْحَقِّ " وَجَوَابُهُ : " لَأَمْلَأَنَّ " ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84وَالْحَقَّ أَقُولُ ( ص : 84 ) تَوْكِيدٌ لِلْقَسَمِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( الْبُرُوجِ : 1 ) ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=4قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ( الْبُرُوجِ : 4 ) قَالُوا : وَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَأَصْلُهُ " لَقَدْ قُتِلَ " ثُمَّ حُذِفَ اللَّامُ وَقَدْ .
الثَّالِثَةُ : قَالَ
الْفَارِسِيُّ فِي " الْحُجَّةِ " : الْأَلْفَاظُ الْجَارِيَةُ مَجْرَى الْقَسَمِ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا تَكُونُ جَارِيَةً كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَسَمٍ ، فَلَا تُجَابُ بِجَوَابِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=8وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( الْحَدِيدِ : 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ( الْبَقَرَةِ : 63 )
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ( الْمُجَادَلَةِ : 18 ) فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا وَأَنْ يَكُونَ حَالًا ; لِخُلُوِّهِ مِنَ الْجَوَابِ .
وَالثَّانِي : مَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْقَسَمِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ ( آلِ عِمْرَانَ : 187 )
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ( النَّحْلِ : 38 ) .
الرَّابِعَةُ : الْقَسَمُ وَالشَّرْطُ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَسَمُ وَدَخَلَ الشَّرْطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَوَابِ كَانَ الْجَوَابُ لِلْقَسَمِ ، وَأَغْنَى عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ عُكِسَ فَبِالْعَكْسِ ، وَأَيُّهُمَا تَصَدَّرَ كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ ، وَالْجَوَابُ لَهُ .
[ ص: 126 ] وَمِنْ تَقَدُّمِ الْقَسَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ( مَرْيَمَ : 46 ) تَقْدِيرُهُ : " وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ " ، فَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الشَّرْطِ لَيْسَتْ بِلَامِ الْقَسَمِ ، وَلَكِنَّهَا زَائِدَةٌ ، وَتُسَمَّى الْمُوَطِّئَةَ لِلْقَسَمِ ، وَيَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهَا مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ مُنْتَظَرٌ ; أَيِ : الشَّرْطُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا ; لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يَكُونُ إِلَّا خَبَرًا .
وَلَيْسَ دُخُولُهَا عَلَى الشَّرْطِ بِوَاجِبٍ ; بِدَلِيلِ حَذْفِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( الْمَائِدَةِ : 73 ) .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْجَوَابِ لِلْقَسَمِ لَا لِلشَّرْطِ دُخُولُ اللَّامِ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْزُومٍ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ( الْإِسْرَاءِ : 88 ) ، وَلَوْ كَانَ جَوَابُ الشَّرْطِ لَكَانَ مَجْزُومًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=158وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ( آلِ عِمْرَانَ : 158 ) فَاللَّامُ فِي " وَلَئِنْ " هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ ، وَاللَّامُ فِي ( لَإِلَى اللَّهِ ) هِيَ لَامُ الْقَسَمِ ، وَلَمْ تَدْخُلْ نُونُ التَّوْكِيدِ عَلَى الْفِعْلِ ; لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّامِ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ، وَالْأَصْلُ " لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لِتُحْشَرُونِ إِلَى اللَّهِ " فَلَمَّا قُدِّمَ مَعْمُولُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ حُذِفَ مِنْهُ .