[ ص: 316 ] الركن الرابع : الصيغة ،
فلا بد في الوصاية من الإيجاب ، بأن يقول : أوصيت إليك ، أو فوضت ، أو أقمتك مقامي ، ونحو ذلك ، ويجوز فيها التوقيت كما سبق من جواز التعليق ، وذلك كقوله : أوصيت إليك سنة ، أو إلى أن يبلغ ابني فلان ، أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج .
وأما القبول ، فالمذهب اشتراطه ، وأشار بعضهم إلى خلاف فيه .
وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله ؟ وجهان . وكل هذا مأخوذ من الوكالة ، ولا يشترط القبول في حياة الموصي . فلو قيل في حياته ، لم يعتد به على الأصح . كما لو أوصى بمال ، يشترط القبول بعد الموت . وقيل : يعتد به ، كما لو وكله بعمل يتأخر ، يصح القبول في الحال . والرد في حياة الوصي على هذين الوجهين . فعلى الأول ، لو رد في حياته ، ثم قبل بعد موته ، جاز ، ولو رد بعد الموت ، لغت الوصاية .
فرع
إن فصل فقال : أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي والتصرف في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم ، أو ذكر بعض هذه الأعمال ، فذاك ، وإن اقتصر على قوله :
أوصيت إليك ، أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ، ولم يذكر التصرف ، فثلاثة أوجه . أصحها : له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف . والثاني : ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الأقل . والثالث : لا تصح الوصاية حتى يبين ما فوضه إليه . ولو اقتصر على قوله : أوصيت إليك ، فباطلة قطعا .
[ ص: 317 ] فرع
لو
اعتقل لسانه ، فأوصى بالإشارة المفهمة ، أو قرئ عليه كتاب الوصاية ، فأشار برأسه أن نعم ، صحت الوصاية كالأخرس .
فرع
أوصى إليه في تصرف ، لا يتعداه .
فرع
يجوز أن
يوصي إلى اثنين فصاعدا ، وأن يوصي إلى واحد وينصب عليه مشرفا ، ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه . ثم إذا أوصى إلى اثنين ، إن كانت في رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة من جنسه ، فلكل منهما الانفراد به ؛ لأن صاحب الحق مستقل في هذه الصور بالأخذ . هكذا نقل
البغوي وغيره ، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان الوصاية في رد الغصوب والعواري ، خلاف ما قالته تلك الطائفة . ثم وقوع المدفوع موقعه ، وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما ، بين ، لكن تجويز الانفراد ليس ببين ، فإن تصرفهما في هذه الأموال مستفاد بالوصاية ، فليكن بحسبها ، ولتجئ فيه الأحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات ، وستجد في كلام الأصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرته .
وإن كانت
الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الأطفال والتصرف في أموالهم ، فلها أحوال .
[ ص: 318 ] أحدها : أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول : أوصيت إليكما ، أو إلى كل منكما ، أو يقول : كل واحد منكما وصيي في كذا ، قال أبو الفرج الزاز : أو يقول : أنتما وصياي في كذا ، فلكل منهما الانفراد بالتصرف .
وإذا
مات أحدهما أو جن أو فسق ، أو لم يقبل الوصاية ، كان للآخر الانفراد . وإن ضعف نظر أحدهما ، فللآخر الانفراد ، وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه .
الثاني : أن يشترط اجتماعهما على التصرف ، فليس لواحد منهما الانفراد . فإن انفرد ، لم ينفذ البيع والشراء والإعتاق ، ويضمن ما أنفق . فإن مات أحدهما ، أو جن ، أو فسق ، أو غاب ، أو لم يقبل الوصية ، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف مع الآخر . وهل له إثبات الاستبداد للآخر ؟ وجهان . أصحهما : له . ولو ماتا جميعا ، فهل للحاكم نصب واحد ؟ أم لا بد من اثنين ؟ فيه الوجهان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا ؛ بل المراد صدوره عن رأيهما ، ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما .
الثالث : أن يطلق قوله : أوصيت إليكما ، فهو كالتقييد بالاجتماع ؛ لأنه المتيقن .
فصل
قال : أوصيت إلى زيد ، ثم قال :
[ أوصيت ] إلى عمرو ، لم يكن عزلا لزيد ، ثم إن قبلا ، فهما شريكان ، وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف على الصحيح ، وبه قطع
المتولي وقال
البغوي : ينفرد ، وهو ضعيف . ولو قبل أحدهما فقط ، انفرد بالتصرف .
ولو قال لعمرو : ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك ، فهو رجوع . ولو قال لزيد : ضممت إليك عمرا ، أو قال لعمرو : ضممتك إلى زيد ، فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف ، بل يضم القاضي إليه أمينا ، وينبغي أن يجيء
[ ص: 319 ] في استقلاله الوجهان . وإن قبل زيد دون عمرو ، فالذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي والمتولي ، أنه ينفرد بالتصرف ، وفيه نظر ، وإن قبلا جميعا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : هما شريكان ، ويشبه أن يقال : زيد وصيي ، وعمرو مشرف .
فرع
أوصى إلى شخصين ، فاختلفا في التصرف ، نظر ، إن كانا مستقلين ، وقال كل واحد : أنا أتصرف ، حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد : أنه يقسم فيتصرف كل واحد في نصفه ، فإن كان مما لا ينقسم ، ترك بينهما حتى يتصرفا فيه .
وقال غيره : لا حاصل لهذا الاختلاف ، ومن سبق نفذ تصرفه . وإن لم يكونا مستقلين ، أمرهما الحاكم بما رآه مصلحة . فإن امتنع أحدهما ، ضم القاضي إلى الآخر أمينا . وإن امتنعا ، أقام مقامهما أمينين ، ولا ينعزلان بالاختلاف ؛ بل الآخران نائبان عنهما . وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء ، عين القاضي من يراه . وإن اختلفا في الحفظ ، قسم ، ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه . وقيل : إن لم يكونا مستقلين ، لم ينفرد أحدهما بحفظ شيء .
والصحيح المنصوص الذي عليه الجمهور : أنه لا فرق . ثم إذا قسم ، وتنازعا في عين النصف المحفوظ ، أقرع على الأصح . وقيل : يعين القاضي . هذا إذا كان المتاع منقسما ، وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه ، أو برضاهما بنائب يحفظه من جهتهما ، وإلا فيتولى القاضي حفظه ، وكذا لو كان منقسما وقلنا : لا ينقسم عند عدم الاستقلال . ثم ذكر
البغوي أن هذا التفصيل فيما إذا جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى التصرف . فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين ، فلا ينفرد أحدهما بحال .