[ ص: 204 ] الباب الثاني
في التزاحم على الحقوق
وفيه فصول .
الأول : في الطريق ، وهو قسمان : نافذ ، وغيره . أما ، وليس لأحد أن يتصرف فيه بما يبطل المرور ، ولا أن يشرع فيه جناحا ، أو يتخذ على جدرانه ساباطا يضر بالمارة . فإن لم يضر ، فلا منع منهما . ويرجع في معرفة الضرر وعدمه إلى حال الطريق . فإن كان ضيقا لا تمر فيه القوافل والفوارس ، فينبغي أن يرتفع بحيث يمر المار تحته منتصبا . وإن كانوا يمرون فيه ، فليكن ارتفاعه إلى حد يمر فيه المحمل مع الكنيسة فوقه على البعير ؛ لأنه وإن كان نادرا ، فإنه قد يتفق . ولا تشترط زيادة على هذا ، على الصحيح . وقال النافذ ، فالناس كلهم يستحقون المرور فيه : يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب تحته منصوب الرمح . واتفق الأصحاب على تضعيف قوله ؛ لأن وضع الرمح على الكتف ، ليس بعسير . ويجوز أبو عبيد بن حربويه . وأما لكل أحد أن يفتح الأبواب من ملكه إلى الشارع كيف شاء ، فإن كان يضيق الطريق ويضر بالمارة ، منع ، وإلا فوجهان . أحدهما : الجواز ، كالجناح الذي لا يضر بهم . وأصحهما ، وبه قطع العراقيون واختاره الإمام : المنع . ولا يجوز أن يصالح عن إشراع الجناح على شيء ، سواء صالح الإمام أو غيره ، وسواء ضر بالمارة أم لا . ولو نصب الدكة وغرس الشجرة ، جاز ، كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه ، يجوز لغيره الارتفاق به ، هكذا قاله الأصحاب . ولك أن تقول : المرتفق بالقعود للمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع ، وإنما يبطل بالسفر والإعراض عن الحرفة . [ ص: 205 ] فقياسه أن لا يبطل هنا بمجرد الهدم والانهدام ، بل يعتبر إعراضه عن إعادته . أشرع جناحا لا ضرر فيه ، فانهدم ، أو هدمه ، فأشرع رجل آخر جناحا في محاذاته لا تمكن معه إعادة الأول
قلت : إن ما قاسه كثيرون على ما إذا وقف في الطريق ، ثم فارق موقفه ، أو قعد للاستراحة ونحوها فلا يرد اعتراض الإمام الرافعي - رحمه الله - . قال أصحابنا : ولو ، لم يكن للأول منعه ، إذ لا ضرر . ولو أخرج فوق جناح الأول ، قال أخرج جناحا تحت جناح من يحاذيه ابن الصباغ : إن كان الثاني عاليا لا يضر بالمار فوق الجناح الأول ، لم يمنع ، وإلا فله منعه . ولو أخرج مقابلا له ، لم يمنع ، إلا أن يعطل انتفاع الأول . ولو كان الأول قد أخذ أكثر هواء الطريق ، لم يكن لجاره مطالبته بتقصير جناحه ورده إلى نصف الطريق ؛ لأنه مباح سبق إليه . - والله أعلم - .
واعلم أن الأكثرين ، لم يتعرضوا في الإضرار الممنوع إلا للارتفاع والانخفاض . وأما إظلام الموضع ، فقال ابن الصباغ وطائفة : لا يؤثر ، ومقتضى المعنى المذكور ، ولفظ - رضي الله عنه - وأكثر الأصحاب تأثيره . وقد صرح به الشافعي منصور التميمي . وفي " التتمة " : إن انقطع الضوء كله ، أثر ، وإن نقص فلا .
فرع
. والأصل فيها ، الإباحة وجواز الانتفاع ، إلا فيما يقدح في مقصودها وهو الاستطراق . قال الإمام : ومصير الموضع شارعا ، له صورتان ، إحداهما : أن يجعل الرجل ملكه شارعا وسبيلا مسبلا . والثانية : أن تجيء جماعة بلدة أو قرية ، ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن ، ويفتحوا إليه الأبواب . [ ص: 206 ] ثم حكى عن شيخه ، ما يقتضي صورة ثالثة ، وهو أن يصير موضع من الموات جادة يستطرقها الرفاق ، فلا يجوز تغييره . وإنه كان يتردد في بنيات الطرق التي يعرفها الخواص ويسلكونها . وكل موات يجوز استطراقه ، لكن لا يمنع أحد من إحيائه وصرف الممر عنه ، بخلاف الشوارع . الشوارع التي في البلاد ، والجواد الممتدة في الصحاري سواء ، في أنها منفكة عن الملك والاختصاص
قلت : قال الإمام : ولا حاجة إلى لفظ في مصير ما يجعل شارعا . قال : وإذا وجدنا جادة مستطرقة ، ومسلكا مشروعا نافذا ، حكمنا باستحقاق الاستطراق فيه بظاهر الحال ، ولم نلتفت إلى مبدإ مصيره شارعا . وأما ، فقل من تعرض لضبطه ، وهو مهم جدا ، وحكمه ، أنه إن كان الطريق من أرض مملوكة يسبلها صاحبها ، فهو إلى خيرته ، والأفضل توسيعها . وإن كان بين أراض يريد أصحابها إحياءها ، فإن اتفقوا على شيء ، فذاك . وإن اختلفوا ، فقدره سبع أذرع ، وهذا معنى ما ثبت في " صحيحي " قدر الطريق البخاري ومسلم عن - رضي الله عنه - : أبي هريرة . ولو كان الطريق واسعا ، لم يجز لأحد أن يستولي على شيء منه ، وإن قل ، يجوز عمارة ما حوله من الموات ، ويملكه بالإحياء بحيث لا يضر بالمارة . ومن المهمات المستفادة ، أن قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الاختلاف في الطريق ، أن يجعل عرضه سبع أذرع . وإن جاز لهم استطراقها ؛ لأنه كإعلائهم البناء على بناء المسلمين ، أو أبلغ . هذا هو الصحيح ، وذكر أهل الذمة يمنعون من إخراج الأجنحة إلى شوارع المسلمين النافذة الشاشي في جوازه وجهين . ومن أخرج جناحا على وجه لا يجوز ، هدم عليه . - والله أعلم - .