الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : أطلق جماعة - منهم الإمام - أن الشهادة المطلقة أن بينهما رضاعا محرما ، أو حرمة الرضاع ، أو أخوته ، أو بنوته مقبولة ، [ ص: 38 ] وقال الأكثرون : لا تقبل مطلقة ، بل يشترط التفصيل والتعريض للشرائط ، وهو ظاهر النص ، قال البغوي : وهو الصحيح لاختلاف المذاهب في شروط الرضاع ، فاشترط التفصيل ليعمل القاضي باجتهاده ، ويحسن أن يتوسط فيقال : إن أطلق فقيه يوثق بمعرفته قبل وإلا فلا ، وينزل الكلامان عليه ، أو يخص الخلاف بغير الفقيه ، وقد سبق مثله في الإخبار بنجاسة الماء . والمانعون من قبول المطلقة ذكروا وجهين في قبول الشهادة المطلقة على الإقرار بالرضاع . ولو قال : هي أختي من الرضاع ، ففي " البحر " وغيره أنه لا يفتقر إلى ذكر الشروط إن كان فقيها ، وإلا فوجهان ، وفرقوا بين الشهادة والإقرار بأن المقر يحتاط لنفسه ، فلا يقر إلا عن تحقيق .

                                                                                                                                                                        الخامسة : إذا شهد الشاهد على فعل الرضاع والارتضاع ، لم يكف ، وكذلك في الإقرار ، بل لا بد من التعرض للوقت والعدد بأن يشهد أنها أرضعته ، أو ارتضع منها في الحولين خمس رضعات متفرقات ، وفي اشتراط ذكر وصول اللبن إلى الجوف وجهان : أصحهما : نعم وبه قطعالمتولي وغيره ، كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنا . والثاني : لا ، لأنه لا يشاهد قال في " البسيط " : ولا شك أن للقاضي أن يستفصله ، ولو مات الشاهد قبل الاستفصال ، هل للقاضي التوقف ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الشاهد قد يستيقن وصول اللبن إلى الجوف بأن يعاين الحلب ، وإيجار الصغير المحلوب وازدراده ، وحينئذ يشهد به ، ولا إشكال . وقد يشاهد القرائن الدالة عليه وهي التقام الثدي وامتصاصه ، وحركة [ ص: 39 ] الحلق بالتجرع والازدراد بعد العلم بأنها ذات لبن ، وهذا يسلطه على الشهادة ، ولا يجوز أن يشهد على الرضاع بأن يراها أخذت الطفل تحت ثيابها ، وأدته منها كهيئة المرضعة ، لأنها قد توجره لبن غيرها في شيء كهيئة الثدي ، ولا بأن يسمع صوت الامتصاص فقد يمتص أصبعه أو أصبعها . ولو شاهد التقام الثدي والامتصاص وهيئة الازدراد ، ولم يعلم كونها ذات لبن ، فهل له الشهادة لظاهر الحال أم لا ، لأن الأصل عدم اللبن ؟ وجهان ، أصحهما الثاني ، ولا يكفي في أداء الشهادة حكاية القرائن بأن يشهد برؤية الالتقام والامتصاص والتجرع من غير تعرض لوصول اللبن إلى الجوف ولا للرضاع المحرم ، وإن كان مستند علمه تلك القرائن ، لأن معاينتها تطلع على ما لا تطلع عليه الحكاية ، فإن أطلعته على وصول اللبن ، فليجزم به على قاعدة الشهادات ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية