[ ص: 358 ] الباب العاشر .
في صلاة السفر .
السفر في اللغة : قطع المسافة ، وهو مأخوذ من قولهم : سفرت المرأة عن وجهها ; إذا أظهرته ، وأسفر الصبح : إذا ظهر ; لأنه سفر عن أخلاق الرجال بسبب مشاقه ، والكلام في السبب والشروط والحكم ومحله ; فهذه أربعة فصول :
الفصل الأول : في
السبب وهو في الكتاب : سفر ثمانية وأربعين ميلا : أربعة برد ، كل بريد أربعة فراسخ ، وكل فرسخ ثلاثة أميال ، وترك قوله يوما وليلة ، قال
سند : معناه ترك التحديد - قاله بعض الأصحاب ، وإلا فهما سواء ، وقاله ( ش ) ، وقاله ( ح ) : أربعة وعشرون فرسخا ، وروي عن
مالك خمسة وأربعون ميلا ، وقال
ابن حبيب : أربعون ميلا ، وروي عن
ابن القاسم : من صلى في ستة وثلاثين ميلا لا يعيد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : يعيد في الوقت ، وفي الجواهر : وروي عن
[ ص: 359 ] مالك اثنان وأربعون ميلا . لنا ما في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : كان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد ، ويروى عنه - عليه السلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348693تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان " .
فوائد الفرسخ : فارسي عرب ، والميل يشبه أن يكون من الميل بفتح الميم ; لأن البصر يميل فيه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه ، وفيه سبعة مذاهب : قال صاحب التنبيهات : هو عشرة غلى ، والغلوة طلق الفرس وهو مائتا ذراع ، فيكون الميل ألفي ذراع قاله
ابن حبيب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أصح ما قيل فيه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع ، ونقل صاحب البيان : ثلاثة آلاف ذراع ، وقيل : أربعة آلاف ذراع ; كل ذراع ستة وثلاثون أصبعا ; كل أصبع ست شعيرات بطن إحداها إلى ظهر الأخرى ; كل شعيرة ست شعرات شعر البرذون ، وقيل : أمد البصر - قاله صاحب الصحاح ، وقيل : ألف خطوة بخطوة الجمل ، وقيل : أن ينظر الشخص فلا يعلم أهو آت أم ذاهب ، أو رجل أو امرأة ، قال
سند : والبحر عند
مالك مثل البر في اعتبار المساحة ، وروي عنه أيضا اعتبار يوم وليلة ; لأن الريح قد تقطع تلك المساحة في نصف نهار ، قال : ولا فرق بين المساحة المستقيمة أو الشديدة لحصول المشقة ، واشترط
ابن الجلاب واللخمي الاستقامة ، قال : فإن اجتمع البر والبحر ; فإن راعينا المساحة فلا كلام ، وإلا وجب التلفيق ; فإن كانت البداية بالبر وهو لا يسافر في البحر إلا بالريح ; ففي الجواهر قال
nindex.php?page=showalam&ids=12927ابن المواز : ولا بد أن يكون في مسافة البر أربعة برد ; لأن الريح قد يتعذر ، فلو كان للبلد طريقان : قريب وبعيد ، فعدل عن القريب الناقص عن مسافة القصر لحاجة ، قصر
[ ص: 360 ] عند
مالك ، و ( ش ) ، و ( ح ) ، وإن لم يقصد إلا للترخص ، فقال ( ح ) : يقصر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قولان ; ويتخرج
لمالك قولان من قوليه في لابس الخف للترخص .
قاعدة
الأصل اعتبار الأوصاف المشتملة على الحكم ، فإذا تعذر اعتبارها : إما لعدم انضباطها أو لخفائها ، أقيمت مظنتها مقامها ، فكان الأصل إناطة الأحكام بالعقل حالة وجوده ، لكنه لما لم ينضبط زمانه ، أقيم البلوغ مقامه لكونه مظنة له ، وموجب انتقال الأملاك الرضى ، ولما لم يعلم أقيم الإيجاب والقبول مقامه ، والمشقة سبب الترخص بالقصر ، فلما لم تنضبط أقيمت المساحة مقامها ; لكونها مظنة لها .
فروع أحد عشرة :
الأول قال في الكتاب : إذا
واعد من يمر به أو ينتظر فيه رفقة تأتيه ، وبينه وبين ذلك الموضع الذي يمر به أو ينتظر فيه : ما لا تقصر فيه الصلاة إن كان عازما على السفر على كل حال قصر ، وإن كان لا يسافر إلا بهم أتم ; حتى يبرز عن الموضع الآخر .
