مسألة : " ولا تصل ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا ، فإن رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان على قلعه ، فإن مات صار ميتا كله والله حسيبه " .
[ ص: 255 ] قال
الماوردي : وهذا كما قال إذا أندرت سن إنسان ، وانفصلت من جسده فذلك نجس لقوله صلى الله عليه وسلم :
ما سقط من حي فهو نجس .
فأما
موضع العظم من جسده ، وموضع السن من فيه فطاهر بإجماع ، فإن أراد أن يصل عظمه أو يرد سنه لم يجز إلا بعظم طاهر قد أخذ من مأكول اللحم بعد ذكاته ، فأما بعظمه النجس ، وسنه النجس فلا يجوز له : لما عليه من ترك النجاسة في صلاته ، فإن وصله بعظم نجس فقد عصى الله سبحانه بفعله ، ثم نظر في حاله ، فإن كان يأمن التلف من قلعه ، أو زمانه عضو من أعضائه أمر بقلعه واجبا ، فإن أبى أجبره السلطان عليه سواء ركبه اللحم وتغشاه أم لا .
وقال
أبو حنيفة ،
ومالك : إن ركبه اللحم لم يقلع كـ " شارب الخمر " ، لا يؤمر باستقاء ما شربه ، وهذا خطأ ، بل عليه قلعه : لأنه حامل لنجاسة في غير معدنها ليس به ضرورة إلى تنقيتها ، فوجب أن يلزمه إزالتها كما كانت على ثوبه ، أو بدنه ، وفارق شارب الخمر لحصول الخمر في معدن الأنجاس ، ومحل المستقذرات مع استهلاكه ، وسرعة زواله على أننا نأمره باستقاء الخمر استحبابا ، هذا الكلام فيه إذا أمكنه فعله من غير تلف ، أو زمانة ، فأما إن خاف من فعله تلف نفسه ، أو عضو من أعضائه أقر على حاله ، ولم يؤمر بقلعه لحراسة نفسه التي هي أولى من تطهير جسده : لأن حراسة النفس واجب واستعمال النجاسة عند الضرورة جائز .
وقال بعض أصحابنا : يجبر على قلعه ، وإن تلف من أجله : لأن الجاني بفعل المعاصي مؤاخذ بها وإن تلف ، كالقاتل ، والزاني ، وهذا غلط : لأنه لا خلاف أنه لو لم يجد في الابتداء عظما طاهرا ، وخاف التلف إن لم يصله بعظم نجس جاز له أن يصله به فوجب إذا خاف التلف أن يقر على حاله لحراسة نفسه ، وليس كذلك فعل الزنا ، وقتل النفوس : لأنهما لا يحلان في ضرورة ولا غيرها على أن الفرق بينهما : أن حد الزنا ، والقصاص ردع له إن عاش وزجر لغيره إن مات ، وقلع ما وصل من نجاسة لأجل صلاته وتبلغه تسقط عنه الصلاة فكان تركه حيا يؤدي الصلاة حسب إمكانه أولى .
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من ترك ذلك إذا خاف التلف ، وقلعه إذا أمن من التلف فلم يفعله حتى مات قال
الشافعي : " صار ميتا كله والله حسبه " . يعني : يحاسبه على ما ضيع من صلواته بالنجاسة ، ولا يجوز أن يقلع ذلك بعد موته لسقوط فرض الصلاة ، وزوال التكليف ليلقى الله تعالى بغير معصية ، فأما من تحركت أسنانه ولم تفارق موضعها ، فلا بأس أن يقرها على حالها ، أو يشدها بحسب إمكانه ، ويربطها بفضة ، أو ذهب ، فقد روي عن
عثمان بن عفان ، رضي الله عنه أنه ربط أسنانه بالذهب .