فصل : واعلم أن للاستنجاء في الصحاري بعد تحريم استقبال القبلة واستدبارها آدابا مستحبة وردت السنة بها وعمل السلف عليها ، وهي ستة عشر أدبا تنقسم قسمين ، فقسم منها يختص بمكان الاستنجاء ، وهو ثمانية آداب ، وقسم منها يختص بالمستنجي في نفسه ، وهي ثمانية . فأما الثمانية التي تختص بمكان الاستنجاء .
أحدها :
الإبعاد عن أبصار الناس لما فيه من الصيانة وإكمال العشرة ، وقد روى
أبو سلمة عن
المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب بعد ، وروى
أبو الزبير عن
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=920711أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد .
[ ص: 156 ] والثاني :
أن يستتر بسترة لأن لا يراه مار فقد روى
أبو سعيد عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920712 " من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" لا تحدثوا في القزع فإنه مأوى الخافين " ، القزع هو الوضع الذي لا نبات فيه يستره مأخوذ من قزع الرأس الذي لا شعر فيه ، ومأوى الخافين هو مأوى الجن سموا الخافين لاستخفائهم .
والثالث :
أن يتوقى مهاب الرياح لأن لا يرد الريح عليه النجاسة ، وقد روى
الأعرج عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا خرج الرجل للغائط فلا يستقبل الريح " .
والرابع :
أن يرتاد لبوله أرضا لينة حتى لا يرتفع لبوله رشيش يؤذيه فقد روى
أبو موسى الأشعري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920714كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال : " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله " والخامس :
أن يتوقى البول في ثقب أو سرب لئلا يخرج عليه من حشرات الأرض ما يؤذيه أو لئلا يؤذي حيوانا فيه ، وقد روى
قتادة عن
عبد الله بن سرجس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920715نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر فقيل
لقتادة : ولم يكره ذلك فقال : إنه مساكن الجن .
والسادس :
أن يتوقى في الجواد ، وقوارع الطرق والمواضع التي يجلس فيها الناس أو ينزلها السيارة لئلا يتأذوا بها .
فقد روى
أبو سعيد الحميري عن
معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920716 " اتقوا [ ص: 157 ] الملاعن الثلاثة ، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " . والموارد : هي الطرق إلى الماء ، ومنه قول
جرير :
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
والسابع :
أن يتوقى القبور أن يحدث عليها أو قريبا منها صيانة لها وحفاظا لحرمة أهلها فقد روى
محمد بن كعب عن
أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط عليه فكأنما جلس على جمرة " .
والثامن :
ألا يتغوط تحت الشجرة المثمرة ولا يبول في الماء القليل ، لأنه يفسد بهذا مأكولا ، وبهذا طهورا ومشروبا فقد روى
أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من تغوط على نهر يتوضأ منه ويشرب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " فهذه ثمانية آداب تختص بمكان المستنجي .
وأما الثمانية التي تختص به في نفسه :
أحدها :
ألا يكشف ثوبه حتى يدنو من الأرض لأنه أستر له وأصون ، فقد روى
الأعمش عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920719كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ) .
والثاني :
أن يعتمد على رجله اليسرى فإنه أنجح له ، وقد روى
سراقة بن مالك بن جعشم قال :
لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى .
[ ص: 158 ] والثالث :
أن يغض طرفه وبصره ، ولا يكلم أحدا ، فقد روى
أبو عياض عن
أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920721نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتغوطين أن يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك .
والرابع :
ألا يمس ذكره بيمينه لأن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لما علاه ويسراه لما سفل ، وقد روى
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=920722أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس ذكره بيمينه .
والخامسة : أن يقول عند جلوسه ما رواه
النضر بن أنس عن
زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث .
والسادس :
إن كان في يده خاتم عليه اسم الله تعالى خلعه قبل دخوله أو جلوسه فقد روى
الزهري عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920723كان النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " .
والسابع :
أن ينثر ذكره ثلاثا قبل مقامه بعد أن يتنحنح لتخرج بقايا بوله من ذكره فقد روى
عيسى بن يزداد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920724 " إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثا " .
[ ص: 159 ] والثامن : أن يقول بعد قضاء حاجته ما رواه
سلمة بن وهرام عن
طاوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920725 " إذا خرج أحدكم من الخلاء فليقل الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني " فهذه ثمانية آداب تختص بالمستنجي في نفسه وهي تمام ستة عشر ، وبالله التوفيق .