ثم إن الأشهر معتبرة بالهلال ، وعليه المواقيت الشرعية ، وإن انطبق الطلاق على أول الهلال ، فذاك ، وإن انكسر ، اعتبر شهران بالهلال ، ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الرابع . فقال
ابن بنت الشافعي : إذا انكسر شهر ، انكسر الجميع ، والصحيح الأول . وإذا وقع الطلاق في أثناء الليل أو النهار ، ابتدئ حساب الشهر من حينئذ . وإذا اعتدت صغيرة بالأشهر ثم حاضت بعد فراغها ، فقد انقضت العدة ، ولا يلزمها الأقراء ، ولو
حاضت في أثناء الأشهر ، انتقلت
[ ص: 371 ] إلى الأقراء وهل يحسب ما مضى قرءا ؟ وجهان . أقربهما إلى ظاهر النص المنع .
فإن
كانت الآيسة والتي لم تحض أمة ، فهل عدتها ثلاثة أشهر ، أم شهران ، أم شهر ونصف ؟ فيه أقوال . قال
المحاملي : أظهرها : الأول ، واختاره
الروياني ، قال : ولكن القياس ، وظاهر المذهب ، شهر ونصف ، وعليه جمهور أصحابنا الخراسانيين .
الصنف الرابع : من انقطع دمها ، ينظر ، إن
انقطع لعارض يعرف ، لرضاع ، أو نفاس ، أو مرض ، أو داء باطن ، صبرت حتى تحيض ، فتعتد بالأقراء ، أو تبلغ سن اليأس ، فتعتد بالأشهر ، ولا تبالي بطول مدة الانتظار ، وإن انقطع لا لعلة تعرف ، فالقول الجديد : أنه كالانقطاع لعارض ، والقديم : أنها تتربص تسعة أشهر . وفي قول أربع سنين ، وفي قول مخرج ستة أشهر ، ثم بعد التربص ، تعتد بثلاثة أشهر . فإذا قلنا بالقديم فحاضت بعد التربص والعدة وبعدما تزوجت ، استمر النكاح للثاني على الصحيح ، وقيل : يتبين بطلانه ، لتبيننا أنها ليست من ذوات الأشهر ، وإن حاضت قبل تمام التربص ، بطل التربص وانتقلت إلى الأقراء ، ويحسب ما مضى قرءا بلا خلاف ، فإن لم يعاودها الدم ، ولم تتم الأقراء ، استأنفت التربص لتعتد بعده بالأشهر ، لأن التربص الأول بطل بظهور الدم .
قال
المتولي : لا نأمرها باستئناف التربص ، لأنا على هذا القول ، لا نعتبر اليأس ، وإنما نعتبر ظهور براءة الرحم وقد ظهرت البراءة ، ورؤية الدم تؤكد البراءة . والصحيح المعروف ، هو الأول ، وإن
حاضت بعد التربص ، وفي مدة العدة انتقلت إلى الأقراء ، فإن لم يعاودها الدم ، عاد الصحيح ، وقول
المتولي . وإذا تربصت ، فتبني الأشهر على ما مضى من الأشهر الثلاثة ، أم تستأنف الأشهر ؟ وجهان :
أحدهما : تستأنف كما تستأنف التربص ، وأصحهما : تبني ، لأن ما مضى من الأشهر كان من صلب العدة ، فلا معنى لإبطاله ، بخلاف التربص ، فعلى هذا في كيفية البناء وجهان . أحدهما : تعد ما مضى قرءا ، ويبقى عليها قرءان ، فتعتد بدلهما بشهرين . وعلى هذا ، لو حاضت مرتين ، بقي عليها قرء ، فتعتد
[ ص: 372 ] بدله بشهر . وأصحهما : يحسب ما مضى من الأيام ، وتتمه ثلاثة أشهر ، ولا تضم بعض الأشهر إلى بعض الأقراء ، لئلا يجمع بين البدل والمبدل ، هكذا أطلقوا ذكر عدم المعاودة في الصورتين ، ولم يقولوا : إذا لم تعد إلى مدة كذا . ويشبه أن يضبط بعادتها القديمة ، أو بغالب عادات النساء .
وإن حاضت بعد التربص والأشهر ، وقبل النكاح ، فأوجه . أصحها وينسب إلى النص : تنتقل إلى الأقراء . والثاني : لا ، بل انقضت العدة . والثالث : عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : إن اعتدت بالأشهر بحكم قاض ، لم ينقض حكمه ، ولم تنتقل إلى الأقراء ، وإن اعتدت بها بمجرد فتوى ، انتقلت ، وسواء في هذه الصور والأحكام ، جعلنا التربص ستة أشهر أو تسعة ، أو أربع سنين ، هذا كله تفريع القديم .
أما إذا قلنا بالجديد وهو انتظار سن اليأس ، ففي النسوة المعتبرات قولان . أظهرهما وإليه ميل الأكثرين : يعتبر أقصى يأس نساء العالم . قال الإمام : ولا يمكن طوف العالم ، وإنما المراد ما يبلغ خبره ويعرف . وعلى هذا ، فالأشهر أن
سن اليأس ، اثنان وستون سنة ، وقيل : ستون ، وقيل : خمسون ، حكاهما
أبو الحسن بن خيران في كتابه اللطيف ، وحكاهما غيره . وقال
السرخسي : تسعون سنة .
وحكي أن امرأة حاضت لتسعين سنة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12094أبي علي الطبري تخريج وجه أنه يعتبر سن اليأس غالبا ، ولا يعتبر الأقصى . والقول الثاني ، أنه يعتبر يأس عشيرتها من الأبوين ، نص عليه في " الأم " . وقيل : يعتبر نساء العصبات ، وقيل : نساء البلد . فإذا رأت الدم بعد سن اليأس ، نظر ، إن رأته في أثناء الأشهر ، انتقلت إلى الأقراء ، وحسب ما مضى قرءا بلا خلاف ، فتضم إليه قرءين .
واعلم أنا إذا اعتبرنا أقصى اليأس في العالم ، فبلغته ، ثم رأت الدم ، صار
[ ص: 373 ] أقصى اليأس ما رأته ، ويعتبر بعد ذلك غيرها بها ، ثم إن لم يعاودها الدم ، رجعت إلى الأشهر . وهل تؤمر بالتربص قبلها تسعة أشهر ، أو أربع سنين ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، استظهارا ، وأصحهما : لا ، لأنها بلغت اليأس . ثم في التتمة ، أنها تعتد بشهرين ، بدلا عن قرأين ، والذي صححه الأئمة وحكوه عن
القفال وغيره ، أنها تعتد بثلاثة أشهر تستأنفها . ولا يجيء في البناء الخلاف السابق في تفريع القديم ، لأنه في القديم تكفي غلبة الظن ، وهنا يطلب اليقين أو القرب منه . فإذا رأت الدم ، بطل ما ظنناه يأسا ، وبطل ما ترتب عليه من العدة ، فوجب الاستئناف .
وأما إذا رأت الدم بعد تمام الأشهر ، فثلاثة أقوال . أحدها : لا يلزمها العود إلى الأقراء ، بل انقضت عدتها ، كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر . والثاني : يلزمها ، لأنه بان أنها ليست آيسة ، بخلاف الصغيرة ، فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن ، وهذا أصح عند
البغوي . والثالث وهو الأظهر فيما يدل عليه كلام الأكثرين : إن كانت نكحت بعد الأشهر ، فقد تمت العدة ، والنكاح صحيح ، وإلا لزمها الأقراء ، وقطع صاحبا التتمة والشامل بصحة النكاح .