الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنهجية العلمية في القرآن الكريم: كتاب جديد يفتح الأفق

المنهجية العلمية في القرآن الكريم: كتاب جديد يفتح الأفق

المنهجية العلمية في القرآن الكريم:  كتاب جديد يفتح الأفق

في زمن تتزاحم فيه المناهج وتتصارع فيه الرؤى الفكرية، يطل علينا كتاب (أصول المنهجية العلمية في القرآن الكريم) للباحثة محمد رزان صقّال، ليعيدنا إلى سؤال قديم جديد: كيف قدَّم القرآن الكريم منهجيته الخاصة في التفكير والمعرفة والسلوك، وكيف يمكن أن تسهم هذه المنهجية في مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي تعصف بالإنسان المعاصر؟

الكتاب الصادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي (فرجينيا، 2024م) يقدّم محاولة جادة لتأصيل ما يمكن تسميته بـ (المنهج القرآني في النظر والاستدلال)، جامعاً بين التنظير المفاهيمي والبحث في الأصول، مع إطلالة على التطبيقات الممكنة في مجالات الفكر والعلوم.

من المفهوم إلى الأصول

تبدأ المؤلفة رحلتها من المدخل المفاهيمي، فتقف عند معنى (المنهج) و(المنهجية)، وما يميز المنهج القرآني عن غيره من المناهج الوضعية. ثم تنتقل إلى أصول التفكير، حيث تؤكد أنَّ العقل يحتل مكانة محورية في الخطاب القرآني، لكنه لا يعمل في فراغ؛ إذ يقترن دائماً بالحواس ويستمد توازنه من الوحي.

هذا التوازن -بين العقل والحس، بين الحرية والإيمان- يظل خيطاً ناظماً في الكتاب كله. فالقرآن، كما تقول الباحثة، لا يطلب من الإنسان أن يُعطِّل عقله، بل يحثه على إعماله، شرط أن يكون العقل منضبطاً بالبصيرة الأخلاقية، ومستنيراً بهداية الوحي.

السلوك المنهجي والقيم الأخلاقية

لكن المنهجية في القرآن ليست تفكيراً ذهنيًّا فحسب، بل هي أيضاً سلوك عملي. هنا تركز الباحثة على قيمتين أساسيتين: القيام للحق، وعدم اتباع الهوى. ومن هاتين القيمتين تتفرع منظومة واسعة من الأخلاقيات القرآنية: الأمانة، العدل، الصدق، التجرد من التقليد الأعمى...وهي قيم لا تكتفي بتوجيه السلوك الفردي، بل تضع أساساً متيناً لقيام بحث علمي رصين ونزيه.

نحو منهج استدلال قرآني

أحد أبرز إسهامات الكتاب هو تسليط الضوء على ما تسميه الباحثة (منهج الاعتبار). هذا المنهج يقوم على قراءة العالَم المشهود بعين مزدوجة: عين الحس التي ترى وتدرك، وعين العقل التي تتأمل وتعتبر. ومن خلال هذا التزاوج، يقدم القرآن رؤية استدلالية متكاملة، تشمل الأدلة الحسية والعقلية جميعاً، وتختلف عن كثير من المناهج البشرية التي تَفْصِلُ بين الحس والعقل، أو تعطي أحدهما السيادة المطلقة.

في هذا السياق، تناقش الباحثة أيضاً مسألة الوحي والمعجزة: فالوحي ليس خصماً للعقل، والمعجزة ليست خروجاً عن دائرة المنهجية العلمية، بل هي دعوة إلى التفكير والتأمل وطلب البرهان.

القيمة العلمية للكتاب

يتميّز هذا العمل بأنه لا يكتفي بالعرض النظري، بل يربط بين النص القرآني والواقع المعاصر. فالحديث عن منهج الاعتبار، مثلاً، ليس مجرد تنظير، بل هو إشارة إلى إمكانية الإفادة منه في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية، بل وفي مواجهة تيارات فكرية مثل الإلحاد، التي تتغذى غالباً من غياب رؤية متكاملة تجمع بين الإيمان والعقل.

ومع ذلك، يبقى الكتاب أقرب إلى مرحلة التأصيل منه إلى التطبيق العملي، وهو ما يفتح الباب أمام باحثين آخرين لاستثمار ما طرحته المؤلفة في دراسات أكثر تخصصاً وتجريبيَّة.

توصيات وآفاق

من بين التوصيات اللافتة التي خرجت بها الباحثة: الدعوة إلى مزيد من البحث في منظومة القيم المنهجية القرآنية وأثرها في البحث العلمي، ودراسة البرهان القرآني وصلته بمفاهيم مركزية مثل اليقين والحق، والتوسع في بحث (منهج الاعتبار) وتطبيقاته في العلوم الطبيعية والاجتماعية.

بيانات الكتاب

العنوان: أصول المنهجية العلمية في القرآن الكريم.

المؤلفة: محمد رزان صقّال.

الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي / فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية.

الطبعة الأولى: (1446هـ/2024م) (218) صفحة.

كما صدرت نسخة مختصرة للكتاب عام (1446هـ/2025م) (44) صفحة.

كلمة أخيرة

يأتي هذا الكتاب في لحظة فكرية حرجة، حيث تبحث الأمة عن جسر يربط بين الوحي والعقل، بين الإيمان والعلم، بين الأصالة والمعاصرة. والحق أن ما تقدمه الباحثة هنا ليس الجواب النهائي، لكنه خطوة أولى في طريق طويل، ودعوة مفتوحة للباحثين إلى إعادة اكتشاف المنهجية القرآنية بوصفها رصيداً حضاريًّا ومعرفيًّا لا غنى عنه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة