صفحة جزء
الأمر الثالث : العمارة ، فإذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدامه ، أو لغيره ، ففي " التهذيب " وغيره : أن النص إجبار الهادم على إعادته ، وأن القياس : أنه يغرم نقضه ولا يجبر على البناء ؛ لأن الجدار ليس مثليا .

قلت : قد ذكر صاحب " التنبيه " وسائر العراقيين وطائفة من غيرهم ، فيما إذا استهدم ، فهدمه أحدهما بلا إذن ، طريقين . أصحهما : القطع بإجباره على إعادة مثله . والثاني : فيه القولان السابقان في الإجبار ابتداء ، أحدهما عليه إعادة مثله ، والثاني : لا شيء . وقطع إمام الحرمين في أواخر باب ( ثمرة الحائط يباع أصله ) بأن من هدم حائط غيره عدوانا ، يلزمه أرش ما نقص ، ولا يلزمه بناؤه ؛ لأنه ليس بمثلي ، والمذهب ما نص عليه . - والله أعلم - .

ولو انهدم الجدار بنفسه ، أو هدماه معا لاستهدامه أو غيره ، وامتنع أحدهما [ ص: 216 ] من العمارة ، فقولان . القديم : إجباره عليها دفعا للضرر وصيانة للأملاك المشتركة عن التعطيل . والجديد : لا إجبار ، كما لا يجبر على زرع الأرض المشتركة ، ولأن الممتنع يتضرر أيضا بتكليفه العمارة . ويجري القولان في النهر ، والقناة ، والبئر المشتركة ، إذا امتنع أحدهما من التنقية والعمارة .

قلت : لم يبين الإمام الرافعي الأظهر من القولين ، وهو من المهمات . والأظهر عند جمهور الأصحاب ، هو جديد . ممن صرح بتصحيحه : المحاملي ، والجرجاني ، وصاحب " التنبيه " وغيرهم . وصحح صاحب " الشامل " القديم ، وأفتى به الشاشي . وقال الغزالي في " الفتاوى " : الأقيس ، أن يجبر . وقال : والاختيار إن ظهر للقاضي أن امتناعه مضارة أجبره ، وإن كان لإعسار أو غرض صحيح أو شك فيه لم يجبر . وهذا التفصيل الذي قاله ، وإن كان أرجح من إطلاق القول بالإجبار ، فالمختار الجاري على القواعد : أن لا إجبار مطلقا . - والله أعلم - .

ولو كان علو الدار لواحد ، وسفلها لآخر ، فانهدمت ، فليس لصاحب السفل إجبار صاحب العلو على معاونته في إعادة السفل وهل لصاحب العلو إجبار صاحب السفل على إعادته ليبني عليه ؟ فيه القولان . وقيل : القولان فيما إذا انهدم ، أو هدما ، فلا شرط . أما لو استهدم ، فهدمه صاحب السفل بشرط الإعادة ، فيجبر قطعا . ويجري القولان ، فيما إذا طلب أحدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما ، هل يجبر الآخر على مساعدته ؟

قلت : قال أصحابنا : ويجريان فيما لو كان بينهما دولاب وتشعث واحتاج إلى إصلاحه - والله أعلم - .

[ ص: 217 ] فرع

إذا قلنا بالقديم ، فأصر الممتنع ، أنفق الحاكم عليه من ماله . فإن لم يكن له مال ، اقترض عليه ، أو أذن الشريك في الإنفاق عليه ، ليرجع على الممتنع . فلو استقل به للشريك ، فلا رجوع على المذهب . وقيل : قولان . القديم : نعم . والجديد : لا . وقيل : يرجع في القديم . وفي الجديد قولان ، وقيل : إن لم يمكنه عند البناء مراجعة الحاكم رجع ، وإلا فلا . ثم إذا بناه ، إن كان بالآلة القديمة ، فالجدار بينهما كما كان . والسفل في الصورة الأخرى لصاحبه كما كان ، وليس لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه . وإن بناه بآلة من عنده ، فالمعاد ملكه ، وله نقضه . فلو قال الشريك : لا تنقض وأغرم لك نصف القيمة ، لم يجز له النقض ، لأنا على هذا القول نجبر الممتنع على ابتداء العمارة ، فالاستدامة أولى .

فرع

إذا قلنا بالجديد ، فأراد الطالب الانفراد بالعمارة ، نظر ، إن أرادها بالنقض المشترك ، أو أراد صاحب العلو إعادة السفل بنقض صاحب الأسفل ، أو بآلة مشتركة ، فللآخر منعه . وإن أراد بناءه بآلة من عنده ، فله ذلك ليصل إلى حقه . ثم المعاد ملكه ، يضع عليه ما شاء ، وينقضه إذا شاء . فلو قال شريك الجدار : لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة ، أو قال صاحب السفل : لا تنقض لأغرم لك القيمة ، لم يلزمه إجابته على هذا القول كابتداء العمارة . ولو قال صاحب السفل : انقض ما أعدته لابنيه بآلة نفسي . فإن كان طالبه بالبناء ، فامتنع ، لم يجبره ، وإن لم يطالبه وقد بنى علوه ، لم يجب ، لكن له أن يتملك السفل بالقيمة ، ذكره في [ ص: 218 ] " التهذيب " ، وإن لم يبن عليه العلو ، أجيب صاحب السفل ، ومتى بنى بآلة نفسه ، فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد ، بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما ، وليس له منع صاحب السفل من السكون على الصحيح ؛ لأن العرصة ملكه . ولو أنفق على البئر والنهر ، فليس له منع الشريك من الانتفاع بالماء لسقي الزرع وغيره ، وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين . ولو كان للممتنع على الجدار المنهدم جذوع ، فأراد إعادتها بعد أن بناه الطالب بآلة نفسه ، لزمه تمكينه ، أو نقض ما أعاد ليبني معه الممتنع ، ويعيد جذوعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية