الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإخلاص في القرآن الكريم (1)

الإخلاص في القرآن الكريم (1)

الإخلاص في القرآن الكريم (1)

(الإخلاص) من عمل القلوب، وهو ركن أساس من أركان العبودية لله سبحانه. فما هو مفهوم الإخلاص لغة واصطلاحاً، وما هي موارده في القرآن الكريم، والألفاظ الوثيقة الصلة به، ومنزلته ودرجاته، وصوره وأنواعه؟.

* مفهوم الإخلاص

في "معجم مقاييس اللغة": "الخاء واللام والصاد أصل واحد مطرد، وهو تنقية الشيء وتهذيبه. يقولون: خلَّصتُه من كذا، وخَلَصَ هو". و(خَلَصَ) الشيء، صار (خالصاً) وبابه دخل. و(خَلَصَ) إليه الشيء: وصل. و(خلَّصه) من كذا (تخليصاً) أي: نجَّاه (فتخلص). و(خُلاصة) السمن، بالضم: ما خَلَصَ منه، وكذا (خِلاصته) بالكسر. و(الإخلاص) في الطاعة ترك الرياء، وقد (أخلص) لله الدين. و(خالصه) في العشرة: صافاه. وهذا الشيء (خالصةٌ) لك، أي: خاصة. و(استخلصه) لنفسه استَخَصَّهُ. وكلمة (الإخلاص) كلمة التوحيد. و(التخليص) التنجية من كل شائبة، تقول: خلَّصته من كذا تخليصاً، أي: نجيته تنجية، فتخلَّص.

و(الإخلاص) في الاصطلاح الشرعي عُرِّف بتعريفات عدة؛ فعرَّفه الجنيد بأنه: "ما أريد به وجه الله من أي عمل كان". وعرَّفه الجرجاني بقوله: "سِتر بين العبد وبين الله تعالى، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله". وعرَّفه ابن القيم: "تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين". وعرَّفه الشيخ العثيمين: "أن يقصد المرء بعبادته وجه الله، والوصول إلى دار كرامته، بحيث لا يعبد معه غيره، لا ملكاً مقرباً، ولا نبيًّا مرسلاً".

و(المُخْلِصُ) بكسر اللام، هو الذي وحد الله تعالى خالصاً، فلم يشرك به شيئاً، وهو بهذا اسم فاعل. و(المُخلِصون) الموحدون. وقد وردت وفق هذا المعنى عدة آيات، منها: قوله سبحانه: {فادعوه مخلصين له الدين} (غافر:65).

و(المُخْلَص) بفتح اللام، الذي أخلصه الله، وجعله مختاراً خالصاً من الدنس، وهو بهذا اسم مفعول. و(المُخلَصون) المختارون. وقد وردت وفق هذا المعنى عدة آيات، منها: قوله سبحانه: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا} (مريم:51).

وقُرئ قوله تعالى: {إنه من عبادنا المخلصين} (يوسف:24) بكسر اللام وفتحها. قال الطبري: "بفتح اللام من {المخلصين} بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا، واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا. وبكسر اللام، بمعنى: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا وعبادتنا، فلم يشركوا بنا شيئاً، ولم يعبدوا شيئاً غيرنا".

* الإخلاص في الاستعمال القرآني

وردت مادة (خلص) في القرآن الكريم ثماني وثلاثين مرة (38)؛ فقد وردت بصيغة الفعل الماضي ثلاث مرات، وبصيغة المضارع مرة، وبصيغة اسم المفعول ثماني عشرة مرة، وبصيغة اسم المفعول تسع مرات، وبصيغة المصدر سبع مرات.

* الألفاظ ذات الصلة

- النية: لغة القصد، وخُصت في غالب الاستعمال بعزم القلب على أمر من الأمور. وفي الاصطلاح: القصد إلى الشيء، أو الاعتبار له من دون اعتبار أمر آخر. وهي توجّه القلب نحو العمل، وليس من ذلك بشيء.

والعلاقة بين الإخلاص والنية وطيدة؛ ذلك أن الإخلاص يعني قصد الله في العبادة وحده، والنية تعني القصد والعزم على الأمر، وبينهما عموم وخصوص؛ فالنية أعم؛ إذ هي تشمل النية الحسنة والسيئة، في حين أن الإخلاص يختص بالنية الحسنة فحسب.

- القصد: لغة إتيان الشيء، تقول: قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى. وقصدت قصده: نحوت نحوه. و(القصد) استقامة الطريق، قصد يقصد قصداً، فهو قاصد. و(القصد) اصطلاحاً: استقامة الطريق. وقيل: إرادة المتكلم مع إدراك معنى الكلام، وما يترتب عليه من التزامات؛ لأن الألفاظ تعبر وتدل على ما في النفس؛ لتترتب الأحكام عليها. والقصد بمعنى الإرادة، والإخلاص أيضاً يأتي بمعنى إرادة العبد ربه في عبادته دون غيره، فالإخلاص له صلة وثيقة بالقصد.

- الرياء: يقال: فلان مراءٍ، وقوم مراؤون، والاسم الرياء، يقال: فعل ذلك رياء وسمعة، وإظهار غير ما في الباطن. وهو في الاصطلاح: العمل لرؤية الناس، والسمعة لأجل سماعهم. وقيل: هو أن يعمل المرء العمل، ظاهره أنه لله، وباطنه يريد به مدح الناس له. والرياء من الألفاظ المقابلة للإخلاص؛ فالرياء يُقصد منه إرضاء الناس، أما الإخلاص فيُقصد به ابتغاء وجه الله تعالى.

- الشرك: لغة هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعداً، عيناً كان ذلك الشيء، أو معنى. وهو في الاصطلاح: عبادة غير الله سبحانه، ودعاء غيره في الأشياء التي تختص به، واعتقاد القدرة لغيرة في ما لا يقدر عليه سواه، والتقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه. والشرك من الألفاظ المقابلة للإخلاص؛ فالشرك يعني عبادة غير الله معه، أما الإخلاص فهو توجه العبد إليه سبحانه دون غيره.

* منزلة الإخلاص

يعد الإخلاص من أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدراً ومنزلة، بل إن أعمال القلوب عموماً أهم من أعمال الجوارح، ويكفي أن العمل القلبي هو الفرق بين الإيمان والكفر؛ فالساجد لله والساجد للصنم كلاهما قام بالعمل نفسه، لكن القصد مختلف، وبناء عليه آمن هذا، وكفر ذاك. يقول ابن تيمية رحمه الله في بيان أهمية أعمال القلوب: "هي من أصول الإيمان وقواعد الدين؛ مثل: محبة الله ورسوله، والتوكل على الله، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك". فالإخلاص له منزلة عظيمة في كتاب الله، فهو مضمون دعوة الرسل، وحقيقة الدين، يقول سبحانه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (البينة:5) أي: قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه.

وعن فضيل بن عياض في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (الملك:2) قال: أخلصه وأصوبه، قلت: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً، لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة. وقال عز وجل: {فاعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:2) أي: فاعبد الله وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد؛ ولهذا قال تعالى: {ألا لله الدين الخالص} أي: لا يَقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له. وقال عز من قائل: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:11) أي: أُمرت بإخلاص الدين {وأمرت} بذلك لأجل أن {أكون أول المسلمين} (الزمر:12) أي: مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة؛ ولمعنى أن الإخلاص له السبقة في الدين، فمن أخلص كان سابقاً.

* درجات الإخلاص

ذكر ابن القيم أن الإخلاص على ثلاث درجات:

الدرجة الأولى: إخراج رؤية العمل عن العمل، والخلاص من طلب العوض على العمل، والنزول عن الرضا بالعمل. ويعرض للعامل في عمله ثلاث آفات: رؤيته وملاحظته، وطلب العوض عليه، ورضاه به وسكونه إليه. ففي هذه الدرجة يتخلص من هذه البلية؛ فالذي يخلصه من رؤية عمله مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، كما قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} (التكوير:29) فالخير الذي يصدر منها إنما هو من الله وبه، لا من العبد، ولا به. كما قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء} (النور:21) فكل خير في العبد فهو مجرد فضل الله ومنته. والذي يخلص العبد من هذه الآفة: معرفة ربه، ومعرفة نفسه. والذي يخلصه من طلب العوض على العمل: علمه بأنه عبد محض. والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضاً ولا أجرة؛ إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته. فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه، وإحسان إليه، وإنعام عليه. والذي يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران: أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته، وتقصيره فيه. والثاني: علمه بما يستحقه الرب جل جلاله من حقوق العبودية، وآدابها الظاهرة والباطنة، وشروطها.

