الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسْعَدُ النَّاسِ بشَفاعَتِي مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا الله

أسْعَدُ النَّاسِ بشَفاعَتِي مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا الله

أسْعَدُ النَّاسِ بشَفاعَتِي مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا الله

التوحيد "لا إله إلا الله" كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبراءة مِن الشرك، ونجاة مِنَ النار، ومعناه: الإيمان بوحدانية الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه سبحانه هو المستحقّ للعبادة وحده، ومَنْ عمل بما دلت عليه ـ شهادة التوحيد ـ كانت له السعادة في الدنيا والآخرة.. وقد خَلَق الله عز وجل الخَلْقَ وأرسل الأنبياء والرسل مِنْ أجل توحيده وعبادته، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:25)، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56)، قال ابن عباس رضي الله عنه: "ليطيعون.. وَيُقَال: إِلَّا أَمرتهم أَن يوحدوني ويعبدوني". والتوحيد الذي تعبر عنه كلمة "لا إله إلا الله" هو أول وأعظم واجب على العباد. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا مُعاذ، أتَدْرِي ما حَقُّ اللهِ علَى العِبادِ؟ قالَ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَم، قال: أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ ولا يُشْرَكَ به شيء، قالَ: أتَدْرِي ما حَقُّهُمْ عليه إذا فَعَلُوا ذلكَ؟ فقال: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَم، قال: أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ) رواه مسلم.
والأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في عِظم وشرف وفضائل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" كثيرة، ومِنْ هذه الفضائل أنَّ مَنْ قالها مِنْ قلِبْه ونَفْسِه كان أسعد الناس بشفاعة نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قُلتُ: يا رَسول اللَّه، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِك يوم القِيَامة؟ فقال: لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هريرة أنْ لا يَسْأَلَنِي عن هذا الحَديث أحَدٌ أوَّل مِنْك، لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِك على الحديث، أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يوم القِيَامة مَنْ قال: لا إلَهَ إلَّا اللَّه، خَالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِه) رواه البخاري. وفي رواية: (مَن قال لا إلَه إلَّا اللَّه، خَالِصًا مِن قَلْبِه، أوْ نَفْسِه). هذا الحديث يخبرنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم أنَّ أسعدَ الناسِ بشَفاعتِه يوم القيامة هو مَن قال: "لا إله إلَّا اللَّه" مُعتقِدًا معْناها، مُخلِصًا في الإيمان بتَرْك الشِّرك، وفي الطاعة بتَرْك الرِّياء، فيكون هو أسعَدَ ممَّن لم يكُنْ في هذه المَرتبة مِن الإخلاص.
2 ـ عن أبي هريرة رضي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَة، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَه، وإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي يَوم القيامة، فَهي نائِلَةٌ إنْ شاءَ اللَّهُ مَنْ مات مِن أُمَّتي لا يُشْرِكُ باللَّه شيئًا) رواه مسلم. وفي هذا الحديثِ يُخبِرنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ لكلِّ نَبيٍّ دعوةً مُستجابة، فَادَّخرَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الدَّعوة التي يَتيقَّن إجابتَها إلى يَوم القيامة، وآثرَ أُمَّتَه بما خصَّه الله به مِن إجابة الدَّعوة بالشَّفاعة لهم، ولم يَجعَلْ ذلك في خاصَّةِ نَفسِه وأهْلِ بيْتِه، فجَزاه الله عُنْ أُمَّته أفْضَل الجزاء، فهو كما وصفه الله عز وجل بقوله: {بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128). وشفاعته صلى الله عليه وسلم تَكون للمُذْنِبِين، أو في إدخال الجنَّة مِن غيرِ حِساب، أو في رَفْعِ الدَّرجات يَوم القيامة، كُلٌّ بحسَبِ حاله.
