تنبيهات
الأول يجوز
الروم والإشمام فيما لم تبدل الهمزة المتطرفة فيه حرف مد ، وذلك أربعة أنواع : أحدها ما ألقي فيه حركة الهمزة على الساكن نحو (
دفء ، و
المرء ، و
سوء ، و
من سوء ، و
شيء ،
وكل شيء ) والثاني ما أبدل الهمز فيه حرفا وأدغم فيه ما قبله نحو (
شيء ، و
سوء ) عند من روى فيه الإدغام ، والثالث ما أبدلت فيه الهمزة المتحركة واوا
[ ص: 464 ] أو ياء بحركة نفسها على التخفيف الرسمي نحو ( الملوا ، والضعفوا ، ومن نباي ، وايتاي ) والرابع ما أبدلت فيه الهمزة المكسورة بعد الضم واوا ، والمضمومة بعد الكسر ياء ، وذلك على مذهب
الأخفش نحو ( لولؤ ، ويبتدئ ) فأما ما تبدل حرف مد فلا روم فيه ولا إشمام ، وهما نوعان كما قدمنا في الباب ، أحدهما : ما تقع الهمزة فيه ساكنة بعد متحرك ، سواء كان سكونها لازما نحو ( اقرا ، ونبي ) أم عارضا نحو ( يبدا ، وإن امرو ، ومن شاطي ) والثاني : أن تقع ساكنة بعد ألف نحو ( يشاء ، ومن السماء ، ومن ماء ) ; لأن هذه الحروف حينئذ سواكن لا أصل لها في الحركة ، فهن مثلهن في ( يخشى ، ويدعو ، ويرمي ) .
( الثاني ) يجوز
الروم في الهمزة المتحركة المتطرفة إذا وقعت بعد متحرك ، أو بعد ألف إذا كانت مضمومة ، أو مكسورة كما سيأتي في بابه ، وذلك نحو (
يبدأ ،
وينشئ ، و
اللؤلؤ ، و
شاطئ ، و
عن النبإ ،
والسماء ، و
برآء ، و
سواء ، و
يشاء ، والى السماء ، و
من ماء ) فإذا رمت حركة الهمزة في ذلك سهلتها بين بين ، فتنزل النطق ببعض الحركة وهو الروم منزلة النطق بجميعها فتسهل ، وذا مذهب
أبي الفتح فارس nindex.php?page=showalam&ids=12111والداني ، وصاحب " التجريد " ،
nindex.php?page=showalam&ids=14563والشاطبي والحافظ أبي العلاء وأبي محمد سبط الخياط ، وكثير من القراء ، وبعض النحاة ، وأنكر ذلك جمهورهم وجعلوه مما انفرد به القراء . قالوا : لأن سكون الهمزة في الوقف يوجب فيها الإبدال على الفتحة التي قبل الألف فهي تخفف تخفيف الساكن لا تخفيف المتحرك ، وكذب ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=15024أبو العز القلانسي ، وذهب أكثر القراء إلى ترك الروم في ذلك وأجروا المضموم والمكسور في ذلك مجرى المفتوح ، فلم يجيزوا سوى الإبدال كما تقدم ، وهو مذهب
أبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن سفيان وأبي الطاهر بن خلف وأبي العز القلانسي ،
وابن الباذش ، وغيرهم . وهو مذهب جمهور النحاة ، وقد ضعف هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=14563أبو القاسم الشاطبي ، ومن تبعه وعدوه شاذا ، والصواب صحة الوجهين ، فقد ذكر النص على
[ ص: 465 ] الروم كذلك الحافظ
أبو عمرو ، عن
خلف ، عن
سليم ، عن
حمزة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12590أبو بكر بن الأنباري في وقفه ، فقال : حدثنا
إدريس ، عن
خلف قال : كان
حمزة يشم الياء في الوقف مثل ( من نباي المرسلين ، وتلقاي نفسي ) يعني فيما رسم بالياء . وروى أيضا عنه أنه كان يسكت على قوله : (
إن الذين كفروا سواء ) يمد ويشم الرفع من غير همز ، وقال
ابن واصل في كتاب الوقف : كان
حمزة يقف على هؤلاء بالمد والإشارة إلى الكسر من غير همز ، ويقف على ( لا تسألوا عن أشيا ) بالمد ولا يشير إلى الهمزة . قال : ويقف على (
البلاء و
البأساء و
الضراء ) بالمد والإشارة . قال : وإن شئت لم تشر ، وقال : في قوله : (
أومن ينشأ ) قال : وإن شئت وقفت على الألف ساكنة ، وإن شئت وقفت وأنت تروم الضم .
وابن واصل هذا هو أبو العباس محمد بن أحمد بن واصل البغدادي من أئمة القراء الضابطين ، روى عن
خلف وغيره من أصحاب
سليم ، وروى عنه مثل
ابن مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13281وابن شنبوذ وأبي مزاحم الخاقاني ، وأضرابهم من الأئمة ، فدل على صحة الوجهين جميعا ، مع أن الإبدال هو القياس ، ولم يختلف في صحته ، وإنما اختلف في صحة الروم مع التسهيل بين بين ، فلم يذكره كثير من القراء ، ومنعه أكثر النحاة لما قدمنا ، ولم أر في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه تعرضا إلى هذه المسألة ، ولا نص فيها في الوقف بشيء ، بل رأيته أطلق القول بأن الهمزة تجعل بعد الألف بين بين ، ولم يبين هل ذلك في الوقف والوصل ، أو مخصوص بالوصل ، والله أعلم .
وذهب بعضهم إلى التفصيل في ذلك ، فما صورت الهمزة فيه رسما واوا أو ياء وقف عليه بالروم بين بين ، وما صورت فيه ألفا وقف عليه بالبدل اتباعا للرسم ، وهو اختيار
أبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح ، وغيرهم ، وهو ظاهر ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري نصا ، عن
خلف ، عن
حمزة ( من نبأ المرسلين ) ، وانفرد
أبو علي بن بليمة بالروم كذلك فيما وقعت الهمزة فيه بعد الألف دون ما وقع فيه بعد متحرك ، ووافقه على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12835أبو القاسم بن الفحام ، إلا أنه أطلقه في الأحوال الثلاث
[ ص: 466 ] ضما وفتحا وكسرا من غير خلاف ، وأجاز الوجهين بعد متحرك في الضم والكسر ، ووافقه
ابن سوار فيما كان بعد الألف ، وشذ بعضهم وأجاز الروم بالتسهيل في الحركات الثلاث بعد الألف وغيرها ولم يفرق بين المفتوح وغيره ، وحكاه الحافظ
أبو عمرو في جامعه ، ولم يذكر أنه قرأ به على أحد ،
وأبو الحسن طاهر بن غلبون في تذكرته ولم يرضه ، وحكى نصا
لحمزة وفيه نظر ، والله أعلم .
( الثالث ) إذا
كانت الهمزة ساكنة لموجب فأبدلت حرف مد بقي ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم ، وذلك نحو (
نبئ و
اقرأ ، و
يشاء ،
ويهيئ ) وشذ صاحب الروضة
أبو علي المالكي فقال : ويقف على ( نبي عبادي ) بغير همز ، فإن طرحت الهمزة وأثرها قلت : ( نب ) وإن طرحتها وأبقيت أثرها قلت : ( نبي ) انتهى ، وما ذكره من طرح أثر الهمزة لا يصح ولا يجوز ، وهو مخالف لسائر الأئمة نصا ، والله أعلم .
