الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول لوزيره رجاء بن حيوة : إن لي نفساً تواقة ، تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها ، وتاقت إلى الإمارة فوليتها ( وكان والياً على المدينة ) وتاقت إلى الخلافة فوليتها ( وكان أميراً للمؤمنين ) والآن تتوق إلى الجنة " والمسلمون في كل الأعصار يدعون له بالجنة ، وقد بدا لي من جلستين اثنتين جلستهما مع الأخ الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله - أن له نفساً تشبه نفس عمر ، تتوق إلى الإصلاح والتصحيح ، وتتفانى في الدعوة إلى الله عز وجل - نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً - وتجعل الجنة مطمحاً عالياً غالياً تكدح إليها كدحاً ، نسأل الله تعالى أن يكتبها له لقاء جهده وإخلاصه ودعوته ، وأن يحشره مع من يحب .
والشيخ صفوت الشوادفي - الذي ولد في عام 1955م - ترك آثاراً غير منكورة في الدعوة إلى الله عز وجل ، تحكي بقاءها السطور التالية : - - أثناء دراسته قاد الدعوة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - التي تخرج منها عام 1978م - وشكل أسرة كانت تنظم المحاضرات بالجامعة والدروس الدعوية .
- أقام في مدينة بلبيس ، وكان رئيساً لفرع جماعة أنصار السنة المحمدية بها ، وترك بصمة دعوية توحيدية كبيرة بها ، يعلمها الذين عاصروها في هذه البلدة .
- انتقل إلى مدينة العاشر من رمضان بالقاهرة ، فأنشأ فرعاً للجماعة بها ، وكان له شهود دعويّ رائع ، ونشاط كبير فيها .
- ولي إدارة الدعوة وعضوية مجلس إدارة أنصار السنة عام 1991م ورئاسة تحرير مجلة التوحيد التي تصدر عنها ، والذي يقرأ المجلة الآن يلمس الفارق الكبير بعد تطويرها عن ذي قبل ، ويلمس أيضاً وعي الشيخ الشوادفي بدور الإعلام الكبير والخطير في هذا العصر .
- حرص على إقامة علاقات طيبة مع الأزهر - خاصة مع شيخه الإمام جاد الحق رحمه الله - ومع علماء الأمة من أمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين اللذين تلقى عليهما كثيراً من العلوم .
- اختير نائباً لرئيس جماعة أنصار السنة ، وحبه للجماعة وشيوخها السابقين واللاحقين كبير .
- استمر في الكتابة لمجلة التوحيد ، وفي الإشراف على طباعة كثير من الكتب التي كانت تطبعها دار النشر التي أقامها في بلبيس - دار التقوى - والأخرى التي أقامها في مدينة العاشر من رمضان بالقاهرة - دار نور القرآن - إلى أن توفي رحمه الله تعالى إثر حادث أليم بعد عودته من عمرة إلى البيت الحرام في 17 من جمادى الأولى 1421هـ الموافق 17/8/2000م .
- من المطبوعات التي أشرفت عليها دار النشر الخاصة به ، مجموعة فتاوى ابن تيمية رحمه الله ، وموسوعة الشيعة للدكتور علي السالوس ، ومختارت من فتاوى دار الإفتاء المصرية في مائة عام ، وفتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية وغيرها .
تلك بعض آثاره - رحمه الله - ولكنها قد لا تنبئ عن عظيمٍ وراءها ، ولذا لا بد أن نقف عند بعض كتاباته وكلماته لتخبرنا عن هذا الفاضل الذي رحل ، يقول عن جماعة أنصار السنة التي كان نائباً عنها ورئيساً لدعوتها : -
نحن أنصار السنة المحمدية لا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب فعله - ما لم يكن مشركاً - ولا نخرج على الحاكم المسلم - وإن ظلم - ولا نشهد لأحد بالجنة ولا على أحد بالنار إلا من شهدت النصوص له أو عليه ، ولا ننكر حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلاصة منهجنا الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .
وله رأي في واقع المسلمين يقول :
الجهاد فريضة إسلامية شرعت لإعلاء كلمة الله ونصر الحق ، وصدّ الباطل ، وردّ العدوان ، وأعداء الإسلام - وعلى رأسهم اليهود - لا يذعنون إلا للسيف ، ولا يردعهم إلا جيوش المجاهدين ، ولا ترهبهم إلا قوة السلاح ، و الجهاد هو السبيل الوحيدة لإعادة الحرم المغصوب (القدس) والوطن المسلوب .
ويتكلم عن الموت قبل أن يموت - وكأنه واحد من الأموات - فيقول : -
الله هو خالق الحياة وخالق الموت لحكمة بالغة أرادها وغاية خطيرة قدرها ، هو الذي خلق الموت والحياة ( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )وقسم الله الحياة إلى ثلاث مراحل : حياة دنيوية ، وحياة برزخية ، وحياة أخروية ، فأما الحياة الدنيا فهي مسبوقة بالعدم وتنتهي بالبعث ، والحياة الأخروية تبدأ بالبعث ولا نهاية لها ، إنها آيات للموقنين تحتاج من كل مؤمن أن يقف أمامها متدبراً متفكراً ليزداد إيماناً ويقيناً وتسليماً .
تلك كانت بعض كلمات الشيخ الشوادفي أبانت عن منهجه في الحياة الدنيا ، وعن معتقده في الآخرة . وإننا لنرى من كلمات الفاضلين عنه مصداق ما قال ، فهذا رئيس أنصار السنة ورفيق دربه في الدعوة إلى الله عز وجل الشيخ صفوت نور الدين يقول عنه : - إن الخطب جلل ، والمصاب عظيم ، والمفاجأة قاسية ، فإن القلب يحزن ، والعين تدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراق أخينا صفوت الشوادفي لمحزونون .
ويقول الشيخ محمد حسان : -
فقدت مصر ، بل الأمة الإسلامية ، وما أكثر ما فقدت في هذه الأيام ، عالماً نحريراً وحبراً نجيداً وفقيهاً أريباً ، لقد فقدت الدعوة إلى الله تعالى فارساً نبيلاً من فرسانها ، لقد فقدت داعية واسع العلم والفكر والفهم والأفق .
ويقول الشيخ مصطفى العدوي : -
كم سررت - ولله الحمد - وأنا أرى رؤوس الخير قد اجتمعوا لتشييع جنازته ، وأفاضل القوم قد التأموا وتلاحموا ، كم شعرت بروح الأخوة والمودة من اجتماع إخواني ، وقد رقت قلوبهم وذرفت عيونهم الدمع على أخ لهم في الله قد قبضه الله .
ويقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم : -
لقد هز قلوبنا خبر وفاة الداعية السلفي الجليل فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي رحمه الله تعالى كيف لا وقد حدثت بموته ثلمة ، وفتحت ثغرة ، وحرمت ساحة الدعوة إلى التوحيد والسنة من فارس طالما صال وجال داعياً إلى الله عز وجل على بصيرة .
وهذا شاعر أنصار السنة يرثيه ، يقول الدكتور الوصيف على حزة : -
يا فارس القول بات القول عرياناً يبكي على أمـة الإسـلام حيرانـا
لله درك كم دبجّـت من حكـم هدمت فيها صـروح الشرك إيذانا
رحم الله الشيخ الفاضل ، والأخ الجليل صفوت الشوادفي وتقبله في الصالحين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله ، وعلى آله ومن والاه .