تنبيهات
الأول : نازع
nindex.php?page=showalam&ids=12450ابن أبي الحديد في الآية الأولى وقال : عندي أنه ليس بتجنيس أصلا ،
[ ص: 498 ] وأن الساعة في الموضعين بمعنى واحد ، والتجنيس أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى ، وألا تكون إحداهما حقيقة والأخرى مجازا ، بل تكونا حقيقتين ، وإن زمان القيامة وإن طال لكنه عند الله تعالى في حكم الساعة الواحدة ؛ لأن قدرته لا يعجزها أمر ولا يطول عندها زمان ، فيكون إطلاق لفظة الساعة على أحد الموضعين حقيقة ، وعلى الآخر مجازا ، وذلك يخرج الكلام من التجنيس ، كما لو قلت : ركبت حمارا ، ولقيت حمارا ، وأردت بالثاني البليد ، وأيضا لا يجوز أن يكون المراد بالساعة الساعة الأولى خاصة وزمان البعث ، فيكون لفظ الساعة مستعملا في الموضعين حقيقة بمعنى واحد ، فيخرج عن التجنيس .
الثاني : يقرب منه الاقتضاب ، وهو أن تكون الكلمات يجمعها أصل واحد في اللغة ، كقوله تعالى :
فأقم وجهك للدين القيم ( الروم : 43 ) .
وقوله :
يمحق الله الربا ويربي الصدقات ( البقرة : 276 ) .
وقوله :
فروح وريحان ( الواقعة : 89 ) .
وقوله :
وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ( فصلت : : 51 ) .
قال إني لعملكم من القالين ( الشعراء : 168 ) .
وجنى الجنتين دان ( الرحمن : 54 ) .
ياأسفى على يوسف ( يوسف : 84 ) .
تتقلب فيه القلوب والأبصار ( النور : 37 ) .
[ ص: 499 ] إني وجهت وجهي ( الأنعام : 79 ) .
اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم ( التوبة : 38 ) .
الثالث : اعلم أن
الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ، ولهذا تركوه عند قوة المعنى بتركه ، ولذلك مثالان :
أحدهما : قوله :
أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ( الصافات : 125 ) فذكر
الرازي في " تفسيره " : " أن الكاتب الملقب
بالرشيد ، قال : لو قيل : " أتدعون بعلا وتدعون أحسن الخالقين " لكان تحصل به رعاية معنى التجنيس أيضا ، مع كونه موازنا لـ " تذرون " .
وأجاب
الرازي بأن فصاحة القرآن ليس لأجل رعاية هذه التكلفات ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ .
وقال بعضهم : مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ ، فلو كان " أتدعون " " وتدعون " كما قال هذا القائل لوقع الإلباس على القارئ ، فيجعلهما بمعنى واحد تصحيفا منه ، وحينئذ فينخرم اللفظ إذا قرأ " وتدعون " الثانية بسكون الدال ، لا سيما وخط المصحف الإمام لا ضبط فيه ولا نقط .
قال : ومما صحف من القرآن بسبب ذلك وليس بقراءة قوله تعالى :
قال عذابي أصيب به من أشاء ( الأعراف : 156 ) بالسين المهملة .
وقوله :
إلا عن موعدة وعدها إياه ( التوبة : 114 ) بالباء الموحدة .
وقوله :
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( عبس : 37 ) بالعين المهملة .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " من تدعون " على الاستفهام .
[ ص: 500 ] قلت : وأجاب
الجويني عن هذا بما يمكن أن يتخلص منه أن " يذر " أخص من " يدع " ؛ وذلك لأن الأول بمعنى ترك الشيء اعتناء بشهادة الاشتقاق ، نحو الإيداع ، فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ، ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها ، ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة ، وأما " تذر " فمعناها الترك مطلقا ، أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي ، ولا شك أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول ، فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم ، وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض .
قلت : ويؤيده قول
الراغب : يقال : فلان يذر الشيء ، أي : يقذفه ؛ لقلة الاعتداد به ، والوذرة قطعة من اللحم لقلة الاعتداد به ، نحو قولهم : " هو لحم على وضم " ، قال تعالى :
أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ( الأعراف : 70 ) وقال تعالى :
ويذرك وآلهتك ( الأعراف : 127 )
فذرهم وما يفترون ( الأنعام : 112 )
وذروا ما بقي من الربا ( البقرة : 278 ) وإنما قال : تذرون ولم يقل : " تتركون " و " تخلفون " لذلك . انتهى .
وعن الشيخ
كمال الدين بن الزملكاني أنه أجاب عن هذا السؤال بأن التجنيس تحسين ، وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان ، وهذا مقام تهويل ، والقصد فيه المعنى ، فلم يكن لمراعاة اللفظة فائدة .
وفيه نظر ، فإنه ورد في قوله :
ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ( الروم : 55 ) .
[ ص: 501 ] المثال الثاني : قوله تعالى :
وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( يوسف : 17 ) قال : معناه : وما أنت مصدق لنا ، فيقال : ما الحكمة في العدول عن الجناس ، وهلا قيل : " وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين " فإنه يؤدي معنى الأول مع زيادة رعاية التجنيس اللفظي ؟
والجواب : أن في " مؤمن لنا " من المعنى ما ليس في " مصدق " وذلك أنك إذا قلت : " مصدق لي " فمعناه : قال لي : صدقت . وأما " مؤمن " فمعناه مع التصديق إعطاء الأمن ، ومقصودهم التصديق وزيادة ، وهو طلب الأمن ؛ فلهذا عدل إليه .
فتأمل هذه اللطائف الغريبة ، والأسرار العجيبة فإنه نوع من الإعجاز .
فائدة
قال
الخفاجي : "
إذا دخل التجنيس نفي عد طباقا ؛ كقوله :
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( الزمر : 9 ) لأن " الذين لا يعلمون " هم الجاهلون ، قال : وفي هذا يختلط التجنيس بالطباق .