فصل : فإذا ثبت جواز التحري في ثوبين ، فكذلك في الكثير من الثياب سواء كان الطاهر أكثر من النجس ، أو النجس أكثر من الطاهر ، فإذا بان له
بالاجتهاد والتحري طهارة أحدهما صلى فيه ما شاء من الصلوات ، ولم يلزمه إعادة الاجتهاد عند كل صلاة ، فإن قيل : فهلا وجب عليه إعادة الاجتهاد عند كل صلاة كالقبلة ؟ قيل : الفرق بينهما أن القبلة في موضعها لا تنتقل في أحوالها ويكون مهب الشمال في وقت قبلة له ، ومهب الجنوب في وقت قبلة له ، وقد يكون ضدهما في وقت قبلة له لتغيير أحواله وتنقل أماكنه فلأجل ذلك وجب عليه
تكرار الاجتهاد لتكون الصلاة والثوب الطاهر محكوم له بالنجاسة في كل زمان ، فلأجل ذلك لم تلزمه إعادة الاجتهاد ، فلو أعاد الاجتهاد عند صلاته في الثوبين ثانية فبان له نجاسة ما صلى فيه ، وطهارة ما تركه ، فإن بان له علم ذلك قطعا من طريق اليقين أعاد صلاته الأولى ، لأن العلم القاطع قاض على العلم الظاهر فجوز له الصلاة في الثوب الثاني ليقين طهارته ، وإن علم نجاسته من طريق الاجتهاد ، والتحري لم يعد ما صلى فيه ولم يجز أن يستأنف الصلاة فيه ، لأن اجتهاده الثاني قد أثبت له حكم النجاسة ، وإذا كان كذلك فمذهب
الشافعي : أنه يصلي عريانا ، وعليه الإعادة ، وعلى مذهب أبي العباس بن سريج يصلي في الثاني ، وليس عليه إعادة على نحو ما قاله في الإناءين ، وقد تقدم الكلام معه ، وعلى مذهب
[ ص: 246 ] المزني : يصلي في أحدهما ويعيد في الآخر على أصله المتقدم ، فلو
لم يبن له باجتهاده الطاهر من النجس ، وكان الشك باقيا فمذهب
الشافعي أنه يصلي عريانا ويعيد إذا وجد ثوبا طاهرا ، ومذهب
المزني ، وقد ساعده بعض أصحابنا في هذا الموضع عند بقاء الإشكال أنه يصلي في أحدهما ، ويعيد في الآخر ، ولو فعل ذلك لأجزاه على مذهب
الشافعي أيضا وإن كان لا يوجبه عليه .