الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بوسواس الأمراض الجنسية بعد مقارفة الفاحشة..طمئنوني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بكل اختصار: وقعتُ في معصية الفاحشة قبل عشرة أشهر، وأحمد الله تعالى أن جعل منها سببًا لتوبتي الصادقة، والحمد لله فقد شَهِدَتْ حالتي الدينية تحسُّنًا كبيرًا بعدها.

لقد عانيتُ نفسيًا كثيرًا بعد تلك المعصية، وأُصبت بالاكتئاب؛ مما دفعني لمراجعة طبيب نفسي وصف لي دواء "بروزاك"، واستخدمته لمدة ستة أشهر، ثم أوقفتُه فجأة دون إشراف طبي.

بعد ترك العلاج، بدأتُ أعاني من آلام متفرقة في جسدي، شملت اضطرابات في الهضم، واحتقانًا مستمرًا في الحلق، إضافة إلى تورم في الغدد اللمفاوية أسفل الفك، استمر لأكثر من شهرين ولا يزال.

وقد راجعتُ العديد من الأطباء، وكان تشخيصهم جميعًا يشير إلى وجود التهاب فيروسي في الحلق، ونصحوني بالإكثار من السوائل والعسل والليمون فقط.

كما أُصبت مؤخرًا بداء الأميبا من نوع "الوحيدة النواة"، وقد أوشكت على إنهاء العلاج، حيث تبقى يومان فقط.

ومن باب الاطمئنان، قمتُ بإجراء عدد كبير من الفحوصات للأمراض المنقولة جنسيًا – بعضها في "معمل تحاليل خاص، والبعض الآخر في مستشفى حكومي– شملت التهاب الكبد (B وC)، والهربس، والكلاميديا، والزهري، وقد أُجريت هذه التحاليل بعد ثلاثة أشهر، ثم بعد ستة أشهر من الحادثة، وكانت جميعها –ولله الحمد– سلبية.

أمَّا فيما يخص فيروس الإيدز –حفظنا الله وإياكم– فقد أجريتُ أكثر من 12 تحليلًا، من بينها خمسة تحاليل "جيل رابع كمبو"، وكان آخرها بعد ثمانية أشهر، وقد أجريته في معمل تحاليل خاص، وجاء سلبيًا.

كما أجريت تحليلين في مركز طبي، الأول بعد 3 أشهر، والثاني بعد 6 أشهر، وكان آخر تحليل أجريته تحليلًا سريعًا في أحد المستوصفات، شمل الإيدز والتهاب الكبد (B وC)، وذلك بعد قرابة 10 أشهر من العلاقة، وجاءت نتيجته كذلك سلبية، فالحمد لله على ذلك.

وقد استشرت أحد الأطباء، فأخبرني أن ما أعانيه هو نوع من الوساوس وتأنيب الضمير، وأن ذلك قد يكون سببًا في هذه الأعراض الجسدية، إضافة إلى آثار انسحاب دواء "البروزاك" الذي كنت أستخدمه.

أنا الآن في حيرة من أمري، وأفكر في الزواج، لكنني متردد؛ إذ يراودني الخوف من أن أكون قد أصبت – لا قدر الله – بمرض لم يُكتشف بعد، خصوصًا الإيدز، رغم كل التحاليل. فهل أتوكل على الله وأُقدم على الزواج، أم أؤجل لفترة أخرى وأُعيد التحاليل؟

جزاكم الله خيرًا على النصح والإفادة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالحمد لله الذي أنعم عليك بالتوبة والإنابة بعد هذا الإثم الذي اقترفته، ونحن نقول لك بأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولا شك أن ما وقعت فيه إثم كبير، ولكن رحمة الله أوسع كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف:156].

ولكن المهم -أيها الفاضل الكريم- أن تلتزم بشروط التوبة، وتأنيب الضمير والشعور بالأسف والشعور بالذنب حيال هذا الأمر، أعتقد أنه جيد، وهو -إن شاء الله- يدعم هذه التوبة، بشرط ألَّا تحدثك نفسك مطلقًا وتقترف مثل هذا الإثم مرة أخرى؛ لأن من شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة، كما قال ﷺ: (الندم توبة).

بعد ذلك، ما أتاك من مخاوف عامة وكذلك وساوس كما وصفها الطبيب؛ أنا أتفق معه أن هذه المخاوف الوسواسية ناتجة في الأصل من استعدادك للقلق والتوتر والخوف والوساوس، ثم من وقوعك في هذه الفاحشة (إثم الزنا) والذي لا شك أنه مصدر من مصادر كل الأمراض التي تتخوف منها. أنت قد قمت بالفحوصات عدة مرات لها، وبفضل الله تعالى فحوصاتك جيدة، وليس هنالك مؤشر يدل أنك أصبت بهذه الأمراض، وهذه من رحمة الله وحلمه وستره عليك، نسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين العفو والعافية.

فالذي أراه فعلاً أن تفرح، وأن تتجه اتجاهاً إيجابياً وتدعم توبتك، وتتزوج، ولا توسوس حول هذا الأمر، وتجاهله تماماً، فأنت بفضل الله تعالى في صحة جيدة، وما حدث لك هو عظة وعبرة، فاجعل رؤيتك نحو مستقبلك رؤية إيجابية، تزوج، اتق الله في نفسك وفي زوجك، وكن حريصاً على فعل الخيرات والطاعات، والتزم بدينك التزاماً صادقاً.

أرى أنه سيكون من الأفضل لك في هذه المرحلة أن تتناول دواء بسيطاً مضاداً للمخاوف، هذه المخاوف مزعجة، وسوف تحاصرك وسوف تظل تتردد على الأطباء إن لم نساعدك إن شاء الله بأحد هذه الأدوية السليمة والفعالة، وليس له آثار جانبية مخيفة أبداً.

الدواء الذي أفضله في مثل هذه الحالات هو العقار الذي يُعرف تجارياً باسم (سيروكسات، Seroxat) ويعرف علمياً باسم (باروكسيتين، Paroxetine)، وأنت تحتاج لجرعة صغيرة منه، وهي أن تبدأ بعشرة مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى عشرين مليجراماً –أي حبة كاملة– ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى نصف حبة (عشرة مليجرام) يومياً لمدة أسبوعين، ثم إلى عشرة مليجرام يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء. الدواء سليم وفعال، ويعرف عنه أنه مفيد جداً في مثل هذه المخاوف الوسواسية.

لا تنشغل بما ذكر عن الآثار الانسحابية للبروزاك، فالبروزاك دواء جيد ولا يسبب آثاراً انسحابية حقيقية، وأعتقد أن الذي حدث لك هو مخاوف قلقية وسواسية، فما اقترفته من ذنب –نسأل الله تعالى أن يغفر للجميع– ومع وجود الاستعداد الغريزي لدى شخصيتك هو الذي أعطى كل هذه الصورة الإكلينيكية الواضحة أمامنا.

أخي الكريم: رأيي هو أن تتزوج، ولا تشغل نفسك بهذه التحاليل، ولا أرى مطلقاً أي حاجة لتكرارها مرة أخرى، عش حياتك بثقة، مارس الرياضة، طور من مهاراتك الاجتماعية والحياتية، اجعل الرفقة الطيبة والحسنة هي ملاذك بعد الله تعالى دائماً، وإن شاء الله تعالى ستعيش حياة زوجية طيبة وسعيدة، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً