الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سبب ألم المعدة والصدر وفقدان الشهية واضطراب النوم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة غير متزوجة، أعاني من ألم في المعدة مضى عليه حوالي أسبوع، والألم يكون في وسط المعدة والجزء العلوي الأيسر منها تحت الأضلاع، وأحيانًا أشعر بالألم في أسفل المعدة -الجهة اليمنى-.

كما أعاني من ألم في الكتفين والصدر، ويزداد الألم بعد أكل أي شيء، مثل البطيخ أو شرب القهوة أو حتى تناول كمية صغيرة من الأرز (حوالي ثلاث ملاعق فقط)؛ مما يضطرني أحيانًا للذهاب إلى دورة المياه بسبب الإسهال، وأحيانًا أخرى أعاني من إمساك مؤلم يصاحبه خروج دم ومخاط أصفر، وأحيانًا يصاحب الإسهال مخاط أصفر.

علمًا بأنني أعاني من زائدة لحمية في فتحة الشرج، لكنني لم أذهب للطبيب بسبب خوفي الشديد.

مررت بظروف نفسية صعبة أثرت عليّ كثيرًا، وعانيت فيها كثيرًا حتى فقدت جزءًا كبيرًا من وزني؛ حيث كان وزني سابقًا 45 كجم، والآن أصبح 39 كجم.

ليس لدي رغبة في الأكل، أكتفي بقطعة صغيرة من الخبز وكوب من الشاي، ثم لا أتناول شيئًا آخر.

يومي متقلب جدًّا، ولا أستطيع النوم ليلاً، فأظل مستيقظة حتى العاشرة صباحًا ثم أنام، وأستيقظ عند الثالثة عصرًا، واستمر هذا الوضع معي تقريبًا ستة أشهر، في حين كان ألم المعدة خفيفًا ولم يزد إلَّا منذ أسبوع فقط.

في السابق لم أكن أعاني من أي شيء، لكن ما حدث لي كان بعد تخرجي ومكوثي في البيت منذ سنتين، ومروري بظروف نفسية صعبة جعلتني أبكي كثيرًا، وأصبحت شهيتي للأكل شبه معدومة، وأحيانًا أشعر بنشاط، وأحيانًا أخرى أشعر بالخمول والتعب.

أرجو منكم إفادتي، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن ما تعانين منه هو القولون العصبي، وهو خلل وظيفي ناتج عن زيادة تحسس الأعصاب المسؤولة عن التحكم في حركة الأمعاء؛ مما يؤدي إلى استجابة جسدية قوية تجاه محتويات الأمعاء من أطعمة أو غازات، وبشكل عام يؤثر التوتر والحالة النفسية والإجهاد سلبًا على الحالة.

ومن الأعراض المعروفة للقولون العصبي:
- آلام أو انزعاج في البطن تستمر عادة لشهور أو سنوات.
- مصحوبة بنوبات من الإمساك أو الإسهال، وقد يتناوب الاثنان في بعض الحالات.
- وفي أحيان أخرى يشعر المصاب بالانتفاخات المزعجة في البطن.
- وغالبًا مشاكل نفسية، مثل التوتر والقلق والاكتئاب، وهذا ما تعانين منه أنت.

القولون العصبي لا يسبب نزف الدم، ولكن وجود لحمية في الشرج هو ما يسبب نزول دم أحمر غير ممزوج بالبراز، وهو لا يؤدي إلى فقدان الشهية أو نقص الوزن.

أما فقدان الشهية ونقص الوزن فقد يكونان نتيجة للاكتئاب الذي تعانين منه.

في بعض الحالات يجب على الطبيب المختص التأكد من خلو المريض من أمراض عضوية، خاصة عندما يكون هناك نزف، ونقص في الشهية، ونقص في الوزن، أو وجود تاريخ عائلي بأمراض معينة مثل أمراض الأمعاء الالتهابية (مرض كرون، أو التهاب القولون التقرحي)، ويتم ذلك بإجراء الفحص الطبي والفحوصات والأشعة اللازمة، وقد يستدعي الأمر إجراء تنظير داخلي حسب ما يراه الطبيب مناسبًا.

لا يوجد علاج قطعي للقولون العصبي، والخطوة الأولى هي:
- التعرف على العوامل التي تزيد الأعراض ومحاولة التقليل منها، يجب أن تكون خطة دائمة لحياة الفرد وليست حلاً مؤقتًا، وهذا قد يتطلب جهدًا من المريض، لكن ثماره تكون جيدة في كثير من الأحيان، ومن هذه الأمور:

1. الإكثار من شرب السوائل لمن يعاني من الإمساك المزمن.
2. زيادة نسبة الأطعمة النباتية والألياف تدريجيًا، مع الانتباه إلى أن بعض الحالات قد تزيد فيها الألياف والأعراض بسبب الغازات الناتجة عن تخمرها.
3. التقليل من النشويات (مثل الأرز والخبز والبطاطا)؛ لأنها قد تسبب تكون كميات كبيرة من الغازات أثناء الهضم.
4. التقليل من الدهون والمشروبات الغازية والكافيين؛ لأنها تزيد من هيجان القولون.
5. تناول الوجبات في مواعيد محددة يساعد على انتظام عملية الهضم ويقلل من تقلصات الأمعاء.
6. ممارسة الرياضة نصف ساعة من ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع؛ تساعد على تحفيز حركة الأمعاء وتقليل الأعراض، كما تحد من التوتر والاكتئاب.

هناك بعض الأدوية التي يمكن استعمالها بدون وصفة طبية، ولكن يجب عدم الإفراط فيها لتجنب المضاعفات الجانبية، مثل:
- تناول مضادات الإسهال، مثل (لوبيراميد، Loperamide) و(بزموث، Bismuth).
- تناول الأطعمة التي بها ألياف طبيعية للتخلص من الإمساك.
- ضرورة شرب كميات كبيرة من الماء حتى لا تسبب الإمساك بسبب امتصاصها للسوائل.

أمَّا علاج الألم في البطن؛ فيتم باستخدام أدوية مثل (دوسباتالين، دوسباتالين Duspatalin)، وللغازات دواء مثل (سيميثكون، Semithecone) ثلاث مرات يوميًا.

نسأل الله لك الصحة والعافيةن وبالله التوفيق.
____________________________________
انتهت إجابة المستشار د. محمد حموده -استشاري باطنية وروماتيزم-.
ولإتمام الفائدة واكتمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار د. محمد عبد العليم، - استشاري طب نفسي وإدمان - فأجاب قائلاً:
____________________________________

فإن القولون العصبي من الحالات الشائعة، ويُعد من الاضطرابات النفسية الجسدية، أو (النفسوجسدية - psychosomatic)، أي أن السبب الرئيسي لظهور الأعراض هو وضع نفسي سلبي يعيشه الإنسان، وقد يستشعره أو لا يستشعره، وكثير من الناس لا يرون أي رابط نفسي، لكن بطبيعة الحال، الأمراض النفسية تحتاج أحيانًا إلى خبرة مهنية لتشخيصها.

فمثلًا، قد يعاني مرضى الاكتئاب النفسي من القولون العصبي، دون أن يدركوا أعراض الاكتئاب؛ لأن الاكتئاب قد يكون مُطبِقًا أو داخليًا مقنعًا، وكذلك الحال مع القلق النفسي.

القلق النفسي من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى ظهور أعراض القولون العصبي، ومن المعلوم أن التوتر النفسي ينعكس على عضلات معينة في الجسم، كعضلات الرأس؛ مما يؤدي إلى صداع عصبي، أو عضلات الصدر، فتظهر في شكل ضيق أو انقباض في القفص الصدري، وقد يشتكي البعض من آلام في أسفل الظهر.

