مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
وسجود القرآن أربع عشرة سجدة سوى سجدة " ص " فإنها سجدة شكر ، وروي عن
عمر ، رضي الله عنه ، أنه سجد في ( الحج ) سجدتين ، وقال : فضلت بأن فيها سجدتين ، وكان
ابن عمر يسجد فيها سجدتين ، ( قال ) : وسجد النبي صلى الله عليه وسلم في
إذا السماء انشقت وعمر في والنجم ( قال
الشافعي ) : وذلك دليل على أن في المفصل سجودا ومن لم يسجد فليست بفرض ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وترك ، وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إن الله عز وجل لم يكتبها علينا إلا أن نشاء " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال الصحيح من مذهب
الشافعي وهو قوله في الجديد : إن
[ ص: 202 ] سجود القرآن أربع عشرة سجدة ، ثلاث منها في المفصل ، وأربع في النصف الأول ، `فأولاهن في آخر الأعراف ، وهي قوله سبحانه :
إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون [ الأعراف : 206 ] والثانية : في الرعد وهي قوله عز وجل :
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال [ الرعد : 15 ] والثالثة : في النحل وهي قوله عز وجل :
ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون [ النحل : 49 ] والرابعة : في
بني إسرائيل وهي قوله عز وجل :
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا [ الإسراء : 107 ] ، فهذه أربع سجدات في النصف الأول .
والخامسة : في النصف الثاني وهي قوله عز وجل في سورة مريم :
إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا [ مريم : 58 ] .
والسادسة : في أول الحج وهي قوله عز وجل
ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب [ الحج : 18 ] الآية .
والسابعة : آخر الحج ، وهي قوله عز وجل :
ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا [ الحج : 77 ] الآية .
والثامنة : في آخر الفرقان ، وهي قوله سبحانه :
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن [ الفرقان : 60 ] الآية .
والتاسعة : في سورة النمل وهي قوله عز وجل :
ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات [ النمل : 25 ] الآية .
والعاشرة : في سورة الم السجدة ، وهي قوله عز وجل :
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا [ السجدة : 15 ] الآية .
والحادية عشرة : في " حم السجدة " ، وهو قوله عز وجل :
ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر إلى قوله :
واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ فصلت : 37 ] .
والثانية عشرة : في المفصل في سورة النجم وهي قوله تعالى :
فاسجدوا لله واعبدوا [ النجم : 62 ] .
والثالثة عشرة : في المفصل في سورة :
إذا السماء انشقت وهي قوله تعالى :
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ الانشقاق : 21 ] .
[ ص: 203 ] والرابعة عشرة : في المفصل في سورة
اقرأ باسم ربك ،
واسجد واقترب [ العلق : 19 ] . فهذه
سجدات العزائم فأما " ص " وهي قوله سبحانه :
وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب [ ص : 24 ] . فهي
سجدة شكر لا عزيمة ، وبذلك قال أكثر أهل العلم .
وقال
مالك : سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ، وليس في المفصل سجود ، وبه قال
الشافعي في القديم .
وقال
أبو حنيفة : سجود القرآن أربع عشرة سوى السجدة الأخيرة من الحج . وأثبت مكانها سجدة " ص " ، فأما
مالك فاستدل لإسقاط السجود في المفصل برواية
عطاء بن يسار ، عن
زيد بن ثابت ، أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد ، وبرواية
عكرمة ، عن
ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى
المدينة ، قال : ولأنه قول ثلاثة من الصحابة يلزم الرجوع إلى قولهم في ذلك فأحدهم
زيد بن ثابت ، وهو الذي جمع كتاب الله عز وجل ، وثانيهم
أبي بن كعب ، وهو الذي قرأ مرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثالثهم
عبد الله بن عباس ، وهو الذي قرأ على
أبي ، وأخذ عنه ، والدلالة على إثبات
السجود في المفصل رواية
ابن مسعود nindex.php?page=hadith&LINKID=921421أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم ، فسجد كل من كان عنده إلا رجلا ، وأنه أخذ كفا من تراب - وروي : من الحصا - فدفعه إلى وجهه ، فقال : يكفي هذا . فقتل
ببدر ، وكان هذا
بمكة .
وروى
أبو هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=921422أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في " والنجم " ، فسجد الناس كلهم إلا رجلين أرادا الشهرة .
وروى
عطاء بن يسار ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=921423عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في إذا السماء انشقت ، وفي سورة اقرأ باسم ربك فأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بسورة " والنجم " فلم يسجد فلا يدل على نفي السجود ، وإنما يدل على جواز الترك ، وما ذكر أنه قول ثلاثة من الصحابة فقد خالفهم ستة من الصحابة عمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
وابن مسعود ، رضي الله عنهم ، كلهم يقول في المفصل سجود ، فكان الأخذ بقولهم أولى لكثرتهم ، وكون الأئمة منهم .