الدرجة الثانية: الخجل من العمل مع بذل المجهود، وتوفير الجهد بالاحتماء من الشهود، ورؤية العمل في نور التوفيق من عين الجود، قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60) أي: قلوبهم خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله. فقد اشتملت هذه الدرجة على خمسة أشياء: عمل، واجتهاد فيه، وحياء من الله عز وجل، وصيانة عن شهوده منك، ورؤيته من عين جود الله سبحانه.

الدرجة الثالثة: إخلاص العمل بالخلاص من العمل، تدعه يسير سير العلم؛ أي: أنك تجعل عملك تابعاً لعلم، موافقاً له، مؤتماً به. تسير بسيره وتقف بوقوفه، وتتحرك بحركته. نازلاً منازله، مرتوياً من موارده، ناظراً إلى الحكم الديني الأمري، متقيداً به، فعلاً وتركاً، وطلباً وهرباً، ناظراً إلى ترتب الثواب والعقاب عليه سبباً وكسباً، ومع ذلك فتسير أنت بقلبك، مشاهداً للحكم الكوني القضائي، الذي تنطوي فيه الأسباب والمسببات، ولا يبقى هناك غير محض المشيئة، وتفرد الرب وحده بالأفعال، ومصدرها عن إرادته ومشيئته. فيكون قائماً بالأمر والنهي فعلاً وتركاً، سائراً بسيره، وبالقضاء والقدر، إيماناً وشهوداً وحقيقة، فهو ناظر إلى الحقيقة، قائم بالشريعة.

* صور الإخلاص

ذكر سبحانه صوراً عديدة للإخلاص، نقف على جملة منها آتياً:

1- إخلاص الدين لله: قال سبحانه: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} (النساء:125) لما كان المراد (الإخلاص) الذي هو أشرف الأشياء، عبر عنه بـ (الوجه) الذي هو أشرف الأعضاء، فقال: {وجهه} أي: الجهة التي يتوجه إليها بوجهه، أي: قصده كله {لله} فلا حركة له ولا سكنة إلا في ما يرضاه؛ لكونه الواحد الذي لا مثل له. وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:2) أي: أنزلنا إليك هذا القرآن، يأمر بالحق والعدل، ومن ذلك الحق والعدل أن تعبد الله مخلصاً له الدين؛ لأن الدين له لا للأوثان التي لا تملك ضرًّا ولا نفعاً. وقوله عز من قائل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (البينة:5) إخلاص الدين له يخرج على وجهين: أحدهما: أن يُخْلَصَ له الدين، ويُصفَّى، لا يُشرك فيه غيره. والثاني: الدين الخالص هو الدائم، كقوله سبحانه: {وله الدين واصبا} (النحل:52) أي: دائماً.

2- إخلاص العقيدة: أغلب آيات الكتاب العزيز جاءت في تقرير عقيدة التوحيد، وإخلاص العبودية لله سبحانه، قال سبحانه في مجادلة المشركين: {قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} (البقرة:139) أي: أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد واتباع أوامره وترك زواجره {وهو ربنا وربكم} المتصرف فينا وفيكم المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له. وقال عز وجل: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف:110) يقول الطبري: "فمن يخاف ربه يوم لقائه، ويراقبه على معاصيه، ويرجو ثوابه على طاعته {فليعمل عملا صالحا} أي: فليخلص له العبادة، وليفرد له الربوبية".

3- إخلاص العبادة: كما أن العبد مأمور بإخلاص الربوبية لله سبحانه، فهو أيضاً مأمور بإخلاص العبودية لله تعالى، قال سبحانه: {فاعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:2) أي: فاعبد الله وحده مخلصاً له في عبادتك، ولا تقصد بعملك ونيتك غير ربك، {ألا لله الدين الخالص} (الزمر:2) أي: ألا فانتبهوا أيها الناس: إن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم؛ لأنه المتفرد بصفات الألوهية، المطلع على السرائر الضمائر، ومعنى {الخالص} الصافي من شوائب الشرك والرياء. وقال سبحانه: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:11) أي: إنما أمرت بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.

4- إخلاص الشعائر: الإخلاص في الشعائر التعبدية من صور الإخلاص، ومن أخلص في الشعائر التي فرضها الله على عباده، فإنه يكون أبعد عن الرياء، الذي يفسد العبادة، ويبقى في معية ربه، وتوفيقه، فلا بد أن تكون حياة المسلم كلها ابتغاء وجه الله، {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:162-163) قال ابن عاشور: "جعل صلاته لله دون غيره تعريضاً بالمشركين؛ إذ كانوا يسجدون للأصنام؛ ولذلك أردف بجملة {لا شريك له}. والنسك حقيقته العبادة، ومنه يسمى العابد الناسك".

5- إخلاص الدعاء: الدعاء من صور الإخلاص، ومن أخلص في دعائه، استجاب الله دعاءه، قال سبحانه: {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف:29) أي: توجهوا لله، واجتهدوا في تكميل العبادات، خصوصاً (الصلاة) أقيموها، ظاهراً وباطناً، ونقوها من كل نقص ومفسد. {وادعوه مخلصين له الدين} أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. و(الدعاء) يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أي: لا تُراؤوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه. وقال عز وجل: {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} (غافر:14) هذا خطاب للموحدين، يأمرهم تعالى بالاستمرار على توحيده في عباداته، والإخلاص له في كل أعمالهم، ولو كره الكافرون ذلك منهم؛ فإنه غير ضائرهم.

6- إخلاص العلم والدعوة: قال سبحانه: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا} (مريم:51) هذا أمر من الله عز وجل بذكر موسى عليه السلام على جهة التشريف له، وأعلمه بأنه كان مخلصاً، قرأ جمهور القراء {مخلِصا} بكسر اللام، أي: أخلص نفسه لله، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم {مخلصا} بفتح اللام، أي: أخلصه الله للنبوة والعبادة، كما قال تعالى: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} (ص:46). والإخلاص في الدعوة إلى الله، هو تجريد القصد لله سبحانه، وطلب مرضاته دون سواه، وهو روح الأعمال، وأساس قبولها عند الله. ولا يتحقق الإخلاص في الدعوة إلا عندما يستشعر الداعية أن قصده رضا الله، ويتجرد من الانقياد وراء حظوظ النفس، ونوازع الهوى، ومطالب الذات، ويحرر نفسه من قيود الرياء، وطلب الشهرة، أو المدح، أو الظهور، أو السمعة، أو حب التصدر والرئاسة والجاه، ويتخلص من السعي خلف شهوة المال والجاه، وطلب المنزلة في قلوب الناس، أو السعي وراء أي متاع من متع الدنيا، وجعل الدعوة وسيلة له.

7- إخلاص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال عز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران:104) المقصود من هذه الآية -بحسب ابن كثير- أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه. وقال عز من قائل: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء:114) قال الطبري: لا خير في كثير من نجوى الناس جميعاً {إلا من أمر بصدقة أو معروف} و(المعروف) هو كل ما أمر الله به، أو ندب إليه من أعمال البر والخير، {أو إصلاح بين الناس} وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين، بما أباح الله الإصلاح بينهما، ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة، على ما أذن الله وأمر به. ثم أخبر جل ثناؤه بما وعد من فعل ذلك طلباً لرضى الله بفعله ذلك، فسوف يعطيه جزاء لما فعل {عظيماً} أي: في الدنيا والآخرة، ولا حد لمبلغ ما سمى الله {عظيما} يعلمه سواه.

* مادة المقال مستفادة من موقع (موسوعة التفسير الموضوعي).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة