[ ص: 110 ] كتاب
السرقة
هي موجبة للقطع بالنص والإجماع ، وفيه ثلاثة أبواب :
الأول : فيما يوجب القطع ، وهو السرقة ولها ثلاثة أركان : أحدها :
المسروق ، وله ستة شروط ، أحدها :
أن يكون نصابا ، وهو ربع دينار من الذهب الخالص ، فلا قطع فيما دونه ، ويقطع بربع دينار قراضة بلا خلاف ، ولو سرق دينارا مغشوشا ، فإن بلغ خالصه ربعا ، قطع ، وإلا فلا ، ولو سرق دراهم أو غيرها ، قوم بالذهب ، وحكي أن ابن بنت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمهما الله اختار مذهب
داود ، وهو أنه يجب القطع بسرقة القليل ، ولا يعتبر نصاب .
قلت : هذا غلط مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة في اعتبار ربع دينار . والله أعلم .
والاعتبار بالذهب المضروب ، فبه يقع التقويم ، حتى لو
سرق شيئا يساوي ربع مثقال من غير المضروب ، كالسبيكة وحلي لا تبلغ ربعا مضروبا بالقيمة ، فلا قطع على الأصح ، وبه قال
الإصطخري nindex.php?page=showalam&ids=12535وأبو علي ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، وصححه الإمام وغيره ، وجزم به
العبادي ، ولو
سرق خاتما وزنه دون ربع ، وقيمته بالصنعة تبلغ ربعا ، فلا قطع على الصحيح ، والخلاف في المسألتين راجع إلى أن الاعتبار بالوزن أو بالقيمة ، وأما التبر الذي إذا خلص نقص ، فلا قطع في سرقة ربع منه ، بل يشترط أن يخلص منه ربع ، ولا سرق فلوسا ظنها دنانير ، قطع إن بلغت قيمتها نصابا ، وإلا فلا ، ولو سرق دنانير ظنها فلوسا لا تبلغ قيمتها نصابا قطع ، ولو سرق ثوبا خسيسا وفي جيبه ربع دينار ، أو
[ ص: 111 ] ما تبلغ قيمته نصابا ولم يعلم بالحال ، وجب القطع على الأصح ; لأنه أخرج نصابا من حرزه بقصد السرقة .
فرع
لو أخرج نصابا من حرز دفعتين فصاعدا ، نظر إن تخلل اطلاع المالك وإعادته الحرز بإصلاح النقب أو إغلاق الباب ، فالإخراج الثاني سرقة أخرى ، فإن كان المخرج في كل دفعة دون النصاب ، لم يجب القطع ، وإن لم يتخلل الاطلاع والإعادة ، ففيه أوجه ، أصحها : يجب القطع ، والثاني : لا ، والثالث : إن عاد وسرق ثانيا بعدما اشتهر خراب الحرز ، وعلم به الناس أو المالك ، فلا قطع ، وإن عاد قبله ، قطع ، والرابع : إن عاد تلك الليلة ، قطع ، وإن عاد في ليلة أخرى ، فلا ، والخامس : إن لم يطل الفصل بين الإخراجين قطع ، وإن طال فلا ، والسادس : إن كان يخرج شيئا فشيئا ، ويضعه خارج البيت أو خارج الباب ، حتى تم نصابا ولم يفارق الحرز ، قطع ، وإن ذهب بالمسروق أولا إلى بيته ونحوه مسرعا وعاد ولو مع قرب الفصل فلا قطع .
فرع
انثيال الحنطة ونحوها عند فتح أسفل وعائه أو نحوه ، هل هو كإخراجه باليد ؟ وجهان ، أحدهما : لا ; لأنه خرج بسبب لا مباشرة ، والسبب ضعيف فلا يقطع به ، وأصحهما : نعم ; لأنه بفعله هتك الحرز ، فعلى هذا لو
أخرج بيده أو انثال دفعة ما يساوي نصابا قطع ، وإن أخرجه شيئا فشيئا على التواصل ، أو انثال كذلك ، قطع على المذهب ، وقيل : وجهان ، ولو طر جيبه أو كمه ، فسقطت الدراهم
[ ص: 112 ] شيئا فشيئا فكانثيال الحبوب ، ولو أخذ طرف منديل أو جذع وأخرجه من الحرز جرا قطع ; لأنه شيء واحد ، ولو أخرج نصفه وترك النصف الآخر في الحرز لخوف أو غيره ، فلا قطع وإن كان حصة المخرج أكثر من نصاب ; لأنه مال واحد ، ولم يتم إخراجه .
فرع
لو
جمع من البذر المبثوث في الأرض ما بلغ نصابا ، فإن لم تكن الأرض محرزة ، فلا قطع ، وإن كانت فوجهان ، أصحهما : يقطع ; لأن الأرض تعد بقعة واحدة ، والبذر المفرق فيها كأمتعة في زوايا بيت ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان إحراز الأرض .
فرع
لو
أخرج اثنان من حرز نصابا أو أكثر ولم يبلغ نصابين ، فلا قطع عليهما وإن أخرجا ما يبلغ نصابين ، قطعا جميعا ، وإن انفرد كل واحد بإخراج ، قطع من بلغ ما أخرجه نصابا دون من لم يبلغ ما أخرجه نصابا .
فرع
قال الإمام : إذا كان المسروق عرضا تبلغ قيمته بالاجتهاد ربع دينار فقد يوجد للأصحاب أنه يجب الحد ، والذي أرى الجزم به أنه لا يجب ما لم يقطع المقومون ببلوغها نصابا ، وللمقومين قطع واجتهاد ، والقطع من جماعة لا يزلون معتبر ، ومن جماعة لا يبعد الزلل منهم فيه احتمالان ، أحدهما : يكفي ، كما تقبل الشهادة مع احتمال الغلط ، والثاني : المنع ; لأن الشهادة تستند إلى معاينة ، وقال
الروياني في " جمع الجوامع " : لو
شهد عدلان بسرقة ، فقوم أحدهما المسروق نصابا ، والآخر دونه ، فلا قطع ، وأما المالك فإن رضي بأقل القيمتين فذاك
[ ص: 113 ] وله أن يحلف مع الذي شهد بالأكثر ويأخذه ، ولو شهدا بأنه نصاب ، وقومه آخران بدونه ، فلا قطع ، ويؤخذ في الغرم بالأقل ، وقال
أبو حنيفة بالأكثر .
فرع
القيمة تختلف بالبلاد والأزمان ، فيعتبر في كل مكان وزمان قيمة ذلك المكان والزمان .
فرع
ادعى السارق نقص قيمة المسروق عن النصاب لم يقطع ، فإن قامت بينة بأن قيمته نصاب قطع .
فرع
نقصت قيمة المسروق في الحرز عن نصاب ، بأن أكل بعضه ، أو أحرقه ، وأخرج دون نصاب ، فلا قطع ، وإن نقص بعد الإخراج ، قطع ، ولو شق الثوب في الحرز ، أو ذبح الشاة في الحرز ، ثم أخرجه ، فعليه ضمان النقص ، وإن كان المخرج نصابا قطع ، وإلا فلا .
فرع
سواء كان
النصاب المسروق لواحد أو لجماعة ، فيجب القطع إذا اتحد الحرز .