فصل
في بيان الإحياء قال الأصحاب : المعتبر ما يعد إحياء في العرف ، ويختلف باختلاف ما يقصد به . وتفصيله بمسائل .
إحداها : إذا
أراد المسكن ، اشترط التحويط بالآجر أو اللبن أو الطين أو القصب أو الخشب بحسب العادة ، ويشترط أيضا تسقيف البعض ونصب الباب على الصحيح فيهما . الثانية : إذا
أراد زريبة للدواب ، أو حضيرة يجفف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش ، اشترط التحويط ، ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء ، لأن المتملك لا يقتصر على مثله في العادة ، وإنما يفعله المجتاز . ولو حوط البناء في طرف ، واقتصر للباقي على نصب الأحجار والسعف ، حكى الإمام عن القاضي ، أنه [ يكفي ] ، وعن شيخه : المنع . ولا يشترط التسقيف هنا . وفي تعليق الباب ، الخلاف السابق . .
الثالثة : إذا
أراد مزرعة ، اشترط أمور . أحدها : جمع التراب حواليه لينفصل المحيا عن غيره . وفي معناه : نصب قصب وحجر وشوك ، ولا حاجة إلى التحويط . وقال الشيخ
أبو حامد : عندي
[ ص: 290 ] إذا صارت الأرض مزرعة بماء سيق إليها ، فقد تم الإحياء وإن لم يجمع التراب حولها .
الثاني : تسوية الأرض بطم المنخفض وكسح المستعلي وحراثتها وتليين ترابها ، فإن لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها ، فلا بد منه لتتهيأ للزراعة . الثالث : ترتيب ماء لها بشق ساقية من نهر ، أو بحفر بئر أو قناة وسقيها ، هل يشترط ذلك ؟ أطلق جماعة اشتراطه ، والأصح ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج وغيره : أن الأرض إن كانت بحيث يكفي لزراعتها ماء السماء ، لم يشترط السقي وترتيب ماء على الصحيح . وإن كانت تحتاج إلى ماء يساق إليها ، اشترط تهيئة ماء من عين أو بئر أو غيرهما . وإذا هيأه ، نظر ، إن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء ، كفى ، ولم يشترط الإجراء ، ولا سقي الأرض . وإن لم يحفر بعد ، فوجهان .
وأما
أرض الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يصيبها إلا ماء السماء ، فمال صاحب " التقريب " إلى أنه لا مدخل للإحياء فيها ، وبه قال
القفال وبنى عليه : أما إذا وجدنا شيئا من تلك الأرض في يد إنسان ، لم نحكم بأنه ملكه ، ولا نجوز بيعه وإجارته .
ومن الأصحاب من قال : يملك بالحراثة وجمع التراب على الأطراف ، واختاره القاضي
حسين . ولا تشترط الزراعة ، لحصول الملك في المزرعة على الأصح ، لأنها استيفاء منفعة وهو خارج عن الإحياء ، وكما لا يشترط في الدار أن يسكنها .
[ المسألة ] الرابعة : إذا
أراد بستانا أو كرما ، فلا بد من التحويط ، والرجوع فيما يحوط به إلى العادة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج . وقال : فإن كانت عادة البلد بناء جدار ، اشترط البناء . وإن كان عادتهم التحويط بالقصب والشوك وربما تركوه أيضا كما في
البصرة وقزوين ، اعتبرت عادتهم ، وحينئذ يكفي جمع التراب حواليه كالمزرعة . والقول في سوق الماء إليه كما سبق في المزرعة . ويعتبر غرس الأشجار على المذهب ، وبه قطع الجمهور .
[ ص: 291 ] وقيل : لا يعتبر إذا لم يعتبر الزرع في المزرعة . والفرق على المذهب ، أن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع ، بخلاف البستان قبل الغرس ، ولأن الغرس يدوم فألحق بأبنية الدار ، بخلاف الزرع .
فرع
طرق الأصحاب متفقة على أن الإحياء يختلف باختلاف ما يقصده المحيي من مسكن وحظيرة وغيرهما . وذكر الإمام شيئين . أحدهما : أن
القصد إلى الإحياء هل يعتبر لحصول الملك ؟ فقال : ما لا يفعله في العادة إلا المتملك كبناء الدار واتخاذ البستان ، يفيد الملك وإن لم يوجد قصد . وما يفعله المتملك وغيره ،
كحفر البئر في الموات ، وكزراعة قطعة من الموات اعتمادا على ماء السماء ، إن انضم إليه قصد ، أفاد الملك ، وإلا ، فوجهان .
وما لا يكتفي به المتملك ، كتسوية موضع النزول ، وتنقيته عن الحجارة ، لا يفيد الملك . وإن قصده شبه ذلك بالاصطياد بنصب الأحبولة في مدارج الصيود يفيد ملك الصيد .
وإغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملك ، يفيد الملك . ودونه وجهان .
وتوحل الصيد في أرضه التي سقاها ، لا يفيد الملك وإن قصده .
الشيء الثاني : إذا
قصد نوعا وأتى بما يقصد به نوع آخر ، أفاد الملك ، حتى إذا حوط البقعة يملكها وإن قصد المسكن ، لأنه مما يملك به الزريبة لو قصدها . قال الإمام
الرافعي رحمه الله تعالى : أما الكلام الأول ، فمقبول لا يلزم [ منه ] مخالفة الأصحاب ، بل إن قصد شيئا اعتبرنا في كل مقصود ما فصلوه ، وإلا ، نظرنا فيما أتى به وحكمنا بما ذكره .
وأما الثاني ، فمخالفته لما ذكره الأصحاب صريحة ، لما فيه من الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا .
[ ص: 292 ] فرع
إذا
حفر بئرا في الموات للتملك ، لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلى الماء . وإذا وصل ، كفى إن كانت الأرض صلبة ، وإلا ، فيشترط أن تطوى . وقال الإمام : لا حاجة إليه . وفي
حفر القناة ، يتم الإحياء بخروج الماء وجريانه . ولو
حفر نهرا ليجري الماء فيه على قصد التملك ، فإذا انتهى رأس النهر الذي يحفره إلى النهر القديم ، وجرى الماء فيه ، ملكه ، كذا قاله
البغوي وغيره .
وفي " التتمة " : أن الملك لا يتوقف على إجراء الماء فيه ، لأنه استيفاء منفعة كالسكون في الدار .
قلت : هذا الثاني ، أقوى . والله أعلم .