الشرط الثاني عشر :
أن يكون مأمون التسليم عند الأجل احترازا من الموجود عند الأجل ، لكنه يتوقع العجز عنه لئلا يكون الثمن تارة بيعا وتارة سلفا .
[ ص: 255 ] قاعدة :
السلف رخص فيه صاحب الشرع لمصلحة المعروف بين العباد ، فاستثناه لذلك من قاعدة الربا في النقدين وغيرهما لعدم التناجز فيه ، فإن فعل لغير المعروف امتنع ، فإذا آل أمر الثمن إلى السلف مع أنه لم يقصد به المعروف أولا امتنع لفقدان المعنى الذي لأجله استثناه الشرع من المحرمات ، أو لأن ما شأنه أن يكون لله إذا وقع لغير الله امتنع ، ويفيدنا هذا في غير الربويات ، فلهذه القاعدة يعلل الأصحاب بقولهم : يلزم أن يكون الثمن تارة بيعا وتارة سلفا .
فرع
في الكتاب : يمنع
السلم في حائط بعينه قبل زهوه ليأخذه بسرا أو رطبا لتوقع هلاكه قبل ذلك ، وإنما يجوز إذا كان أزهى ; لأنه مأمون حينئذ .
فرع
قال : يمنع في
نسل الحيوان بعينه بصفة وإن كانت حوامل ; لعدم الوثوق بنسله ، وإنما يصح مضمونا وكذلك
اللبن والصوف إلا في الإبان ; لأنه مأمون حينئذ ويشترط الأخذ في الإبان وإن لم ينفذ إذا شرع في الأخذ في يومه إلى أيام يسيرة ; لأنه بيع لا سلم ، فإن سلف في لبنها قبل الإبان ، واشترط الأخذ فيه ، امتنع لعدم الوثوق بالتسليم ، قال
اللخمي : يجوز في نسل الحيوان المعين الموصوف إذا لم يقدم رأس المال ، وكان الوضع قريبا ، فإن خرج على الصفة دفع الثمن ، وإلا فلا غرر ، ولا يكون الثمن تارة بيعا وتارة سلفا فيجوز ، ويختلف إذا كان الوضع بعيدا ، فأصل
ابن القاسم : المنع ؛ لتردد الثمن بين السلف والثمن ، وأصل غيره : الجواز إذا كانت الغنم كثيرة فيجوز السلم في
[ ص: 256 ] لبنها في الإبان ، وشراؤه جزافا بعد اختباره ، وإن كانت كالشاتين جاز السلم في نصف لبنها ، وما الغالب حصوله منها ، وكره شراء جملته لتوقع اختلافه ، بخلاف الكثير يحصل بعضه بعضا ، ولم يكره مرة أخرى ; لأن الأصل بقاؤه على حاله فإن نقص بعضها عن المعتاد حط من الثمن بقدره ، فإن أضر بها الحلاب جملة كان لصاحبها الفسخ ، وكذلك الغنم الكثيرة إذا أخذها الجرب ، ويجوز
السلم في جبن الغنم المعينة وزبدها ; لأنه يعلم صفته ، واختلف في
السمن والأقط ؛ أجازه
ابن القاسم ، وكرهه
أشهب لاختلافهما ، قال
ابن يونس : كرهه لبعده ، كاشتراط أخذ الزهو تمرا ، أو كشراء الزيتون على أن على بائعه عصره فلا تعلم صفته ، وفي الجواهر : يمتنع السلم في نسل حيوان بعينه وإن وصفه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14554أبو القاسم السيوري : إذا لم ينقد وشرط : إن وافق العقد أخذه . جاز ، وإلا فقولان يتخرجان من كراء الأرض الغرقة .
فرع
قال
ابن يونس : إذا
اشترى جزاز كباش معينة فيصاب بعضها قبل الجز : قال
مالك : له مقال لعدم التسليم ، قال
ابن يونس : ذلك إذا فقدت أعيانها بالبيع أو غيره ، أما بالموت : فللمشتري صوفها لأنه لا ينجس بالموت إلا أن يكون مكروها عند الناس ، قال بعض الأصحاب : لعله يعني إذا اشتراه وزنا أما جزافا فلا يوضع شيء من الثمن .
[ ص: 257 ] فرع
في الكتاب : يجوز
السلم فيما ينقطع في بعض السنة ، ويشترط ( أخذه في إبانه ، قال
سند : له ثلاث حالات : يسلم في الإبان بشرط ) الأخذ فيه ، فيجوز اتفاقا ، وإن اشترط أخذه في غير إبانه امتنع اتفاقا السلم في الإبان أم لا ، قولان ، وإن أسلم في غير الإبان واشترط أخذه في الإبان أجازه
مالك و ( ش ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل ، واشترط ( ح ) استقرار المسلم فيه من حين العقد إلى زمان التسليم ; لاحتمال موت البائع فيحل السلم بموته ، فلا يؤخذ السلم فيه ، ولأنه إذا كان معدوما قبل الأجل وجب أن يكون معدوما عنده عملا بالاستصحاب ، فيكون غررا فيمتنع إجماعا . ولأنه غائب عند العقد فيمتنع في المعدوم كبيع الغائب على الصفة ، ولأن العدم أبلغ من الجهالة فيبطل قياسا عليها بطريق الأولى ; لأن المجهول الموجود له ثبوت من بعض الوجوه ، بخلاف المعدوم نفي محض ، ولأن ابتداء العقود آكد من انتهائها بدليل اشتراط الولي وغيره في ابتداء النكاح ، ومنافاة اشتراط أجل معلوم فيه ، وهو نكاح المتعة فينافي التحريم أوله دون آخره ، وكذلك البيع يشترط أن يكون المبيع معلوما مع شروط كثيرة عند العقد ، ولا يشترط ذلك بعد ذلك ، فكل ما نافى آخر العقد نافى أوله من غير عكس ، والعدم ينافي عقد الأجل فينافي العقد .
والجواب عن الأول : أنه لو اعتبر لكان الأجل في السلم مجهولا ; لاحتمال الموت ، فيلزم بطلان كل سلم وكذلك البيع بثمن إلى أجل ، بل الأصل : العدم إلى حين التسليم ، فإن وقع وقعت الشركة إلى الإبان ، فإن الموت لا
[ ص: 258 ] يفسد البيع ، ولعدم الوجود يمتنع التعجيل ، فإن كان عليه دين لم يلزم الغرماء الصبر إلى الإبان ، ويحاصصوا المشتري ، فما نابه وقف ، فإن اتفق الورثة على أصل القيمة جاز إن كان مما يجوز بيعه قبل قبضه ، وإلا فلا . وتوقف القيمة إلى الإبان فيشتري بها ماله ، ولا يرجع على الغرماء في غلاء أو رخص ; لأنه حكم الفصل إلا أن يفضل عنه شيء فللغرماء ، وعن الثاني : أن الاستصحاب يعارض بالغالب ، فإن الغالب وجود الأعيان في إبانها ، وعن الثالث : أن الحاجة تدعو إلى العدم في السلم بخلاف بيع الغائب ، لا ضرورة تدعو إلى ادعاء وجوده ، بل يجعله سلما ، فلا يلزم من ارتكاب الغرر للحاجة ارتكابه لغيرها ، فلا يحصل مقصود الشرع من الرفق في السلم إلا مع العدم ، وإلا فالموجود يباع بأكثر من ثمن السلم ، وعن الرابع : أن المالية منضبطة مع العدم بالصفات ، وهي مقصود عقود التنمية ، بخلاف الجهالة ، ثم ينتقض ما ذكر المعقود بالإجارة تمنعها الجهالة دون العدم ، وعن الخامس : إنا نسلم أن ابتداء العقد آكد في نظر الشرع ، لكن آكد من استمرار آثارها ، ونظيرها هنا بعد القبض ، وإلا فكل ما يشترط من أسباب المالية عند العقد يشترط في المعقود عليه عند التسليم ، وعدم المعقود عليه عند العقد مع وجود المعقود عليه في زمن التسليم ، لا مدخل له في المالية البتة ، بل المالية مضمونة بوجود المعقود عليه عند التسلم ، فهذا العدم حينئذ طردي فلا يعتبر في الابتداء ، ولا في الانتهاء مطلقا ثم يتأكد مذهبنا بالحديث الصحيح أنه - عليه السلام - (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349409قدم المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث ، فقال - عليه السلام - : من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) يدل من وجوه : أحدها : أن تمر السنتين معدوم ، وثانيها : أنه أطلق ولم يفرق ، وثالثها : أن الوجود لو كان شرطا لبينه ; لأن
تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، ولأنه وقت لم يجعله المتعاقدان محلا
[ ص: 259 ] للمسلم فيه . فلا يعتبر وجوده . كما بعد الأجل ; لأن القدرة على التسلم إذا بطلت في وقت اقتضاه العقد ، أما ما يقتضيه فيستوي قبل الأجل لتوقع الموت ، وبعده لتعذر الوجود ، فيتأخر القبض ، وكما أن أحدهما ملغى إجماعا ، فكذلك الآخر ، وقياسا على عدم أثمان بيوع الآجال قبل محلها .
فرع
في الكتاب : يجوز
السلم في طعام قرية كبيرة بعينها ، أو ثمرها ، أو غيرهما في أي وقت شاء ، ويشترط الأخذ في أي وقت شاء إذا كانت لا تخلو من ذلك ، وأما ما ينقطع كالبسر فيشترط أخذه في إبانه نفيا للغرر ، ويجوز السلم في ذلك لمن ليس له فيها ملك ; لقدرته على الشراء منها .