المسألة الرابعة : اختلفوا في تفسير الحابي ، فقيل : هو
السهم الذي يقع بين يدي الغرض ، ثم يزحف إليه فيصيبه من قولهم : حبا الصبي ، وهو كالمزدلف إلا أن الحابي أضعف حركة منه ، وقيل : هو الذي يصيب الهدف حوالي الغرض ، وقيل : هو القريب من الهدف ، كأن صاحبه يحابي ، ولا يريد إصابة الهدف ، ويروى هذا التفسير عن
الربيع ، ولم يجعل كثير من الأصحاب الحوابي صفة السهام ، لكن قالوا : الرمي ثلاثة : المبادرة والمحاطة والحوابي ، وهو أن يرميا على أن يسقط الأقرب والأسد الأبعد ، إذا ثبت هذا ، فلو شرطوا احتساب القريب من الغرض ، نظر إن ذكروا حد القرب من ذراع أو أقل أو أكثر ، جاز وصار الحد المضبوط كالغرض ، وصار الشن في وسطه كالدارة ، وإن لم يذكروا حد القرب ، فإن كان هناك للرماة عادة مطردة ، حمل العقد عليها ، كما تحمل الدراهم المطلقة على النقد الغالب ، وإن لم تكن عادة مطردة فوجهان ، أصحهما : بطلان العقد للجهالة ، والثاني : الصحة ، فعلى هذا وجهان ، أحدهما : يحمل على أن الأقرب يسقط الأبعد كيف كان ، والثاني : يحمل على إسقاط البعيد أو الأقرب للأبعد ، أما إذا
قالا : يرمي عشرين رشقا على أن يسقط الأقرب الأبعد ، فمن فضل له خمسة ، فهو ناضل ، فهو صحيح والشرط متبع ، وعن " الحاوي " ما يشير إلى خلافه ، والمذهب الأول ، لأنه ضرب من الرمي معتاد للرماة ، وهو
[ ص: 382 ] ضرب من المحاطة ، وحينئذ فإن تساوت السهام في القرب والبعد ، فلا ناضل ولا منضول ، وكذا لو تساوى سهمان في القرب ، أحدهما لهذا والآخر للآخر ، وكان باقي السهام أبعد ، ومهما كان بين سهم أحدهما وبين الغرض قدر شبر ، وبين سهم الآخر والغرض دون شبر ، أسقط الثاني الأول ، فإن رمى الأول بعد ذلك ، فوقع أقرب ، أسقط ما رماه الثاني ، ولو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض ، ورمى الآخر خمسة ، فوقعت أبعد من ذلك السهم ، ثم عاد الأول ، فرمى سهما ، فوقع أبعد من الخمسة ، سقط هذا السهم بالخمسة ، وسقطت الخمسة بالأول ، ولو رمى أحدهما خمسة ، فوقعت قريبة من الغرض وبعضها أقرب من بعض ، ثم رمى الثاني خمسة ، فوقعت أبعد من خمسة الأول ، سقطت خمسة الثاني بخمسة الأول ، ولا يسقط من خمسة الأول شيء وإن تفاوتت في القرب ، لأن قريب كل واحد يسقط بعيد الآخر ، ولا يسقط بعد نفسه ، هذا هو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور ، وقيل : يسقط بعيد نفسه ، كما يسقط بعيد غيره ، ولو
وقع سهم أحدهما بقرب الغرض ، وأصاب سهم الآخر الغرض ، فالمنقول أن الثاني يسقط الأول كما يسقط الأقرب الأبعد ، ولك أن تقول : وإن كان الشرط أن الأسد أو الأصوب يسقط غيره ، وأن الأقرب يسقط الأبعد على معنى الأقرب إلى الصواب ، فهذا صحيح ، وإن كان الشرط الأول أن الأقرب إلى الغرض يسقط الأبعد عنه ، فينبغي أن يتساويا ، ولو
أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض ، والآخر الغرض خارج الرقعة ، أو أصابا خارج الرقعة وأحدهما أقرب إليها ، فقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - عن بعض الرماة أن الذي أصاب الرقعة ، أو كان أقرب إليها يسقط الآخر ، قال : والقياس عندي أنهما سواء ، وإنما يسقط القريب البعيد إذا كانا خارجين عن الشن ، وفي هذا تأكيد لما استدركناه ، وعد صاحب
[ ص: 383 ] " الحاوي " المذهبين وجهين ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - عن بعض الرماة أنه قال : القريب الذي يسقط البعيد هو الساقط ، وهو السهم الذي يقع بين يدي الغرض ، والعاضد ، وهو الذي يقع في اليمين أو اليسار دون الخارج ، وهو الذي يتجاوزه ويقع فوقه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : والقياس أنه لا فرق لوقوع اسم القريب من الغرض ، فالاعتبار بموضع ثبوت السهم واستقراره لا بحالة المرور ، حتى لو قرب مروره من الغرض ، ووقع بعيدا منه ، لم يحتسب به إلا إذا شرط اعتبار حالة المرور ، ولو شرطا أن ما أصاب القرطاس أسقط ما وقع حواليه ، فقد حكى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي في صحته قولين حكياهما عن نقل العراقيين ، ووجه المنع بأنه تعسر إصابة الوسط ، وقد يصيبه الأخرق اتفاقا ، وهذا النقل لا يكاد يوجد في كتب الأصحاب ، والمفهوم من كلامهم القطع باتباع الشرط .