فصل
التفريق بين الأم وولدها الصغير ، حرام ، وفي إفساده البيع قولان سبقا . ويصح
رهن أحدهما دون الآخر . وإذا أريد البيع ، ففيه وجهان . أحدهما : يباع المرهون وحده ، ويحتمل التفريق للضرورة . وأصحهما : يباعان جميعا ، ويوزع الثمن على قيمتهما . وفي كيفيته كلام يحتاج إلى مقدمة ، وهي
رجل رهن أرضا بيضاء ، فنبت فيها نخل ، فله حالان . أحدهما : أن
يرهن الأرض ثم يدفن النوى فيها ، أو يحمله السيل أو الطير ، فهي للراهن ، ولا يجبر في الحال على قلعها ، فلعله يؤدي الدين من موضع آخر . فإن دعت الحاجة إلى بيع الأرض ، نظر ، إن وفى ثمن الأرض إذا بيعت وحدها بالدين ، بيعت وحدها ولم يقلع النخل . وكذا لو لم يف به ، إلا أن قيمة الأرض وفيها الأشجار كقيمتها بيضاء . ولو لم يف به وقيمتها تنقص بالأشجار ، فللمرتهن قلعها لبيع الأرض بيضاء ، إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض ، فتباعان ويوزع الثمن عليها . هذا إذا لم يكن الراهن محجورا عليه بالإفلاس . فإن كان ، فلا قلع بحال ، لتعلق حق الغرماء به ، بل يباعان ويوزع الثمن عليهما ، فما قابل الأرض ، اختص به المرتهن ، وما قابل الأشجار ، قسم بين الغرماء . فإن نقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار ، حسب النقص على الشجر ؛ لأن حق المرتهن في الأرض فارغة .
الحال الثاني : أن
يكون النوى مدفونا في الأرض يوم الرهن ، ثم ينبت . فإن كان المرتهن جاهلا بالحال ، فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن . فإن فسخ ، وإلا فهو كما لو كان عالما ، وإن كان عالما فلا خيار . وإذا بيعت الأرض مع النخل ، وزع الثمن عليهما . والمعتبر في الحال الأول ، قيمة الأرض
[ ص: 42 ] فارغة . وفي الحال الثاني ، قيمة أرض مشغولة ؛ لأنها كانت مشغولة يوم الرهن . وفي كيفية اعتبار الشجر وجهان نقلهما الإمام في الحالين . أصحهما : تقوم الأرض وحدها . فإذا قيل : هي مائة ، قومت مع الأشجار ، فإذا قيل : هي مائة وعشرون ، فالزيادة بسبب الأشجار سدس ، فيراعي في الثمن نسبة الأسداس . والثاني : تقوم الأشجار وحدها . فإذا قيل : هي خمسون ، كانت النسبة بالثلث ، ثم في المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصة بسبب الاجتماع ، لأنا فرضنا قيمتها وحدها مائة ، وقيمة الأشجار وحدها ثابتة خمسين ، وقيمة المجموع مائة وعشرين . عدنا إلى مسألة الأم والولد ، فإذا بيعا معا ، وأردنا التوزيع ، ففيه طريقان .
أحدهما : أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والشجر ، فتعتبر قيمة الأم وحدها . وفي الولد الوجهان . والثاني : أن الأم لا تقوم وحدها ، بل تقوم مع الولد وهي خاصته ؛ لأنها رهنت وهي ذات ولد ، والأرض بلا أشجار . وبهذا الوجه قطع الأكثرون . فلو
حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنى ، وبيعا معا ، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها .
قلت : ذكر الإمام
الرافعي في مسألة الغراس والأرض الفرق بين علم المرتهن ، وجهله في ثبوت الخيار ، ولم يذكره هنا ، فكأنه أراد أنه مثله . وقد صرح صاحب الشامل بذلك فقال : إن كان عالما بالولد حال الارتهان ، فلا خيار ، وإلا ، فله الخيار في فسخ البيع المشروط فيه الرهن . وقال صاحب الحاوي : إن علم ، فلا خيار ، وإلا ، فإن قلنا : تباع الأم دون الولد ، فلا خيار ، وإن قلنا : يباعان ، ففي الخيار وجهان . وجه المنع : أنه لا يتحقق نقصها ، بل قد تزيد . فإن قيل : ما فائدة الخلاف في التوزيع ، والراهن يجب عليه قضاء الدين بكل حال ؟ ! قلنا : تظهر فائدته عند ازدحام غرماء الميت والمفلس ،
[ ص: 43 ] وفي تصرف الراهن في الثمن قبل قضاء الدين ، فينفذ في حصة الولد دون الأم ، ذكره الإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي في " البسيط " . والله أعلم .