( الرابع ) إذا
وقفت بالبدل في المتطرف بعد الألف نحو (
جاء ، و
السفهاء ، و
من ماء ) فإنه يجتمع ألفان ، فإما أن تحذف إحداهما للساكنين أو تبقيهما ; لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين . فإن حذفت إحداهما فإما أن تقدرها الأولى أو الثانية ، فإن قدرتها الأولى فالقصر ليس إلا لفقد الشرط ، إلا أن الألف تكون مبدلة من همزة ساكنة ، وما كان كذلك فلا مد فيه كألف (
يأمر ، و
يأتي ) وإن قدرتها الثانية جاز المد والقصر من أجل تغير السبب ، فهو حرف مد قبل همز مغير كما تقدم آخر باب المد ، وإن أبقييهما مددت مدا طويلا . وقد يجوز أن يكون متوسطا لما تقدم في سكون الوقف ، كذلك ذكره غير واحد من علمائنا كالحافظ
أبي عمرو وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح وأبي العباس المهدوي ، وصاحب تلخيص العبارات وغيرهم . فنص
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي في " التبصرة " على حذف أحد الألفين ، وأجاز المد على أن المحذوف الثانية والقصر على أن المحذوف الأولى
[ ص: 467 ] ورجح المد . ونص
المهدوي في " الهداية " على أن المحذوف الهمزة ، وذكر في شرحه جواز أن تكون الأولى ، واختار أن تكون الثانية ، وزاد فقال : وقد يجوز أن لا يحذف واحدة منهما ويجمع بينهما في الوقف فيمد قدر ألفين ، إذ الجمع بين ساكنين في الوقف جائز ، وقطع في " الكافي " بالحذف ، ومراده حذف الهمزة ; لأنه قطع بالمد وقال : لأن الحذف عارض . ثم قال : ومن القراء من لا يمد ، وقطع في " التلخيص " بالجمع بينهما ، فقال : تبدل من الهمزة ألفا في حال الوقف بأي حركة تحركت في الوصل لسكونها وانفتاح ما قبل الألف التي قبلها ، وتمد من أجل الألفين المجتمعتين ، وبهذا قطع
أبو الحسن بن غلبون ، وقال في " التيسير " : وإن كان الساكن ألفا ، سواء كانت مبدلة ، أو زائدة أبدلت الهمزة بعدها ألفا بأي حركة تحركت ، ثم حذفت إحدى الألفين للساكنين ، وإن شئت زدت في المد والتمكين ليفصل ذلك بينهما ولم تحذف ، قال : وذلك الوجه وبه ورد النص عن
حمزة من طريق
خلف وغيره ، فاتفقوا على جواز المد والقصر في ذلك ، وعلى أن المد أرجح ، واختلفوا في تعليله ، فذهب
الداني ، ، وأبو الحسن طاهر بن غلبون وأبو علي بن بليمة ،
والمهدوي إلى عدم الحذف ، ونص على التوسط
أبو شامة وغيره من أجل التقاء الساكنين ، وقاسه على سكون الوقف . وقد ورد القول بالمد .
( قلت ) : وليس كما قال ، هو صحيح نصا وقياسا وإجماعا . أما النص فما رواه
يزيد بن محمد الرفاعي نصا ، عن
سليم ، عن
حمزة قال : إذا مددت الحرف المهموز ، ثم وقفت فأخلف مكان الهمزة مدة ، أي : أبدل منه ألفا ، وروى أيضا
خلف ، عن
سليم ، عنه قال : تقف بالمد من غير همز ، وجائز أن تحذف المبدلة من الهمزة وتبقى هي ، فعلى هذا يزاد في تمكينها أيضا ليدل بذلك على الهمزة بعدها ، وهذا صريح في الجمع بين الألفين ، وأما القياس فهو ما أجازه
يونس في : اضربا زيدا ، على لغة تخفيف النون ، قال : إذا وقفت قلت : اضربا ، إلا أنها تبدل في الوقف ألفا فيجتمع ألفان فيزداد في المد كذلك ، وروى عنه كذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر بن النحاس وحكاه الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني .
[ ص: 468 ] ( الخامس ) إنما يكون
اتباع الرسم فيما يتعلق بالهمزة خاصة دون غيره ، فلا تحذف الألف التي قبل الهمزة في ( العلمواء و
يشاء و
جزاء ) ، ولا تثبت الألف بعد الواو بعدها . وهذا بالإجماع ممن رأى التخفيف الرسمي ، وكذلك لا تثبت الألف من نحو ( مائة ، و لشاي في الكهف ) ونحو ذلك مما كتب زائدا ، إذ لا فرق لفظا بين وجودها وعدمها .