الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من شروط الإصلاح

من شروط الإصلاح

من شروط الإصلاح

هناك قول للأستاذ/ خالد محمد خالد –رحمه الله- في أنه توجد مسافة شاسعة بين الإصلاح وبين النهضة والانبعاث. وفي اعتقادي إن اقتراب الإصلاح أو ابتعاده عن حالتي النهضة والانبعاث يحدده مدى توافر الشروط المطلوبة لكل عملية إصلاح، سواء أكان إصلاحاً عاماً أم إصلاحاً قطاعياً (في الصحة أو الاقتصاد أو التربية والتعليم مثلاً).

ومن بين الشروط التي يجب أن تتوفر ما يلي:

أولاً: لا يمكن أن تصلح أي وضع أو حقل بتجاهلهما والقفز من فوقهما، عند ذاك تنقلب عملية الإصلاح إلى تمنيات نظرية لا جذور لها في الواقع، بل ستكون طبخة بلا طعم ولا رائحة. ولعل أخطر تجاهل هو تجاهل تاريخ المحاولات الإصلاحية السابقة إن وجدت.
إذ أن وجود تاريخ لإصلاح جدي وحقيقي سابق، خصوصاً إذا سبق وأن كان مماثلاً للمحاولة الجديدة في توجهاته ونظراته واستراتيجياته ومكونات أولوياته، سيحتم أن تكون العملية الإصلاحية الجديدة متممة للمحاولة أو المحاولات السابقة. إن المحاولة الجديدة عند ذاك لن تبدأ من الصفر، وإنما من حيث انتهت المحاولات السابقة بنجاحاتها وإخفاقاتها.

إن أي مشروع للإصلاح يحاول أن يقفز فوق التاريخ، سيعمل في الفراغ ودون استفادة من عبر الماضي. إن أفضل الإصلاحات هي التي تتكون من موجة تكبر عبر الحقب وتعلو على الدوام حتى تصل إلى أهدافها، وليس مجموعة موجات تبدأ كل واحدة منها من الصفر، أي بعد أن تتكسّر الموجة التي سبقتها على صخور المشاكل والصعوبات. وبمعنى آخر فإن كل عملية إصلاح جديدة يجب أن تكون إضافة أو تعديلاً أو تصويباً لما سبقها. وهي لا تبدأ من الصفر إلا إذا لم تسبقها في التاريخ أية محاولات مماثلة جادة وعميقة.

ثانياً: ولأن التاريخ، بما فيه تاريخ كل إصلاح، ليس سرداً لأحداث وإنما هو درس متعمق لأحلام وطموحات وجهود ونجاحات وإخفاقات بشر ومجتمعات، فإن فهمه سيكون مستحيلاً على من لا إلمام له بثقافة وعقائد وعلاقات وتقاليد أولئك القوم وتلك المجتمعات.
من هنا فإن عملية الإصلاح، تشخيصاً واستراتيجية وتنفيذاً ومتابعة، لا يمكن أن يقودها أجانب، سواء أكانوا أشخاصاً أم شركات. إن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يكونوا، في أحسن الأحوال، مستشارين في بعض الجوانب الفنية والتنظيمية، لكنهم حتماً لا يستطيعون أن يكونوا قلب ورأس وروح عملية الإصلاح المطروحة. نذكر تلك البديهة بسبب المرض العربي الجديد في إسناد محاولات الإصلاح، القطاعية منها على وجه الخصوص، إلى مؤسسات أجنبية، تارة باسم عدم الثقة في العنصر الوطني وتارة باسم متطلبات العولمة المشوهة وتارة بسبب سوء فهم الآمرين والناهين.

ثالثاً: الإصلاح الذي لا ينبت من داخل المؤسسة أو الحقل المراد إصلاحهما، ولا يتحمس له العاملون فيهما بحيث يصبح مشروعهم الذي يحتضنونه ويدافعون عنه... هذا الإصلاح لن يكتب له النجاح.

أشك أنه يوجد إصلاح، سواء أكان عاماً أم قطاعياً، ومسنود بإرادة سياسية، لا يمكن أن تقوم به قدرات علمية وتنظيمية محلية مسنودة بقدرات عربية واسلامية من داخل الوطن العربي أو من المَهاجِر. ولو كان المسؤولون مطلعين بما فيه الكفاية على أدبيات الحقول التي يودون إصلاحها، لعلموا أن كل ما تفعله مؤسسات "الإصلاح" الأجنبية التي تدفع لها ملايين الدولارات، هو مجرد إعادة كتابة ما في الكتب والتقارير الدولية وتقديمه كمشاريع إصلاح.

لذلك فإن أول عمليات الإصلاح ينبغي أن تكون ثقة في العنصر المحلي وتأهيله لقيادة الإصلاح لأنه هو وحده المؤتمن على خيرات الأمة وثرواتها.
__________
مركز دمشق للدراسات النظرية بـ"تصرف"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

كيف نقف خلف اللغة العربية؟!

إنَّ المتتبِّعَ لكلِّ من كتَبَ عن وقائعِ أمَّتنا في العصْرِ الحديث، يدركُ أنَّ الأمَّةَ العربيَّةَ لم تَعرِفْ...المزيد