الثاني في الكتاب : متى
نوى المسافر إقامة أربعة أيام أتم ، وقاله ( ش ) ، وقال
ربيعة : يوما وليلة قياسا على مدة السفر ، وقال ( ح ) : خمسة عشر يوما
[ ص: 361 ] لقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ذلك ، وقال
الليث : ستة عشر ،
وإسحاق : تسعة عشر - لما في الصحيحين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348694أقام - عليه السلام - عام الفتح تسعة عشر يقصر الصلاة ، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا ، وإذا زدنا أتممنا . لنا قوله - عليه السلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348695يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا مع تحريم الإقامة عليهم بمكة ; لأنهم تركوها لله " ، فيكون الزائد إقامة ، وفي
مسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348696الضيافة ثلاثة أيام ، والمقيم لا يضيف " ، ولأن ظاهر القرآن يقتضي أنه إذا لم يكن ضاربا في الأرض لا يقصر ، خالفناه في الثلاث ; لأن المسافر تنعقر دابته ويقضي في بعض المناهل حوائجه ، فلا بد من اللبث اليسير ، فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل ، والجواب على ما نقلوه أن اللبث ليس مانعا من القصر ، بل لا بد من نية الإقامة ، فلا بد على وجودها من دليل ، وعن القياس الفرق بأن أكثر الإقامة أكثر من أكثر السفر عادة ، فيكون أقلها أكثر من أقله عملا بالمناسبة .
تفريع .
قال
سند : اعتبر
ابن القاسم أربعة أيام غير يوم دخوله لتناول لفظ خبر الأيام ، ويلزم على قوله : عدم اعتبار يوم خروجه ، وقاله ( ش ) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12927ابن المواز nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون : عشرون صلاة ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل ; لأن الحكم إنما تعلق بالأيام لأجل الصلوات ، فلو عزم على السفر بعد الأربعة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يقصر حتى يظعن كابتداء السفر ، وقال
ابن حبيب : يقصر في موضعه دفعا للنية بالنية . ولو نوى الاستيطان إلا أنه عزم على الحركة قبل الأربع ثم رجع أتم عند
مالك ، وقصر عند
nindex.php?page=showalam&ids=13521ابن مسلمة ، ولو عزم بعد الأربعة على إتمام سفره ، اشترط في الثاني مسافة القصر - وهو أرجح قولي
مالك ، وبه أخذ
ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=12927وابن المواز .
[ ص: 362 ] الثالث في الكتاب : إذا
عزم على الإقامة بعد ركعة يضيف إليها أخرى ويجعلها نافلة ، ثم يبتدئ أربعا ، قال
سند :
ولابن القاسم في بطلانها قولان لاختلاف النية ، وإذا قلنا بالصحة ففي الكتاب يجعلها نافلة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون يتمها سفرية ، وتجزيه ، خلافا ( ح ش ) نظرا للإحرام كالمتيمم يطرأ عليه الماء ، فلو
نوى الإقامة قبل الركوع ، قال
مالك : يجعلها نافلة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون : يتمها أربعا بخلاف ما بعد الركوع ; لحصول ما يبني عليه كمن أدرك من الجمعة ركعة ، ولو أدرك في الجمعة دون الركعة صلى أربعا ، فلو
نسي العصر فأحرم به قبل الغروب بركعة ، ثم نوى الإقامة بركعة بعد ركعة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يتمادى ; لأنها نية بعد خروج الوقت ، وقد ترتبت في ذمته سفرية ، وقال
أصبغ : يقطع ; لأن وقتها إلى الغروب ما لم يحرم قبل الغروب ، كما لو غربت الشمس بعد ركعة من الجمعة ، فإنه يستأنف قضاء الظهر ، ثم إذا قطع المسافر ، قال
أصبغ : يبتدئها سفرية ; لوقوع النية بعد الوقت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12927ابن المواز : تجزيه ، ثم رجع إلي قول
أصبغ ; فلو
لم يحرم بالعصر حتى غابت الشمس ثم نوى الإقامة ; صلاها سفرية ، ولو
بقي من النهار ثلاث ركعات وعليه الصلاتان ، فلما صلى ركعة من الظهر نوى الإقامة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يصليها سفرية ، والعصر حضرية ; لأنه أقام بعد خروج وقت الظهر ; فلو نوى بعد الصلاة ، ففي الجلاب : لا يعيد كالمريض يصح بعد الصلاة ، وقيل : يعيدها استحبابا لبقاء الوقت ، والفرق أن سبب الترخيص للمريض مقارن للصلاة وللمسافر مفارق ; لأن حالة الصلاة لا يسر فيها .
[ ص: 363 ] تمهيد :
لا يصير مسافرا بمجرد النية ; لأن السفر على خلاف الأصل فلا تكفي فيه النية ، ويصير مقيما بها ; لأن الأصل الإقامة ، كما قلنا في العروض تصير للقنية بعد التجارة بمجرد النية ; لأن الأصل فيها ، ولا تصير للتجارة بعد القنية إلا بالبيع مع النية .
الرابع في الكتاب :
النواتية يقصرون ، وإن كان معهم الأهل والولد في السفينة ، وقاله ( ش ) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل : لا يقصرون لأنهم بمنزلة المقيمين .
الخامس في الكتاب : لو
نوى إقامة يوم وليلة في قرية وليس فيها أهله وفيها جواريه وولده وماله قصر ، فإن كان فيها أهله أتم ولو صلى واحدة ; لأن العادة تقوم مقام القصد ، كالأثمان في البيع ، والكون في هذا المكان إقامة في العادة ، فلا حاجة إلى النية ، وقال ( ش ) : حتى ينوي إقامة أربعة أيام ; لأن
المهاجرين كانوا في
مكة عند أهليهم وكانوا يقصرون ونحن نمنع ذلك ، وتقدير التسليم يكون خاصا بهم ; لأنهم تركوا وطنهم لله ، فلم يبق لنفوسهم إليه سكون ، قال
سند : فلو
نزل بقرية كان أهله بها وماتوا ، ففي الموازية : يتم ما لم يرفض سكناها ، ولو
تزوج بقرية ليست مسكنه ، ففي الموازية لا يتم حتى يبني بأهله ثم يلزمه
[ ص: 364 ] السكنى ، وكذلك قال
ابن القاسم في المجموعة في الفرعين ، وفي الكتاب لو
نوى الإقامة بقرية ثم سافر ثم رجع إليها أتم ; لأنها وطنه ورجع إلى أنه يقصر ; نظرا إلى الأصل فيها ; لأنها ليست موضع أهله .
السادس قال
سند : إن نوى غاية ما يسافر إليه ، لكنه إن وجد حاجته دون ذلك رجع أتم .
السابع في الكتاب : إذا
سافر ثلاثة فراسخ ثم رجع أتم إذا رجع ; لأنه سفر ثان دون مسافة القصر ; بخلاف من ترده الريح غلبة ; لأنه لم يعزم على الرجوع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون في المجموعة يقصر كمن ترده الريح .
الثامن : في الكتاب :
يتم الأسير بدار الحرب إلى أن يسافر ; لأنه وإن لم يعزم فهو مسجون ، قال
سند : وكذلك لو سافر به الشهرين ، قصر وإن كان لو وجد يهرب ورجع .
التاسع :
يقصر الجيش بدار الحرب ، ولو أقام شهرا ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348697لأنه - عليه السلام - أقام بتبوك عشرين يوما يقصر ، قال
سند : فلو عزموا على الإقامة أربعة أيام قصروا .
العاشر في الكتاب : إذا ردته الريح أتم في المكان الذي خرج منه ، قال
سند : إن
ردته الريح إلى وطنه أتم ، وإلا فقولان
لمالك ; فلو ردته إلى وطنه وهو محرم بالصلاة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : تبطل كما لو نوى الإقامة فيها .
[ ص: 365 ] الحادي عشر في الكتاب : من
دخل مكة فأقام بضع عشرة ليلة فأوطنها ، ثم أراد الخروج إلى الجحفة ليعتمر منها ، ثم يقدم مكة فيقيم بها اليومين ، ثم يخرج يتم ورجع إلى القصر ، قال في الجواهر : يتخرج على تلفيق الإقامة - الإتمام - بضم اليومين إلى ما قبلهما ، والقصر على ترك التلفيق ، وأضاف اليومين إلى ما بعدهما من السفر ، ويخرج على التلفيق : من
سافر في البحر ثم ردته الريح إليه : هل يقصر فيه أو يتم ؟ ولا شك أنه يتم إذا كان موضع وطنه ، وإن لم يكن وطنه ولا نوى دوام الإقامة ، ففي قصره قولان ، ولا تحسب المسافة بالعودة إلى وطنه - وإن لم يبلغه إقامة أصلا ، والإقامة المعتبرة أربعة أيام ; فإن رجع لأخذ شيء نسيه ، ثم يقصر في رجوعه ; فقال
عبد الملك : يقصر - وإن رجع إلى غير وطنه ، وكان يقصر فيه - قصر الآن . وإن كان يتم ، فقيل : يتم في رجوعه ، وقيل : يقصر ، ثم منتهى سفره منتهى قصره ، إلا أن ينوي إقامة في أضعاف سفره ، يكون مكان الإقامة هو المعتبر ، وقيل : يلفق المسافة بما قبل الإقامة وما بعدها ، فيجري الخلاف في تلفيق الإقامة ، وفي تلفيق السفر .