الطرف الثالث : في
ألفاظ الاختيار وأحكامه .
أما ألفاظه ، فكقوله : اخترت نكاحك ، أو تقرير نكاحك ، أو حبسك ، أو عقدك ، أو اخترتك ، أو أمسكتك أو أمسكت نكاحك ، أو ثبت [ نكاحك ] أو ثبتك ، أو حبستك على النكاح . وكلام الأئمة يقتضي أن جميع هذا صريح ، لكن الأقرب أن يجعل قوله : اخترتك وأمسكتك من غير تعرض للنكاح كناية .
ولو كان تحته ثمان مثلا ، وأسلمن معه ، فاختار أربعا منهن للفسخ وهو يريد حله بلا طلاق ، لزم نكاح الباقيات وإن لم يتلفظ فيهن بشيء .
ولو قال لأربع : أريدكن ، ولأربع : لا أريدكن ، قال
المتولي : يحصل التعيين بذلك . وقياس ما سبق حصول التعيين بمجرد قوله : أريدكن .
فروع
الفرع الأول : طلق واحدة منهن ، أو أربعا ، كان تعيينا للنكاح ، لأن المنكوحة هي التي تخاطب بالطلاق ، فتندفع الأربع المطلقات بالطلاق ، والباقيات بالفسخ بالشرع .
ولو طلق أربعا غير معينات ، أمر بالتعيين . فإذا عين ، فالحكم ما ذكرنا ،
[ ص: 166 ] هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفي " التتمة " وجه : أن الطلاق ليس تعيينا للنكاح .
ولو آلى أو ظاهر من واحدة أو عدد ، فوجهان . أحدهما : أنه تعيين لنكاحهن ، وأصحهما : لا ، لأن الأجنبية تخاطب به ، بل هو بها أليق . فعلى هذا ، إن اختار من ظاهر منها ، أو آلى للنكاح ، صح الظهار والإيلاء ، ويكون ابتداء مدة الإيلاء من وقت الاختيار ، ويصير عائدا إن لم يفارقها في الحال .
ولو قذف إحداهن ، لزمه الحد إن كانت محصنة ، ولا يسقط إلا بالبينة وإن اختار غير المقذوفة ، وإن اختارها ، سقط بالبينة وباللعان .
[ الفرع ] الثاني : قال : فسخت نكاح هذه ، أو هؤلاء الأربع ، أو قال : اخترت هذه للفسخ ، أو هذه للفسخ من غير لفظ اخترت فإن أراد الطلاق ، فهو اختيار للنكاح ، وإن أراد الفراق ، أو أطلق ، فهو اختيار للفسخ . ولو قال لواحدة : فارقتك فالأصح أنه فسخ ، وبه قال الشيخ
أبو حامد ، ورجحه
ابن الصباغ والمتولي وغيرهما . وعن القاضي
أبي الطيب أنه كقوله : طلقتك ; لأنه من صرائح الطلاق .
الفرع الثالث : لو اختار الجميع للنكاح أو الفسخ ، فهو لغو ، ولو طلق الجميع ، وقع على المنكوحات ويعينهن .
الفرع الرابع : قال : إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو للفسخ ، لم يصح ; لأن تعليق الاختيار باطل ، فإنه إما كالابتداء ، كالنكاح ، وإما كالرجعة . وقيل : يصح تعليق الفسخ كالطلاق ، وهو ضعيف .
ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فالصحيح جوازه ، تغليبا لحكم الطلاق ، ويحصل اختيارها ضمنا ، فإنه يحتمل في الضمني ما لا يحتمل استقلالا .
[ ص: 167 ] ولو قال : إن دخلت الدار فنكاحك مفسوخ ، إن أراد الطلاق نفذ ، وإلا لغا . ولو قال : كلما أسلمت واحدة فقد اخترتها للنكاح ، لم يصح . ولو قال : فقد طلقتها ، صح على الأصح . ولو قال : فقد فسخت نكاحها ، إن أراد حله بلا طلاق ، لم يجز ، لأن تعليق الفسخ لا يجوز ، وإن أراد الطلاق ، جاز . وإذا أسلمت واحدة ، طلقت وحصل اختيارها ضمنا ، وهكذا إلى تمام الأربع ، وتندفع الباقيات ، وفي وجه : لا يصح تفسير الفسخ بالطلاق ، وهو ضعيف .
[ الفرع ] الخامس : لا يكون الوطء اختيارا للموطوءة على المذهب ; لأن الاختيار هنا كالابتداء ، ولا يصح ابتداء النكاح بل استدامته إلا بالقول ، فإن الرجعة لا تحصل بالوطء . فلو وطئ الجميع وجعلناه اختيارا ، كان مختارا للأوليات ، وعليه المهر للباقيات ، وإن لم نجعله اختيارا ، اختار أربعا منهن وغرم المهر للباقيات .
الفرع السادس : قال : حصرت المختارات في هؤلاء الست أو الخمس ، انحصرن ويندفع نكاح الباقيات .
فرع
أسلم على ثمان وثنيات ، فأسلم معه أربع ، وتخلف أربع ، فعين الأوليات للنكاح ، صح التعيين . فإن أصرت المتخلفات ، اندفعن من وقت إسلامه ، وإن أسلمن في العدة ، قال
البغوي : تقع الفرقة باختيار الأوليات ، وقال الإمام : نتبين اندفاعهن باختلاف الدين ، لكن نتبين تعيينهن من وقت تعيينه للأوليات . وهذا هو الموافق لأصول الباب .
وإن طلق الأوليات ، صح وتضمن اختيارهن ، وينقطع نكاحهن بالطلاق ، ونكاح الأخريات بالفسخ بالشرع .
[ ص: 168 ] وإن قال : فسخت نكاحهن ، فإن أراد به الطلاق ، فكذلك ، وإن أراد حله بلا طلاق ، فهو لغو ; لأن الحل هكذا إنما يكون فيما زاد على أربع . فإن لم تسلم المتخلفات ، تعين الأوليات ، وإن أسلمن ، اختار من الجميع أربعا ، وللمسلمات أن يدعين : أنك إنما أردت طلاقنا ، ويحلفنه ، وللمتخلفات أيضا أن يدعين إرادة الطلاق وبينونتهن بالفسخ الشرعي ويحلفنه .
وفي وجه : لا يلغو الفسخ ، بل هو موقوف ، إن أصررن حتى انقضت العدة ، لغا ، وإن أسلمن فيها ، تبينا نفوذه في الأوليات ، وتعين الأخريات للنكاح ، والصحيح الأول . ولو عين المتخلفات للفسخ ، صح ، وتعينت الأوليات للزوجية . وإن عين المتخلفات للنكاح ، لم يصح ; لأنهن وثنيات وقد لا يسلمن . وعلى وجه الوقف : ينعقد الاختيار موقوفا ، فإن أسلمن ، بانت صحته . ولو أسلم على ثمان وثنيات ، فتخلفن ، ثم أسلمن متعاقبات في عددهن ، وهو يقول لكل من أسلمت : فسخت نكاحك ، فإن أراد الطلاق ، صار مختارا للأوليات ، وإن أراد حله بلا طلاق ، فهو على الصحيح لغو في الأربع الأوليات ، نافذ في الأخريات ; لأن فسخ نكاحهن وقع وراء العدد الكامل فنفذ . وعلى وجه الوقف : إذا أسلمت الأخريات ، تبينا نفوذ الفسخ في الأوليات . ولو أسلم معه من الثمان خمس ، فقال : فسخت نكاحهن ، فإن أراد الطلاق ، صار مختارا لأربع منهن وبن بالطلاق ، وعليه التعيين ، وإن أراد حله بلا طلاق ، انفسخ نكاح واحدة لا بعينها ، فإذا أسلمت المتخلفات في العدة ، اختار من الجميع أربعا .
ولو قال : فسخت نكاح واحدة منكن ، إن أراد الطلاق ، صار مختارا لواحدة لا بعينها ، فيعينها ويختار للنكاح من الباقيات ثلاثة . وإن أراد حله بلا طلاق ، انفسخ نكاح واحدة فيعينها ، ويختار من الباقيات أربعا . وإن انفسخ نكاح اثنتين منهن غير معينتين ، وأراد حله بلا طلاق ،
[ ص: 169 ] انفسخ نكاح واحدة فيعينها ، ويختار من الباقيات أربعا . فلو عين ثنتين ، انفسخت واحدة منهما فيعينها ، وله اختيار الأخرى مع ثلاث أخر . ولو اختار الخمس كلهن ، تعينت المنكوحات فيهن ، فيختار منهن أربعا .