قال الطيبي: "اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث: أنَّ كلَّ نبي دعا على أمته بالإهلاك، كنوح، وصالح، وشُعيب، وموسى، وغيرهم، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فلم يَدْع على أعدائه بالإهلاك، فأُعْطِيَ قبول الشفاعة يوم القيامة عِوضا عما لم يدع على أمته، وصبر على أذاهم". وقال الهروي: "قال ابْنُ الْمَلَك (الكرماني)، وَإِنَّمَا ذَكر (إِنْ شَاءَ اللَّه) مَعَ حُصُولِهَا لَا مَحَالَة أَدَبًا وامْتِثَالًا لِقَوْله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(الكهف:24:23). وَالْأَظْهَر أَنَّه قَال لِلتَّبَرُّك، لِأَنَّ الْمُرَاد مِنَ الْآية الْأَفْعال الْوَاقِعة في الدُّنْيا، لَا الْأَخْبَار الْكَائِنَة فِي الْعُقْبَى". وقال ابنُ بطال في "شرح صحيح البخاري": "الشَّفاعة إنَّما تكون في أهلِ الإخلاصِ خاصَّةً، وهم أهل التصديقِ بوحدانيَّة الله، ورُسُلِه، لقَوله صلى الله عليه وسلم: (خالصًا من قَلْبِه أو نَفْسِه)". وقال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "قوله: (أسْعد الناس) أسعد هنا بمعنى السعيد، إذ لا يسعد بشفاعته مَنْ لم يكن مِنْ أهل التوحيد، أو المراد بمن قال مَنْ لم يكن له عمل يستحق به الرحمة ويستوجب به الخلاص مِنَ النار، فإن احتياجه إلى الشفاعة أكثر، وانتفاعه بها أوفر". وقال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح": "في هذا الحديث مِنَ الفقه: ما يدل على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، يوم يقوم الأشهاد، التي يكون عنها فصل القضاء في ذلك اليوم، فأسعد الناس بها أهل لا إله إلا الله، التي قد تقدم ذكرنا لها: أنها يقتضي أن يتبعها مُحَمد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن تيمية في "الإيمان": "فتلك الشفاعة هي لأهل الإخلاص بإذن الله ليست لمن أشرك بالله، ولا تكون إلا بإذن الله. وحقيقته أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص والتوحيد فيغفر لهم بواسطة دعاء الشافع الذي أذن له أن يشفع ليكرمه بذلك وينال به المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلم، كما كان في الدنيا يستسقي لهم ويدعو لهم، وتلك شفاعة منه لهم فكان الله يجيب دعاءه وشفاعته". وقال ابنُ القَيِّم: "في قوله في حديث أبي هريرة: (أسعَدُ النَّاسِ بشَفاعتي مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ) سِرٌّ من أسرارِ التَّوحيدِ، وهو أنَّ الشَّفاعة إنَّما تُنال بتجريدِ التَّوحيد، فمن كان أكمَلَ تَوحيدًا كان أَحرى بالشَّفاعة".
وقال ابن حجر في "فتح الباري": " قَوْله (مَنْ أَسْعَدُ النَّاس بِشَفَاعَتِك) لَعَلَّ أَبَا هريرة سَأَل عَنْ ذَلِك عِنْد تَحْدِيثه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَة) وَمِنْ طُرُقِه (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي).. وقوله: (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسه) بِكَسْرِ الْقَاف وفَتْح الْمُوَحَّدَة أَيْ قال ذلِك بِاخْتِيَارِه.. وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الشَّفَاعَة الْمَسْئُول عَنْهَا هُنَا بَعْض أَنْوَاع الشَّفَاعَة وَهِيَ الَّتِي يَقُول صلى الله عليه وسلم: (أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَال له: أَخْرِجْ مِنْ النَّار مَنْ فِي قَلْبه وَزْن كَذَا مِنْ الْإِيمَان) فَأَسْعَد النَّاس بِهَذِه الشَّفَاعَة مَنْ يَكُون إِيمَانه أَكْمَل مِمَّن دُونه.. وَالْحَاصِل أَنَّ في قوله (أَسْعَد) إِشَارة إلى اِخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ في السَّبَق إلى الدُّخُول بِاخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ في الْإِخْلَاص، ولذلِك أَكَّدَه بِقَوْله (مِنْ قَلْبه).. وبِهَذَا التَّقْرِير يَظْهَر مَوْقِع قوْله (أَسْعَد) وَأَنَّها على بابها مِن التَّفْضِيل، وَلَا حَاجَة إلى قَوْل بَعْض الشُّرَّاح الْأَسْعَد هُنَا بِمَعْنَى السَّعِيد لِكَوْنِ الْكُلّ يَشْتَرِكُونَ فِي شَرْطِيَّة الْإِخْلَاص، لِأَنَّا نَقُول يَشْتَرِكُون فِيه لَكِنَّ مَرَاتِبَهُمْ فِيه مُتَفَاوِتة. وقال الْبَيْضَاوِيّ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَنْ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ يَسْتَحِقّ بِهِ الرَّحْمَة وَالْخَلَاص، لِأَنَّ اِحْتِيَاجه إِلَى الشَّفَاعَة أَكْثَر وَانْتِفَاعه بِهَا أَوْفَى. واَللَّه أَعْلَم".

فائدة:
1 ـ يوم القِيامة يَومٌ عَظيمٌ مشهود، يجْمَع الله عز وجل فيه الأوَّلينَ والآخِرين، ويُصيب النَّاسَ فيه مِنَ الأهوال والكُروب الشديدة الكثير، وتَشتَدُّ حاجتُهم إلى مَن يَشفَع لهم عند الله تعالى، ويَتقدَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ ليَشفَع لهم عند ربِّهم سبحانه وتعالى، وهي الشَّفاعة العُظمى التي اختَصَّه اللهُ تَعالى بها، كما أنَّ له صلى الله عليه وسلم شَفاعات أُخرى. قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}(الإسراء:79). قال ابن كثير: "قال ابن عباس: هذا المقام المحمود مقام الشفاعة". وقال الطبري: "لعل ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاماً، تقوم فيه محموداً تُغْبَط فيه، ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر العلم: ذلك هو المقام الذي هو يقومه يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم". وفي حديث أنس رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيَقول (يقول الله يوم القيامة): يا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُول: يا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتي، فيَقول: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مَن كانَ في قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمَان فأخْرِجْهُ مِنَ النَّار) رواه البخاري.
2 ـ ومن شفاعته صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الكبائر مِنَ الموحدين مِنْ أمته الذين دخلوا النار. عن أَنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني وغيره..
قال القاضي عياض: " قوله: (شفاعتي لأهل الكبائر): مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعًا بصريح قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (طه:109). وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة، وأجمع السلف الصالح ومَنْ بعدهم مِنْ أهل السُنة عليها، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذهبهم في تخليد المذنبين في النار بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}(المدثر:48)، وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}(غافر:18)، وأجيب أن الآيتين في الكافرين، والمراد بالظلم الشرك، وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها مختصة بزيادة الدرجات فباطل، وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار". وقال الصنعاني: " حديث (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) نص في بعض أفراد هذا العام، ولا يبطل العام، وإنما فيه بيان أنهم أحق الناس بشفاعته". وقال المناوي: "(شفاعتي) أي الشفاعة التي أعطانيها الله ووعدني بها، ادخرتها (لأهل الكبائر) الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبائر (مِن أمتي) ومَنْ شاء الله، فيشفع لقوم في أن لا يدخلوا النار، ولآخرين دخلوها أن يخرجوا منها".
