الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موت العلماء والدعاة.. مصيبة

موت العلماء والدعاة.. مصيبة

موت العلماء والدعاة.. مصيبة

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين...

بهذا الكلام الرقيق والجميل والدقيق بدأ إمام أهل السنة أحمد بن حنبل كتابه في الرد على الزنادقة، مادحا أهل العلم وأئمة الهدى بهذه الصفات التي هم أهلها وأحق بها.. فأهل العلم العاملون والعلماء المخلصون هم حقا مصابيح الدجى ونجوم الهدى الذين بهم يقتدى، هم ربان سفن النجاة، وهم الأمان من عذاب الله، هم حماة الدين وناشرو الفضيلة، يقمعون أصحاب الهوى وأهل الغواية والضالين، ويرشدون التائهين والحائرين وينيرون الدروب للسالكين، بهم تصفو الحياة، وتزكو النفوس.

هم في سماء العلم نجومها، وفي الأرض هداتها وحداتها، يخرجون الناس بفضل الله ثم بنور علمهم من الظلمات إلى النور, ويأخذون بأيديهم إلى سبيل الحق وطريق الفوز والسرور، ويرشدونهم بإذن الله إلى مرضاة العزيز الغفور، فهم الموقعون عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فحق أن يوصفوا بأفضل الأوصاف وأعلاها وأعظمها وأزكاها، كيف لا وهم الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم "ورثة الأنبياء" وكفى بها منقبة..

ليس ذلك فحسب بل مديح الله لهم في كتابه غلب كل مديح، وأجره الذي ادخره لهم فاق كل أجر كما قال عنهم سبحانه: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقال أيضا: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}؛ [الزمر: 9]. وقال لنبيه: {وقل رب زدني علما}.. والآيات في هذا الباب تطول..

كما أن أحاديث رسول الله حولهم تملأ النفوس بالفخر ويكفي في ذلك حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر]؛ رواه احمد وأبو داود، والترمذي، وأصله في "الصحيحين".

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله عنهم: "هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الآباء والأمهات بنص الكتاب".

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثاً، والعلم يحتاج إليه في كل وقت"اهـ.

وقال بعض الشعراء:
العِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صاحِبِهِ .. .. كَما يُجْلِي سَوَادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ

وقال آخر:
فَلَولا العِلْمُ ما سَعِدَتْ نُفُوسٌ .. .. وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ
فبِالعِلْمِ النَّجاُة مِـنَ المَخَازِي .. .. وَبِالجَــهْلِ المَــذَلَّةُ وَالــرُّغــامُ

وقال ثالث:
فمن لم يذق مر التعلم ساعة ... ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم حال شبابه ... ... فكــبر علـيه أربــعـا لـوفـاتــه

فلا غرو بعد لك أن يكون بقاء العلماء نعمة من الله، وذهابهم مصيبة تصيب الأرض وأهلها، وثلمة في الدين لا يسد شيء مسدها، فبموت العلماء والدعاة وفقدهم تكمن المصيبة، وتعظم الرزية، وتخرب الدنيا، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار".
وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس قال إذا هلك علماؤهم.

وتصديق ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا].
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله- في فتح الباري: "فدل هذا على أن ذهاب العلم يكون بذهاب العلماء".

وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}(الرعد:41)•
قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها.
وكذا قال مجاهد: هو موت العلماء.

جاء في مجمع الزوائد عن سعيد بن المسيب قال: شهدت جنازة زيد بن ثابت فلما دفن في قبره قال ابن عباس: "يا هؤلاء من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم.. أيم الله لقد ذهب اليوم علم كثير" رواه الطبراني.

وجاء في كتاب "أخلاق العلماء" للآجري: قال كعب: «عليكم بالعلم قبل أن يذهب، فإن ذهاب العلم موت أهله، موت العالم نجم طمس، موت العالم كسر لا يجبر، وثلمة لا تسد، بأبي وأمي العلماء ـ قال: أحسبه قال: قبلتي إذا لقيتهم، وضالتي إذا لم ألقهم، لا خير في الناس إلا بهم».

الأرض تحـيا إذا مـا عــاش عالـمها *** متى يمت عالم فيها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عــاد في أكـنافها التلف

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

فأما اليتيم فلا تقهر

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه،...المزيد