قواعد في النفي
قد تقدم في شرح معاني الكلام جمل من قواعده ، ونذكر هاهنا زيادات :
اعلم أن
نفي الذات الموصوفة قد يكون نفيا للصفة دون الذات ، وقد يكون نفيا للذات ، وانتفاء النهي عن الذات الموصوفة قد يكون نهيا عن الذات ، وقد يكون نهيا عن الصفة دون الذوات ، قال الله تعالى :
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( الإسراء : 33 ) فإنه نهى عن القتل بغير الحق ، وقال
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( الأنعام : 151 ) .
ومن الثاني قوله :
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة : 95 )
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( آل عمران : 102 ) أي : فلا يكون موتكم إلا على حال كونكم ميتين على الإسلام ، فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام ؛ كقول القائل : لا تصل إلا وأنت خاشع ، فإنه ليس نهيا عن الصلاة ، بل عن ترك الخشوع .
وقوله :
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( النساء : 43 ) الآية .
[ ص: 450 ] وقد ذكروا أن النفي بحسب ما يتسلط عليه يكون أربعة أقسام :
الأول بنفي المسند ؛ نحو : ما قام
زيد بل قعد ، ومنه قوله تعالى :
لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة : 273 ) فالمراد نفي السؤال من أصله ؛ لأنهم متعففون ؛ ويلزم من نفيه نفي الإلحاف .
الثاني : أن ينفى المسند إليه ، فينتفي المسند ، نحو : ما قام
زيد ، إذا كان
زيد غير موجود ؛ لأنه يلزم من عدم
زيد نفي القيام ، ومنه قوله تعالى :
فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( المدثر : 48 ) أي : لا شافعين لهم فتنفعهم شفاعتهم .
ومنه قول الشاعر :
على لاحب لا يهتدى بمناره أي : على طريق لا منار له ، فيهتدى به ، ولم يكن مراده أن يثبت المنار فينتفي الاهتداء به .
الثالث : أن ينفى المتعلق دون المسند والمسند إليه ، نحو : ما ضربت
زيدا بل
عمرا .
الرابع : أن ينفى قيد المسند إليه أو المتعلق ؛ نحو : ما جاءني رجل كاتب بل شاعر ، وما رأيت رجلا كاتبا بل شاعرا ؛ فلما كان
النفي قد ينصب على المسند وقد ينصب على المسند إليه أو المتعلق ، وقد ينصب على القيد احتمل في قولنا : ما رأيت رجلا كاتبا أن يكون المنفي هو القيد ، فيفيد الكلام رؤية غير الكاتب ؛ وهو احتمال مرجوح ؛ ولا يكون المنفي المسند ؛ أي : الفعل ، بمعنى أنه لم يقع منه رؤية عليه ؛ لا على رجل ولا على غيره ؛ وهو في المرجوحية كالذي قبله .