الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : أن يكون مملوكا لغير السارق ، فلا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره ، كيد المرتهن والمستأجر والمستعير والمودع وعامل القراض والوكيل والشريك ، فلو أخذ مع ماله نصابا [ ص: 114 ] آخر ، لزمه القطع ، ولو سرق ما اشتراه من يد البائع في زمن الخيار أو بعده ، فلا قطع ، وإن سرق معه مالا آخر ، فإن كان قبل أداء الثمن ، قطع ، وإن كان بعده ، فلا قطع على الأصح ، كمن سرق من دار اشتراها ، ولو وهب له شيء ، فسرقه بعد القبول وقبل القبض ، فالصحيح أنه لا قطع ، بخلاف ما لو أوصى له بشيء فسرقه قبل موت الموصي فإنه يقطع ، وإن سرق بعد موت الموصي وقبل القبول ، بني على أن الملك في الوصية بماذا يحصل ؟ إن قلنا : بالموت ، لم يقطع ، وإلا قطع ، ولو أوصى بمال للفقراء ، فسرقه فقير بعد موته لم يقطع ، كسرقة المال المشترك وإن سرقه غني ، قطع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو طرأ الملك في المسروق قبل إخراجه من الحرز ، بأن ورثه السارق ، أو اشتراه ، أو اتهبه وهو في الحرز ، فلا قطع ، وإن طرأ الملك بعد إخراجه من الحرز ، لم يسقط القطع ، لكن لو وقع ذلك قبل الرفع إلى القاضي لم يمكن استيفاء القطع بناء على أن استيفاء القطع يتوقف على دعوى المسروق منه ومطالبته بالمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ادعى السارق أن ما أخذه على صورة السرقة ملكه ، فقال : كان قد غصبه مني ، أو من مورثي ، أو كان وديعة لي عنده ، أو عارية ، أو كنت اشتريته منه ، أو وهبه لي وأذن لي في قبضه ، أو أذن لي في أخذه ، لم يقبل قوله في المال ، بل يصدق المأخوذ منه بيمينه في نفي الغصب والبيع والهبة ، وبلا يمين في قوله : أذن لي في أخذ ماله ، ويسقط القطع بدعوى الملك على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور ، وفيه وجه أو قول مخرج ، ويجري الخلاف فيما لو ادعى أن المسروق [ ص: 115 ] منه عبده ، وهو مجهول النسب ، أو أن الحرز ملكه غصبه منه المسروق منه ، وفيما إذا شهد عليه بزنا ، فادعى أن المرأة زوجته ، أو كانت أمة ، فقال : باعنيها مالكها ، ورأى الإمام الأصح في حد الزنا أنه لا يسقط بهذه الدعوى بناء على المذهب فيما إذا قامت بينة أنه زنى بأمة فلان الغائب أنه يحد ، ولا ينتظر حضور الغائب بخلاف مثله في السرقة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا يجري فيمن قطع يد إنسان وادعى أنه أذن له في قطعها ، بل يقتص منه بلا خلاف ; لأن القطع حق آدمي ، فهو كالمال ، ولو أقر المسروق منه أن المال كان ملك السارق ، فلا قطع بلا خلاف ، وإذا قلنا : بالمنصوص ، فسرق شخصان ، وادعيا أن المسروق ملكهما ، لم يقطعا ، وإن ادعاه أحدهما لنفسه أو لهما وأنكره الآخر ، واعترف بالسرقة ، فلا قطع على المدعي ، وفي المنكر وجهان ، أصحهما : يقطع ، ولو قال أحدهما : هذا ملك شريكي وأخذت معه بإذنه ، وأنكر الشريك ، فالذي نقله الأصحاب أنه كالصورة المتقدمة ، لا قطع على من يدعي ملك الشريك ، وفي الآخر الوجهان ، وقال البغوي : ينبغي أن يقال : يقطع المنكر ، وفي المدعى الوجهان ، ولو سرق عبد وادعى أن المسروق ملك سيده ، فإن صدقه السيد ، فلا قطع ، وكذا إن كذبه على الأصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الإمام : يجري الخلاف في دعوى الملك إذا ظهرت صورة السرقة ، فإن سرق من حرز هو بما فيه في يد رجل ، ولم تقم بينة مفصلة ، فقال السارق : هو ملكي ، فعلى قولنا بسقوط القطع ببقاء النزاع بينهما في المال ، فيصدق المأخوذ منه بيمينه ، وإن قلنا : لا يسقط القطع بالدعوى ، فإن حلف المسروق منه ، ثبت القطع مع المال ، ويجيء الخلاف في أن القطع يثبت باليمين المردودة ، والأصح ثبوته كما سنذكره إن شاء الله [ ص: 116 ] تعالى ، ويجري أيضا فيما لو قامت بينة مفصلة يثبت مثلها في السرقة ، فقال السارق : كان أباحه ، أو وهبه ، أو باعه لي ، واعتمد الشهود ظاهر الحال ، أما إذا قال : لم يزل ملكي وكان غصبنيه ، أو قال : ما سرقت أصلا ، فهذا يناقض قول الشهود ويكذبهم ، فهل يسقط به الحد تفريعا على أن الدعوى التي لا تكذبهم مسقطة ؟ فيه وجهان ، أصحهما : نعم ، قال ابن كج : موضع الخلاف في أن القطع يسقط بدعوى السارق الملك ما إذا حلف المسروق منه على نفي الملك الذي يدعيه ، أما لو نكل حلف وحلف السارق ، فيستحق المال ، ويسقط عنه القطع بلا خلاف ، ولو نكل السارق أيضا ، فيشبه أن يجيء فيه الخلاف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية