[ ص: 225 ] الباب الأول
في السلم
وفيه ثلاثة أنظار :
النظر الأول : في شروطه ، وهي أربعة عشر شرطا ، الشرط الأول : ; لنهيه عليه السلام عن بيع الكالئ بالكالئ . تسليم جميع رأس المال
قاعدة : مقصود صاحب الشرع : صلاح ذات البين وحسم مادة الفتن حتى بالغ في ذلك بقوله : ( ) وإذا اشتملت المعاملة على شغل الذمتين توجهت المطالبة من الجهتين ، وكان ذلك سببا لكثرة الخصومات والعداوات ، فمنع الشرع ما يفضي لذلك من بيع الدين بالدين ، وفيه أيضا زيادة عذر لوقوعه في الثمن والمثمن معا . لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا
فائدة : الكالئ من الكلاءة وهي الحراسة والحفظ ، فهو اسم فاعل إما البائع أو المشتري ; لأن كليهما يحفظ صاحبه ويراقبه لما له عنده فيكون معناه : نهي عن بيع مال الكالئ بمال الكالئ ; لأن الرجلين لا يباع أحدهما بالآخر فتعين [ ص: 226 ] الحذف فإما للاثنين ; لأن كليهما يحفظ الآخر عن الضياع عند التفليس وغيره ، ويستغنى عن الحذف لقبولهما المبيع ، أو يكون اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول كالماء الدافق بمعنى المدفوق مجازا ويستغنى عن الحذف أيضا ، وعلى التقادير الثلاثة فهو مجاز ; لأنه إطلاق باعتبار ما سيكون ، فإن النهي وارد قبل الوقوع .
فرع
في الكتاب : إذا أخذت نصف الثمن بطل الجميع ، وإن كان رأس المال حيوانا أو طعاما بعينه فتأخر نحو الشهر بشرط فسد البيع ; لأنه بيع معين يتأخر قبضه ، أو لهرب أحدهما نفذ مع كراهة .
قال سند : إذا هرب الدافع رفع الآخر أمره للحاكم فسلم له ، أو الآخذ سلمه الحاكم ، قال ابن حبيب : إن ماطله حتى حل الأجل خير البائع بين الرضا والفسخ ; لعدم انتفاعه بالثمن في الأجل ، وهي حكمة السلم ، قال اللخمي : اختلف في هل يفسد الجميع قال بقدر ما يتأخر أم لا ؟ وإذا كان أجل السلم ثلاثة أيام امتنع التأخير ، وإن أجزناه في غير هذا ; لأنه دين بدين ، وإذا تأخر نحو النصف قيل : يمضي المعجل ، وقيل : إن سمى لكل قفيز ثمنا صح المعجل ، وإلا فسد الجميع كالصرف ، وفيه أيضا زيادة غرر في الثمن والمثمن معا . اشتراط تأخير اليسير من الثمن المدة البعيدة
[ ص: 227 ] فرع
في ( الكتاب ) : إذا ، فإن كان البائع تركه وديعة في يديك فقد قبضه فهو منه ، ويتبع الجاني ، وكذلك إن لم يقبضه ، وإلا فمنك وانفسخ السلم لبطلان الثمن ، فإن كان حيوانا أو دارا اتبع الجاني ، والسلم ثابت لعدم التهمة في فسخ السلم ، قال كان الثمن عرضا فأحرقه رجل في يدك سند : وعن ابن القاسم : إذا لم يقم البينة فيما يغاب عليه يفوت السلم ، وعلى المشتري قيمته ; لأن الأصل بقاء العقد ، وإذا قلنا بالفسخ قال التونسي : فذلك بعد تحليف المسلم على التلف لاتهامه في الكتمان ، فإن نكل لزمته القيمة ، قال صاحب ( النكت ) : إذا أحرقه رجل امتنعت شهادة المشتري إن كان معدما ; لأنه يتهم به في الحوالة عليه ، وإلا جازت شهادته ، قال أبو الطاهر : في شهادته أقوال : ثالثها إن كان معسرا ردت وإلا فلا ، وأصلها تبين التهمة وعدمها .
فرع
في ( الكتاب ) : إذا فله البدل إلا أن يعملا على ذلك فتعيين ثلاثة أيام ; لأن ذلك يجوز تأخير رأس مال السلم إليه ، قال وجد رأس المال زيوفا أو رصاصا بعد شهر المازري : إذا وجد من رأس المال درهما زائفا انتقض من السلم بقدره كالصرف ، فإن رضي به صح كالصرف ، وقد يجري الخلاف الذي في الصرف هاهنا ، ولو تراضيا بتأخير البدل مدة طويلة امتنع ، قال ابن [ ص: 228 ] يونس : ينتقض السلم كله ، وقيل : ينتقض بقدر الزائف ، قال : ويحتمل أن لا ينتقض شيء لصحة العقد أولا ، قال المازري : فإن عثر عليها بقرب يومين فسخ الباقي وامتنع البدل أو بعد الطول ، فقال أبو بكر عبد الرحمن : ينفسخ العقد كله كأنهما عقدا على تأخير رأس مال السلم ، وقيل : ينتقض بقدر الزائف ; لأنه محل الفساد ، وقيل : لا يفسد من السلم شيء بعد التهمة ، ويلاحظ هاهنا الرد بالعيب هل هو نقض للعقد أم لا ؟ فيكون عقدا ثانيا فيمضي الأول ، قال أشهب : إن بقي من أجل السلم نحو اليومين جاز اشتراط تأخير البدل المدة البعيدة ، ويصير الذي يقبض بعد اليومين هو رأس المال لمدة بعيدة ما لم يكن رأس المال وديعة عند البائع وادعى تلفه ، والمسلم فيه طعام يفسخ العقد عند ابن القاسم للتهمة في التأخير ، وخير محمد المسلم إليه في الفسخ وأخذ قيمة التالف ، وتصدق في أنك ما دفعت إلا جيدا ; لأن الأصل : عدم الغرم إلا أن يكون أخذها ليدها فيصدق مع يمينه .
فرع
قال اللخمي : إذا انتقض السلم لبطلان الثمن ، فإن لم يكن معيبا فعلى القول بإجازة السلم الحال في الموصوف يرجع بمثله ، وإذا انتقض السلم بعد قبض المسلم فيه وحوالة سوقه ، أو تغيره ، أو خروجه عن اليد وهو غير مثلي ، رد مثله يوم قبضه ; لأن اليد مضمنة للحديث ، أو مثليا أخذه إن كان بيده ; لأن المثلي لا يفوت بحوالة الأسواق ، أو مثله إن لم يوجد ، وعلى [ ص: 229 ] قول ظهر الثمن معيبا وهو معين ابن وهب : إن حوالة الأسواق تفيته في البيع الفاسد يأخذ القيمة .
فرع
في ( الكتاب ) : يمتنع أن خشية أن يعطيك من عنده فيكون دينا بدين حتى تقبض الدين ثم تدفعه له ، قال توكل غريمك في سلم سند : وحيث منعنا فأتى بالمسلم فيه لزمه أخذه ودفع الدين ، إلا أن يشهد على أن العقد للموكل حالة الوكالة ، فإن تأخر العقد عن الوكالة منع للتهمة في أنه أخره لمنفعة السلم ، فإن وكله قبل أجل الدين وثبت أنه أسلم لم يضر التأخير عن حالة الوكالة ، إلا أن يتأخر حالة الحلول ولو وكله على البيع نفذ البيع ، وكرهه ابن القاسم إلا أن يكونا حاضرين ، قال أبو الطاهر : إن كان الموكل غائبا امتنع ، أو حاضرا لذلك العقد ، أو لذلك دون العقد فالجواز في ( الكتاب ) لأنه شراء نقدا ، ومنع حماية للذريعة البعيدة . سحنون
فرع
في ( الجلاب ) : يجوز كالسلم في الخبز والفواكه تنزيلا لقبض البعض منزلة قبض الكل فليس دينا بدين ، نظيره : قبض أوائل المنافع المأخوذة في الديون ، وكذلك جملة الإجارات . تأخير الثمن إذا شرع في أخذ المثمن
فرع
قال المازري : يجوز أن يكون خلافا ل ( ش ) و ( ح ) ; لأنه يجوز بيعه فجاز ثمنا قياسا على المقدر ، والجواب عن قياسهما على القرض والقراض ، وعن توقع عدم حصول المسلم فيه فيتعذر معرفة ما يرجع به ، أن القراض والقرض يرد فيهما المثل ، وهو متعذر في الجزاف ، والمردود في السلم [ ص: 230 ] غيره ، وهو مضبوط بالصفة ، والغالب : الوفاء بالمسلم فيه ، وفي ( الجواهر ) : منع رأس المال جزافا عبد الوهاب الجزاف .
فرع
وفي ( الجواهر ) : ولا يشترط ، ولا يفسد العقد بتأخيره بالشرط اليوم واليومين والثلاث ; لأن الثلاثة مستثناة من المحرم في الهجرة والمهاجرة بالإقالة قبض رأس المال في المجلس بمكة ثلاثة أيام ، ومنع الإحداد لغير ذات الزوج ، وقيل : بفساد السلم إذا افترقا قبل القبض كالصرف ، وقاله ( ش ) و ( ح ) ومنشأ الخلاف : هل يسمى هذا التأخير دينا أم لا ؟ وأن ما قارب الشيء هل يعطى حكمه أم لا ؟ والزائد على الثلاث بالشرط مفسد للعقد وبغير شرط ففي الفساد قولان في العين ، ولا يفسد بتأخير العرض لتعذر كونه دينا ، إذ الدين ما تعلق بالذمة ، والمعين ليس في الذمة ، لكن يكره إذا كان مما يعاب عليه لشبه كالطعام والثوب ، قال بعض المتأخرين : إنما يتصور هذا إذا كان الطعام لم يكتل والثوب غائب عن المجلس ، وإلا تبقى الكراهة لعدم بقاء حق التوفية ، كما أجازوا أخذ سلعة حاضرة من دين يتركها مشتريها اختيارا مع التمكن من قبضها ، ويستوي في فساد العقد تأخير الكل أو البعض .
فرع
في ( الكتاب ) : يجوز ، ويمنع دراهم ودنانير مجهولة الوزن معروفة العدد ; لأنها مخاطرة ، ولأنها لا تباع [ ص: 231 ] جزافا ، قال الثمن تبرا ونقارا وذهبا جزافا لا يعلم وزنه كالسلعة أشهب : منع عبد الوهاب الجزاف مطلقا لئلا ينفسخ السلم فلا يعلم ما يرجع به ، وابن القاسم يمنع تطرق الفسخ ; لأن عنده إذا خرج الإبان صبر لعام آخر ، ويلزم القاضي منع الحولين ونحوهما مما لا تضبطه الصفة ، ووافق ابن القاسم ( ش ) ، ومنع ( ح ) في جزاف الموزون ، ويمتنع الجزاف في الثياب والرقيق في السلم لمنع بيعها جزافا . وابن حنبل