فصل
أما حكم الاختيار ، فإذا ، وقعت الفرقة بينه وبين الزيادة على أربع بالإسلام ، ويجب عليه الاختيار والتعيين ، وإن امتنع ، حبس . فإن أصر ولم ينفع الحبس ، عزر بما يراه القاضي من الضرب وغيره . وعن ابن أبي هريرة : أنه لا يضرب مع الحبس ، بل يشدد عليه الحبس ، فإن أصر ، عزر ثانيا وثالثا إلى أن يختار . فإن جن أو أغمي عليه في الحبس ، خلي حتى يفيق ، ولا يختار الحاكم عن الممتنع ; لأنه خيار شهوة . قال الإمام : وإذا حبس ، لا يعزر على الفور ، فلعله يؤخر ليفكر ، وأقرب معتبر فيه مدة الاستتابة . واعتبر أسلم على أكثر من أربع ، وأسلمن معه أو بعده في العدة ، أو كن كتابيات الروياني في الإمهال الاستنظار فقال : ولو استمهل ، أمهله الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد ، ويلزمه نفقة جميعهن إلى أن يختار ; لأنهن في حبسه .
فرع
مات قبل التعيين ، فإن لم يكن دخل بهن ، فعلى كل واحدة أن تعتد بأربعة أشهر وعشر ، وإن دخل بهن ، فعدة الحامل بالحمل .
وأما غير الحامل ، فمن كانت من ذوات الأشهر ، اعتدت بأربعة أشهر وعشر ، وإن كانت من ذوات الأقراء ، لزمها الأكثر من ثلاثة أقراء وأربعة أشهر وعشر .
[ ص: 170 ] ثم الأشهر تعتبر من موته . وفي الأقراء وجهان ، ويقال : قولان ، أحدهما : كذلك ; لأنا لا نتيقن شروعها في العدة قبل ذلك ، وأصحهما : الاعتبار من وقت إسلامهما إن أسلما معا ، وإلا ، فمن إسلام سابق ; لأن الأقراء إنما تجب ، لاحتمال أنها مفارقة بالانفساخ ، وهو يحصل من يومئذ . فرع مات قبل التعيين ، وقف لهن ربع ماله أو ثمنه ، عائلا أو غير عائل بحسب الحال إلى أن يصطلحن ، فيقسم بينهن بحسب اصطلاحهن بالتساوي أو التفاضل . وعن ابن سريج : أنه يوزع بينهن ; لأن البيان غير متوقع وهن معترفات بالإشكال ، وبأنه لا ترجيح ، ومال الإمام إلى هذا الوجه . والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول ، فإن كن ثمانيا وفيهن صغيرة ، أو مجنونة ، صالح عنها وليها ، وليس له المصالحة على أقل من ثمن الموقوف ، وله المصالحة على الثمن على الأصح . وقيل : لا يصالح على أقل من الربع . ثم المصالحة إذا اصطلحن كلهن ، فلو طلب بعضهن شيئا بلا صلح ، لم ندفع إلى المطالبة شيئا إلا باليقين . ففي ثمان نسوة ، لو طلب أربع منهن ، لم نعطهن ، فإن طلب خمس ، أعطيناهن ربع الموقوف ، وإن طلب ست ، فنصفه ، وسبع ، ثلاثة أرباعه ، ولهن قسم ما أخذن والتصرف . وهل يشترط في الدفع أن يبرئن عن الباقي ؟ وجهان . أحدهما : أعم ، ونسبه إلى النص لتنقطع الخصومة ، وأصحهما : لا . فعلى الأول ، يعطى الباقي للثلاث ، ويرتفع الوقف ، وكأنهن اصطلحن على القسمة هكذا . ابن كج
هذا كله إذا علمنا استحقاق الزوجات الإرث . أما إذا أسلم على ثمان كتابيات ، فأسلم معه أربع ، أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات ، فأسلم معه الوثنيات ، [ ص: 171 ] ومات قبل الاختيار ، فوجهان ، أصحهما وهو المنصوص : لا يوقف شيء للزوجات ، بل يقسم كل التركة بين باقي الورثة ; لأن استحقاق الزوجات غير معلوم ، لاحتمال أنهن الكتابيات . والثاني : يوقف ; لأن استحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجات غير معلوم ، واختاره ابن الصباغ ، وهو قريب من القياس .
قلت : المختار المقيس هو الأول ; لأن سبب الإرث في سائر الورثة موجود وشككنا في المزاحم ، والأصل عدمه ، وإرث الزوجات لم نتحققه ، والأصل عدمه . ويجري الوجهان فيما لو كان تحته مسلمة وكتابية ، فقال : إحداكما طالق ، ومات قبل البيان .
فرع
مات ذمي عن أكثر من أربع نسوة ، قال صاحب التلخيص : الربع أو الثمن لهن كلهن ، وقال آخرون : لا يرث منهن إلا أربع ، فيوقف بينهن حتى يصطلحن ، ويجعل الترافع إلينا بمثابة إسلامهم . وبنى القفال الخلاف على صحة أنكحتهم . فإن صححناها ، ورث الجميع ، وإلا ، لم يرث إلا أربع . ولو نكح مجوسي أمه أو بنته ومات ، قال البغوي : منهم من بنى التوريث على هذا الخلاف ، والمذهب القطع بالمنع ; لأنه ليس بنكاح في شيء من الأديان ، ولا يتصور التقرير عليه في الإسلام .
[ ص: 172 ] فرع
المتعينات للفرقة للزيادة على أربع ، هل تحسب عدتهن من وقت الاختيار ، أم من وقت إسلام الزوجين إن أسلما معا ، وإسلام السابق إن تعاقبا ؟ فيه وجهان ، أصحهما : عند الجمهور الثاني ، خلافا للبغوي .