3 ـ الشفاعة لأرباب الذنوب والمعاصي ليست خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم بل يشاركه فيها النَّبِيُّونَ والمَلَائِكَة والمُؤْمِنُون. عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. يقولون (أي: المؤمنون من أهل الجنة): رَبَّنَا إخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّون معنا، ويَصُومُون معنَا، ويَعْمَلون معنَا، فيَقول اللَّه تعالى: اذْهَبُوا، فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ دِينَارٍ مِن إيمَانٍ فأخْرِجُوه.. فَيَأْتُونَهُمْ وبَعْضُهُمْ قدْ غَابَ في النَّارِ إلى قَدَمِه، وإلَى أنْصَاف سَاقَيْه، فيُخْرِجُون مَن عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُون، فيَقول: اذْهَبُوا فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ نِصْفِ دِينَارٍ فأخْرِجُوه، فيُخْرِجُونَ مَن عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُون، فيَقولُ: اذْهَبُوا فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِن إيمَانٍ فأخْرِجُوه، فيُخْرِجُونَ مَن عَرَفُوا.. فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ والمَلَائِكَةُ والمُؤْمِنُونَ) رواه البخاري.
وفي "معارج القبول" لحافظ بن أحمد حكمي": "وَأَمَّا هَذِهِ الشَّفَاعَة فهِي وإِنْ كَانَت مِنَ الْمَقَام الْمَحْمُود الذي وُعِدَه فلَيْسَتْ خَاصَّة بِه صلى الله عليه وسلم، بَلْ يُؤْتَاها كَثِيرٌ مِنْ عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصين، ولَكِنْ هو صلى الله عليه وسلم الْمُقَدَّم فيها، وَلَمْ يَشْفَعْ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّه تعالى في مِثْل مَا يَشْفَع فِيه رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَا يُدَانِيه في ذَلِك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَل، ثُمَّ بَعْدَه يَشْفَعُ مَنْ أَذِن اللَّهُ تعالى لَه مِنَ الملائكة الْمُقَرَّبِين والْأَنْبِيَاء والْمُرْسَلِين والصِّدِّيقِين والشُّهَدَاء والصَّالِحِين وسَائِرِ أَوْلِيَاء اللَّه تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِين، وَيَشْفَعُ الْأَفْرَاطُ (أطفال المسلمين الذين ماتوا صغارا) كُلٌّ مِنْهُمْ يُكْرِمُه اللَّهُ تَعالى عَلى قَدْرِ مَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يُخْرِج اللَّهُ تعالى مِنَ النَّار بِرَحْمَته أَقْوَامًا بِدُون شَفاعة الشَّافِعِين، ولِذَا قُلْنَا في ذلك:
وَبَعْدَهُ يَشْفَعُ كُلُّ مُرْسَلِ وَكُلُّ عَبْدٍ ذِي صَلَاحٍ وَوَلِي
وَيُخْرِجُ اللَّهُ مِنَ النِّيرَانِ جَمِيعَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَان

ليس المقصود مِنْ شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكل مَنْ قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه، وشفاعته لأهل الكبائر من أمته، التقليل من خطورة المعاصي، فالعذاب في النار - ولو كان مؤقتًا - لا يجوز أبدًا أن يستهين به العبد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذابًا يَومَ القِيامَةِ، لَرَجُلٌ تُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْها دِماغُه) رواه البخاري. وإنما المقصود مِنَ الحديث عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ولأصحاب الذنوب والكبائر من أمته هو إظهار مدى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه عليها، وبيان مدى فضله وعلو منزلته عند الله عز وجل.. والأحاديث النبوية في فضائل كلمة التوحيد كثيرة يصعب حصرها، وهي تدل على أن مَنْ قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة، وأحسن ما قيل في هذه الأحاديث ما قاله ابن تيمية وغيره: "هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها". وقد قيل للحسن: إن ناسًا يقولون: مَنْ قال: لا إله إلا اللّه دخل الجنة، فقال: "مَنْ قال: لا إله إلا اللّه فأدى حقها وفرْضها دخل الجنة". وقد جمع الشيخ حافظ حكمي الكثير من فضائل كلمة التوحيد وما يتعلق بها في "معارج القبول" ومِن ذلك قوله:
مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنًا يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة