
تعتبر الشائعات من الظواهر الاجتماعية التي تثير القلق، وتؤثر على العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، وفي عصر المعلومات الذي نعيشه اليوم، أصبحت الشائعات تنتشر بسرعة أكبر وبأشكال متعددة، مما يستدعي ضرورة فهم كيفية التعامل معها بوعي وثقافة.
وهناك بلا شك مقاربة إسلامية في التعامل مع الشائعات، وتحذير من الانجرار وراء الأخبار غير المؤكدة، والشائعات التي تهز كيان المجتمعات، ذلك لأن الإسلام يحض على توخي الصدق، ويحذر من تناقل الأخبار بدون ضوابط، ويعلمنا أنه بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكلما سمع، بل إن القرآن يحدثنا عن مسلك الذين يشيعون الأخبار، ويروجون المعلومات من غير تمييز، يحدثنا أنهم مخطئون في منهجيتهم هذه:{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}(سورة النساء 83).
بل إن الإسلام يحث على ضرورة التحقق من الأخبار قبل تداولها، ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}(سورة الحجرات 6)، هذه الآية تأكيد على أهمية التحقق من المعلومات والتحلي بالحكمة في التعامل معها.
الشائعات: مفهومها وأثرها
الشائعات هي معلومات غير مؤكدة، تُنشر عادة بشكل غير رسمي، وغالبًا ما تتسم الشائعات بالقدرة على التأثير على آراء الناس وسلوكياتهم، مما قد يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وزعزعة الثقة.
والإشاعة من الظواهر الخطيرة، والكوارث الاجتماعية التي تنخر في المجتمعات البشرية، وتزلزل سكينة النفوس، سيما في هذا الزمن الذي تطورت فيه وسائل النشر ووسائط التواصل، فبعد أن كان صناع الإشاعة أفرادا ومجاميع محدودة، أصبحت الإشاعات تصدر عبر مؤسسات إخبارية، ومنابر إعلامية، وربما مراكز دراسات بحثية، فتمكنت الإشاعات أن تبلغ الآفاق في لمح البصر أو أقرب من ذلك، عابرة كل الحدود والحواجز، ومع جهل الناس بمضامين الإشاعات وأغراضها وأساليبها يقع المجتمع أحيانا في شباك المفترين، وخداع الأفاكين، فتولدت مفاهيم وقناعات منشؤها الإشاعات، سيما وهي تصدر على شكل مسلمات علمية، وأخبار سياسية، وفي باطنها إرادة لزرع قناعات ورأي عام حول قضية معينة.
أهمية العقلانية والتفكير النقدي
يجب على الأفراد أن يتحلوا بالعقلانية والتفكير النقدي عند سماع أي خبر، وقد أثر عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه كان يقول: "لا تصدق كل ما تسمع، فإن كثيرًا مما يُسمع كذب"، هذا التوجيه يدعو إلى عدم الانجرار وراء الشائعات دون تمحيص أو تدقيق، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يتبع كل ناعق، فاعلم أنه لا عقل له".
وهذا يدعونا أن نتعامل مع كل خبر بالتفكير النقدي والتمحيص قبل تصديق ما يُقال.
محاصرة الشائعات
يتحمل المجتمع مسؤولية كبيرة في محاصرة الشائعات، والقضاء عليها قبل أن يستفحل شرها؛ ولذلك يجب أن يعمل الأفراد والمؤسسات معًا على نشر الوعي حول خطورة الشائعات وطرق التعامل معها، من خلال إقامة الندوات، وورش العمل، وتعزيز الثقافة المجتمعية حول أهمية التحقق من الأخبار.
تعزيز القيم الإنسانية
يجب أن نعمل على تعزيز القيم الإنسانية مثل الصدق، والثقة بين الأفراد، وأحسن ما يعين على ذلك تعلم الهدي النبوي فلقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة) متفق عليه، فهذا الحديث وما شاكله من السنة يعزز الصدق في نفوس المسلمين، ويبني الثقة، ويعزز العلاقات الاجتماعية.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بحذر
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز أسباب انتشار الشائعات؛ لذلك يجب على الأفراد استخدام هذه الوسائل بحذر، والتأكد من صحة المعلومات قبل مشاركتها، وهذا مجال زلت فيه أقدام كثير من الناس اليوم، فحب الشهرة، والسبق الصحفي، وإثارة الجدل، جعلنا نسارع إلى نشر الأخبار، وتلقف الشائعات، مما أحدث ضررا كبيراً في حياتنا المعاصرة، وأكثر ما يروج في وسائط التواصل يفتقر إلى الدقة، والموثوقية، وأحياناً كثيرة يؤدي لكوارث، ومشكلات لا حصر لها، إذن فلا بد من أهمية التحلي بالحذر والوعي عند التعامل مع الشائعات.
وخلاصة القول إن الشائعات تمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات، ولكن من خلال التمسك بالقيم الإسلامية وتطبيق المبادئ الثقافية الصحيحة، يمكننا مواجهة هذه الظاهرة السلبية بفعالية، ويجب أن نعمل جميعًا على تعزيز مهمتنا في نشر الوعي والثقة، وأن نكون قدوة حسنة في التعامل مع المعلومات، لنكن حذرين، متحلين بالحكمة، ولنعمل معًا لبناء مجتمع قائم على الحق والصدق.