الطرف الرابع : في اجتماع مباشرتين :
فإذا
صدر فعلان مزهقان من شخصين ، نظر ، إن وجدا معا ، فهما قاتلان ، سواء كانا مذففين بأن حز أحدهما رقبته ، وقده الآخر
[ ص: 145 ] نصفين ، أو لم يكونا ، بأن أجاف كل منهما ، أو قطعا عضوين ، ومات منهما ، وإن كان أحدهما مذففا دون الآخر ، فقياس ما سنذكره إن شاء الله تعالى أن يكون المذفف هو القاتل ، وإن طرأ فعل أحدهما على الآخر فله حالان .
أحدهما : أن يوجد فعل الثاني بعد انتهاء المجني عليه إلى حركة المذبوح ، إما عقب الفعل الأول لكونه مذففا ، وإما لسرايته وتأثيره ، فالقاتل هو الأول ، ولا شيء على الثاني سوى التعزير ، لأنه هتك حرمة ميت ، فعزر ، كما لو قطع عضو ميت .
والمراد بحركة المذبوح الحالة التي لا يبقى معها الإبصار والإدراك ، والنطق والحركة الاختياريان ، وقد يقد الشخص ، وتترك أحشاؤه في النصف الأعلى فيتحرك ويتكلم بكلمات لكنها لا تنتظم .
وإن انتظمت ، فليست صادرة عن روية واختيار ، والحالة المذكورة وهي التي تسمى حالة اليأس ، لا يصح فيها الإسلام ، ولا شيء من التصرفات ، ويصير فيها المال للورثة ، ولو مات قريب لمن انتهى إليها ، لم يورث منه .
ولو أسلم كافر ، أو عتق رقيق فيها ، لم يزاحم سائر الورثة ، وكما لا يصح فيها الإسلام ، لا تصح فيها الردة ، هذا هو الصحيح .
وبه قطع الأصحاب ، وفي كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : أنها تصح ، لأن الكافر يوقن حينئذ ، فإعراض المسلم قبيح ، وهذا ليس بشيء ، ومن قطع حلقومه ومريه ، أو أبينت حشوته من جوفه ، فقد انتهى إلى حركة المذبوح ، ولو أصاب الحشوة حرق ، أو قطع ، وتيقن موته بعد يوم أو يومين ، وجب القصاص على قاتله في ذلك الحال .
[ ص: 146 ] الحال الثاني : أن يوجد فعل الثاني قبل انتهائه إلى حركة المذبوح ، فينظر ، إن كان الثاني مذففا بأن جرحه الأول ، وحز الثاني رقبته ، أو قده ، فالقاتل هو الثاني ، وأما الأول فليس عليه إلا القصاص في العضو المقطوع ، أو المال على ما يقتضيه الحال ، ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجرح السابق لو لم يطرأ الحز ، وبين أن يستيقن الهلاك بعد يومين أو نحو ذلك ، لأن حياته في الحال مستقرة ، وتصرفاته نافذة .
وإن لم يكن الثاني مذففا أيضا ، ومات بسرايتهما ، بأن أجافاه ، أو قطع الأول يده من الكوع ، والثاني من المرفق ، فمات ، فهما قاتلان ، لأن القطع الأول قد انتشرت سرايته وألمه ولو شك في الانتهاء إلى حركة المذبوحين ، عمل فيه بقول أهل الخبرة .
فرع .
المريض المشرف على الموت يجب القصاص على قاتله ، قال القاضي وغيره : سواء انتهى إلى حالة النزع أم لا ، ولفظ الإمام : أن المريض لو انتهى إلى سكرات الموت ، وبدت أماراته ، وتعثرت الأنفاس في الشراسيف ، لا يحكم له بالموت ، بل يلزم قاتله القصاص .
وإن كان يظن أنه في مثل حال المقدود ، وفرقوا بينهما بأن إنهاء المريض إلى تلك الحالة غير مقطوع به ، وقد يظن به ذلك ، ثم يشفى ، بخلاف المقدود ، ولأن المريض لم يسبق فعل بحال القتل وأحكامه عليه حتى يهدر الفعل الثاني والقد ونحوه بخلافه .