وتشير الدراسات إلى أن 60% من الذين يشتكون من آلام الظهر تعود أسبابها إلى القلق النفسي، وللأسف تجدهم يتنقلون بين العيادات المختلفة دون معرفة السبب الحقيقي، والذي يكون نفسيًا في الأساس، ومن المكونات الأساسية لأعراض القولون العصبي القلق النفسي.

ما أود تأكيده لك هو: أن القولون العصبي مرض مزعج لكنه غير خطير إطلاقًا، كما أن علاجه –أو على الأقل التخفيف من أعراضه– ممكن جدًّا، وذلك بالآتي:

أولًا: عليكِ باتباع التعليمات التي ذكرها الدكتور محمد حمودة، وأشدد على أهمية الرياضة؛ لما لها من دور فعّال في امتصاص القلق والتوتر؛ مما يؤدي إلى استرخاء عضلي، وهذا بدوره يساعد في تخفيف أعراض القولون العصبي. ومن التمارين المهمة: تقوية عضلات البطن، فهي مفيدة جدًّا.

ثانيًا: الجئي إلى ما يُعرف بالتفريغ النفسي، ويقصد به التعبير عمّا في النفس وتجنّب الكبت الداخلي، فكثير من الناس، بدافع الذوق أو المجاملة، يكبتون مشاعرهم؛ ممَّا يؤدي إلى احتقان داخلي، والصحيح أن يُعبّر الإنسان عن مشاعره أولًا بأول، ضمن حدود الأدب والاحترام، وهذا مهم جدًّا، خاصةً لمن يعانون من أعراض نفسوجسدية.

ثالثًا: غيّري نمط حياتك، وهو ما أشار إليه الدكتور محمد حمودة بوضوح. ويتحقق ذلك بحسن إدارة الوقت؛ فالذي يُدير وقته جيدًا يستطيع أن يُغيّر نمط حياته بالكامل، وينبغي أن تشمل نشاطاتك اليومية: القراءة، التواصل الاجتماعي، ممارسة الرياضة، المشاركة في الأعمال الخيرية، الالتحاق بمراكز تحفيظ القرآن، وغيرها من الأنشطة التي تُكسب الحياة معنى وتجددًا؛ هذا التغيير سينعكس إيجابًا على حالتك بإذن الله.

كذلك، هناك بعض الأدوية المفيدة، وأعتقد أن فقدانك الشديد للوزن وما يصاحبه من أعراض هو دليل على معاناتك من القلق الاكتئابي، وهو ما أدى إلى ظهور أعراض القولون العصبي، ثم أدخلتك هذه الأعراض في دوامة أخرى من القلق والاكتئاب، وهكذا أصبحت في دائرة مغلقة.

أنصحك بتناول دواء يُعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft)، ويُعرف أيضًا باسم (لوسترال، Lustral)، والاسم العلمي له هو (سيرترالين، Sertraline).

ابدئي بجرعة 50 ملغ (حبة واحدة) يوميًا ليلاً لمدة شهر، ويفضل بعد الأكل، ثم ارفعي الجرعة إلى 100 ملغ (حبتين) يوميًا، إمّا كجرعة واحدة مساءً، أو مقسّمة صباحًا ومساءً، واستمرّي على هذه الجرعة العلاجية لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك، خفّضي الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم إلى نصف حبة (أي حبة يومًا بعد يوم) لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء، وهو دواء فعّال وآمن وغير إدماني.

إلى جانب الزولفت، سيكون من المفيد تناول دواء مساند يُعرف تجاريًا باسم (فلوناكسول، Flunaxol)، والاسم العلمي له هو (فلوبنتكسول، Flupenthixol)، والجرعة المناسبة في حالتك هي نصف ملغ يوميًا (حبة واحدة في الصباح) لمدة ثلاثة أشهر، ثم يمكن التوقف عنه، مع الاستمرار في الزولفت حسب الخطة السابقة.

هذا ما أنصحك به، وأسأل الله لك الشفاء والعافية، ولا تنسي أيضًا مراجعة الطبيب المختص بشأن مشكلة الشرج، فهي بسيطة لكنها تستدعي العلاج.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً