[ ص: 36 ] الطرف الثالث : في
الشهادة على الرضاع فيه مسائل :
إحداها : يثبت
الرضاع بشهادة رجلين ، وبرجل وامرأتين ، وبأربع نسوة كالولادة ، ولا يثبت بدون أربع نسوة ، ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين ، وفي " التتمة " أنه لو كان النزاع في شرب اللبن من ظرف ، لم تقبل فيه شهادة النسوة المتمحضات ، لأنه لا يختص باطلاع النساء ، وإنما تقبل شهادتهن إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي ، وأنه تقبل شهادتهن على أن اللبن الحاصل في الظرف لبن فلانة ، لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا .
الثانية : لو
كان فيمن يشهد بالرضاع أم المرأة ، أو بنتها على حرمة الرضاع بينها وبين الزوج فإن كان الزوج مدعيا ، والمرأة منكرة ، قبلت شهادتها ، وإن انعكس فلا ، قال الأصحاب : ولا يتصور أن تشهد على أمها أنها ارتضعت من أم الزوج ، لأن الشهادة على الرضاع تعتبر فيها المشاهدة ، لكن يتصور أن تشهد أنها أرضعت الزوج أو أرضعته أمها أو أختها ، ولو شهدت الأم أو البنت من غير تقدم دعوى على سبيل الحسبة ، قبلت وإن احتمل كون الزوجة مدعية ، لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة ، وهذا كما لو
شهد أبو الزوجة وابنها أو ابناها ابتداء أن زوجها طلقها ، قبلت . ولو ادعت الطلاق ، فشهدا ، لم تقبل .
الثالثة : لا تقبل
شهادة المرضعة وحدها ، وهل تقبل شهادتها فيمن يشهد إن ادعت أجرة الرضاع ، لم تقبل ، وفي وجه حكاه
الماوردي عن
أبي إسحاق : تقبل في ثبوت الحرمة دون الأجرة ، والصحيح المنع فيهما . وإن لم تدع أجرة ، نظر ؛ إن لم تتعرض لفعلها بأن شهدت بأخوة الرضاع بينهما ، أو على أنهما ارتضعا منها ، قبلت شهادتها ، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية ، وجواز الخلوة والمسافرة ، فإن الشهادة لا ترد بمثل
[ ص: 37 ] هذه الأغراض . ولهذا لو شهد رجلان أن زيدا طلق زوجته ، أو أعتق أمته ، قبل بلا خلاف ، وإن استفادا حل مناكحتها . وإن شهدت على فعل نفسها ، فقالت : أرضعتهما ، فوجهان : أحدهما : لا تقبل ، كما لا تقبل شهادتها على ولادتها ، ولا شهادة الحاكم على حكم نفسه بعد العزل ، ولا القسام على القسمة . وأصحهما : تقبل ، وبه قطع الأكثرون ، لأنها لا تجر بها نفعا ولا تدفع ضررا بخلاف الولادة ، فإنه يتعلق بها حق النفقة والإرث ، وسقوط القصاص وغيرها ، وتخالف شهادة الحاكم والقسام ، فإن فعلهما مقصود ، وفعل المرضعة غير مقصود ، وإنما المعتبر وصول اللبن إلى الجوف ، ولأن الشهادة بالحكم والقسمة تتضمن تزكية النفس .
فرع
إذا
لم يتم نصاب الشهادة بأن شهدت المرضعة وحدها ، أو امرأة أجنبية ، أو امرأتان ، أو ثلاث ، فالورع أن يترك نكاحها ، وأن يطلقها إن كان ذلك بعد النكاح .
فرع
لو
شهد اثنان بالرضاع ، وقالا : تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل الشهادة ، لم تقبل شهادتهما لأنهما فاسقان بقولهما ، وفي النظر إلى الثدي لتحمل الشهادة خلاف سبق في أول النكاح ، الأصح الجواز .
قلت : مجرد النظر معصية صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر عليه فاعله ، ويشترط أيضا أن لا تكون ظهرت توبته بعد ذلك . والله أعلم .