فصل
في الاختلاف
فإذا
ادعى أنه راجع في العدة ، وأنكرت ، فإما أن يختلفا قبل أن تنكح زوجا ، وإما بعده .
القسم الأول : قبله ، فإما أن تكون العدة منقضية ، وإما باقية .
الضرب الأول : منقضية وادعى سبق الرجعة ، وادعت سبق انقضاء العدة ، فلهذا الاختلاف صور . إحداها : أن يتفقا على وقت انقضاء العدة ، كيوم الجمعة . وقال : راجعت يوم الخميس ، وقالت : بل يوم السبت ، فثلاثة أوجه . الصحيح الذي عليه الجمهور القول قولها بيمينها أنها لا تعلمه راجع يوم الخميس .
والثاني : القول قوله بيمينه . والثالث : قالت : أولا انقضت يوم الجمعة فصدقها ، وقال : راجعت يوم الخميس ، فهي المصدقة . وإن قال هو أولا : راجعتك يوم الخميس فهو مصدق لاستقلاله بالرجعة ، والرجعة تقطع العدة . فإن اقترن دعواهما ، سقط هذا الوجه ، وبقي الوجه الآخر ، وبقي الأولان .
الصورة الثانية : أن يتفقا على الرجعة يوم الجمعة ، وقالت : انقضت يوم الخميس
[ ص: 224 ] ، وقال : بل يوم السبت ، فهل يصدق بيمينه أم هي ، أم السابق بالدعوى ؟ أوجه ، الصحيح الأول .
الثالثة : أن لا يتفقا ، بل يقتصر على تقدم الرجعة ، وهي على تأخرها ، ففيه طرق ذكرناها في آخر نكاح المشرك ، وهنا خلاف آخر حاصله أوجه .
أصحها : تصديق من سبق بالدعوى ، فلو وقع كلامهما معا ، فالقول قولها ، والثاني : تصديقها مطلقا ، والثالث : تصديقه ، والرابع : يقرع ويقدم قول من خرجت قرعته ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، والخامس : يسأل الزوج عن وقت الرجعة ، فإذا تبين وصدقته ، وإلا ثبت بيمينه ، وتسأل عن وقت انقضاء العدة ، فإن صدقها وإلا ثبت بيمينها ، ثم ينظر فيما ثبت من وقتيهما ، ويحكم للسابق منهما ، ولو قال : لا نعلم حصول الأمرين مرتبا ، ولا نعلم السابق ، فالأصل بقاء العدة وولاية الرجعة .
الضرب الثاني : أن تكون العدة باقية ، واختلفا في الرجعة ، فالقول قوله على الصحيح . وقيل : قولها ، لأن الأصل عدم الرجعة ، فإن أرادها ، فلينشئها .
فإذا قلنا بالصحيح ، فقد أطلق جماعة ، منهم
البغوي ، أن إقراره ودعواه ، يكون إنشاء ، وحكى ذلك عن
القفال ، قال
الشيخ أبو محمد : ومن قال به ، يجعل الإقرار بالطلاق إنشاء أيضا ، قال الإمام : هذا لا وجه له ، فإن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، فذلك إخبار عن ماض ، وهذا إحداث في الحال ، وذلك يدخله الصدق والكذب ، وهذا بخلافه .
فرع
قال : راجعتك اليوم ، فقالت : انقضت عدتي قبل رجعتك ، صدقت هي ، نص عليه ، قال الأصحاب : المراد إذا اتصل كلامها بكلامه ، قالوا : وقوله
[ ص: 225 ] " راجعت " إنشاء ، وقولها : " انقضت عدتي " إخبار ، فيكون الانقضاء سابقا على قولها .
القسم الثاني : إذا
نكحت زوجا بعد العدة ، فجاء الأول وادعى الرجعة في العدة ، فإن أقام بينة ، فهي زوجته ، سواء دخل بها الثاني أم لا ، فإن دخل ، فلها عليه مهر المثل ، وإن لم تكن بينة ، وأراد تحليفها ، سمعت دعواه على الصحيح ، فلو ادعى على الزوج ، ففي سماع دعواه وجهان ، أصحهما عند الإمام : لا ، لأن الزوجة ليست في يده .
والثاني : نعم ، لأنها في حبالته وفراشه ، وبهذا قطع
المحاملي وغيره من العراقيين . فإذا ادعى عليها ، فإن أقرت بالرجعة ، لم يقبل إقرارها على الثاني ، بخلاف ما لو ادعى على امرأة في حبال رجل أنها زوجته ، فقالت : كنت زوجتك فطلقتني ، فإنه يكون إقرارا له ، وتجعل زوجة له ، والقول قوله في أنه لم يطلقها ، لأن هناك لم يحصل الاتفاق على الطلاق ، وهنا حصل ، والأصل عدم الرجعة ، وتغرم المرأة للأول مهر مثلها ، لأنها فوتت البضع عليه بالنكاح الثاني . وقال
أبو إسحاق : لا غرم عليها ، كما لو قتلت نفسها أو ارتدت ، وإن أنكرت ، فهل تحلف ؟ فيه خلاف مبني على أنها لو أقرت هل تغرم ؟ إن قلنا : لا ، فإقرارها بالرجعة غير مقبول ولا مؤثر في الغرم ، فلا تحلف ، والأصح التحليف ، فإن حلفت ، سقطت دعواه ، وإن نكلت ، حلف وغرمها مهر المثل ، ولا يحكم ببطلان نكاح الثاني وإن جعلنا اليمين المردودة كالبينة على قول ، لأنها لا تكون كالبينة في حق المتداعيين .
وحكى الإمام وجها أنه يحكم ببطلان نكاح الثاني إذا قلنا : كالبينة ، وإذا قبلنا الدعوى على الزوج الثاني ، نظر ، إن بدأ بالدعوى على الزوجة ، فالحكم كما سبق ، لكن إذا انقضت خصومتهما ، بقيت دعواه على الثاني ، وإن بدأ بالدعوى على الثاني ، فإن أنكر ، صدق بيمينه ، وإن نكل ، ردت اليمين على المدعي ، فإن حلف ، حكم بارتفاع نكاح الثاني ، ولا تصير
[ ص: 226 ] المرأة للأول بيمينه ، ثم إن قلنا : اليمين المردودة كالبينة ، فكأنه لم يكن بينها وبين الثاني نكاح ، ولا شيء لها عليه ، إلا أن يكون دخل بها ، فعليه مهر المثل ، وإن قلنا : كالإقرار ، فإقراره عليها غير مقبول ، فلها عليه كمال المسمى إن كان بعد الدخول ، ونصفه إن كان قبله . قال
البغوي : والصحيح عندي ، أنها وإن جعلت كالبينة لا تؤثر في سقوط حقها من المسمى ، بل يختص أثر اليمين المردودة بالمتداعيين ، فإذا انقضت الخصومة بينهما ، فله الدعوى على المرأة ، ثم ينظر ، فإن بقي النكاح الثاني ، بأن حلف ، فالحكم كما ذكرنا فيما إذا بدأ بها ، وإن لم يبق ، بأن أقر الثاني للأول بالرجعة ، أو نكل وحلف الأول ، فإن أقرت المرأة سلمت إليه ، وإلا فهي المصدقة باليمين ، فإن نكلت فحلف الأول ، سلمت إليه ، ولها على الثاني مهر المثل إن جرى دخول ، وإلا فلا شيء عليه ، كما لو أقرت بالرجعة ، وكل موضع قلنا : لا تسلم إلى الأول ، لحق الثاني ، وذلك عند إقرارها ، أو نكولها ، ويمين الأول ، فإذا زال حق الثاني بموت وغيره ، سلمت إلى الأول ، كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره ، ثم اشتراه ، حكم عليه بحريته .
فرع
إذا
أنكرت الرجعة ، واقتضى الحال تصديقها ، ثم رجعت ، صدقت في الرجوع ، وقبل إقرارها ، نص عليه ، بخلاف ما لو
أقرت أنها بنت زيد من النسب ، أو الرضاع ، ثم رجعت وكذبت نفسها ، لا يقبل رجوعها ، ولو
زوجت وهي ممن يعتبر رضاها ، فقالت : لم أرض بعقد النكاح ، ثم رجعت فقالت : رضيت وكنت نسيته ، فهل يقبل رجوعها أم لا ولا تحل إلا بعقد جديد ؟ وجهان : المنصوص الثاني ، نقله
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي الأول .
[ ص: 227 ] فرع
طلقها طلقة أو طلقتين ، وقال : طلقتها بعد الدخول ، فلي الرجعة ، فأنكرت الدخول ، فالقول قولها بيمينها . فإذا حلفت ، فلا رجعة ، ولا سكنى ، ولا نفقة ، ولا عدة ، ولها أن تتزوج في الحال ، وليس له أن ينكح أختها ، ولا أربعا سواها ، حتى يمضي زمن عدتها ، ثم هو مقر لها بكمال المهر ، وهي لا تدعي إلا نصفه ، فإن كانت قبضت الجميع ، فليس له مطالبتها بشيء ، وإن لم تقبضه ، فليس لها إلا أخذ النصف ، فإذا أخذته ثم عادت واعترفت بالدخول ، فهل لها أخذ النصف الآخر ، أم لا بد من إقرار مستأنف من الزوج ؟ فيه وجهان حكاهما
إبراهيم المروذي . وفي شرح المفتاح لأبي منصور البغدادي : أنه لو كانت قبضت المهر وهو عين ، وامتنع الزوج من قبول النصف ، فيقال له : إما أن تقبل النصف ، وإما أن تبرئها منه .
ولو كانت العين المصدقة في يده ، وامتنعت من أخذ الجميع ، أخذه الحاكم ، وإن كان دينا في ذمته ، قال لها : إما أن تبرئيه ، وإما أن تقبليه .
فرع
ادعت الدخول ، فأنكر ، فالقول قوله ، فإذا حلف ، فلا رجعة ولا نفقة ، ولا سكنى ، وعليها العدة ، فإن كذبت نفسها ، لم تسقط العدة ، وسواء اختلفا في الدخول قبل الخلوة أم بعدها على المشهور ، وحكينا في آخر فصل التعيين قولا أن الخلوة ترجح جانب مدعي الدخول ، فيكون القول قوله بيمينه .
[ ص: 228 ] فرع
نص في " الأم " أنه لو
قال : أخبرتني بانقضاء العدة ، ثم راجعها مكذبا لها ، ثم قالت : ما كانت عدتي انقضت وكذبت نفسها ، فالرجعة صحيحة ، لأنه لم يقر بانقضاء العدة بل حكى عنها .
فرع
قال
المتولي : لو
طلق زوجته الأمة ، واختلفا في الرجعة ، فحيث قلنا : القول قوله إذا كانت حرة ، فكذا هنا ، وحيث قلنا : قول الزوجة ، فهنا القول قول السيد ، وقال
البغوي : القول قولها ، ولا أثر لقول السيد .
قلت : واختار الشاشي ما ذكره
المتولي ، وهو قوي . - والله أعلم .