الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التغلب على الخوف من الامتحانات والتواجد في الأماكن المرتفعة

السؤال

إلى الدكتور محمد عبد العليم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد التوجيهات التي أخذتها من مرتادي هذا الموقع المبارك، والذي دائماً ما يثنون عليه، أتوجه إليك اليوم - بعد الله - بالنصح وطلب الاستشارة والنفع.

أولاً: دكتوري الفاضل: أنا لدي مشكلة، وهي الخوف من المرتفعات، وهذه كانت لدي منذ الصغر، لدرجة أنني بمجرد ما أصعد إلى مبنى مرتفع أشعر بدوار، وخوف، وهلع، وهذا يحدث وأنا لا أنظر إلى الأسفل، بمجرد أن أكون في مكان شاهق.

وأحس أيضاً بشعور غريب، وهو في الاختبارات منذ أن كنت في الثالث متوسط وأنا أشعر بها وإلى الآن، وأنا أحضر رسالة الماجستير الآن في مجال إدارة الأعمال، وهي أنني بمجرد أن أدخل الاختبار وأمسك الورقة، تبدأ لدي الرغبة في أن أخرج من القاعة، وأشعر بتعرق لفترة، وأشعر أنني مقيد، ولكن بعد مرور الفترة التي يسمح لنا بالخروج أرتاح نفسياً، ولا أخرج، بل أبقى حتى نهاية الوقت.

اليوم التوجيه والعلاج والنصح الذي أريده منكم:
أنني أريد السفر بعد تقريباً شهر من الآن، وستكون وجهتي - إن شاء الله - إلى تركيا؛ حيث أننا مقبلون على موسم السياحة، ولكن الشعور الذي يؤرقني هو الرهبة الشديدة من أنني سأكون في مرتفع عالي، وسأكون مقيداً قليلاً، ولو أن الثانية لا تشكل لدي القلق أكثر من أنني سأكون في هذا المرتفع العالي؛ حيث أن لدي تجربة أنه بمجرد ما يغلق باب الطائرة أشعر بالخوف الشديد جداً لدرجة لا توصف، وأتمنى لو أني أخرج ولا أكمل الرحلة، وخوف لا يوصف، وليس هو الخوف من الموت؛ لأني مؤمن بالله، ولكن سبق وأن قلت بأنها رهبة المرتفع، وحتى هذه اللحظة أنا متردد في هذا السفر، وأود لو ألغيه وأستريح.

قبل يومين تقريباً قال لي أحد الأصدقاء أنه بإمكانك تناول حبة الزاناكس؛ فإنها ستسهل أمورك إن شاء الله.

سؤالي: هل بإمكاني أن أتناول حبة الزاناكس؟ وما هو الإحساس الذي يشعر به الشخص الذي يتناول الزاناكس؟ هل تختفي عنه الرهبة إذا كان في مرتفع عالي تماماً؟ وإذا كان أساساً يحس أنه مقيد، هل يختفي منه هذا الشعور تماماً؟

وإذا كانت هذه الحبوب لا تشكل خطراً، أريد أن أعرف ما هي الجرعة التي أستخدمها كجرعة إسعافية؟ وهل بالإمكان أن آخذ حبة كتجربة قبل السفر بأيام وأصعد إلى مبنى مرتفع كي أرى مدى تأثيرها؟ وهل تسبب هذه الجرعة - كجرعة إسعافية - خطورة كنوبات الصرع؛ لأنني قرأت اليوم عنه أنه قد يسبب نوبات صرع؟ وهل لو حملت معي زاناكس في المطار ستكون مشكلة؛ لأني سأستخدم حبة حينما أريد الرجوع مرة أخرى إلى بلدي.

وإذا كان لديكم علاج يكون علاجاً جذرياً لأتخلص من هذه المشكلة التي تؤرقني منذ سنوات، لكني سأستخدمه بعد رجوعي من السفر - إن شاء الله - لأن فترة العلاج تستمر على ما أظن لأشهر.

ختاماً: يا دكتور محمد عبد العليم أسألك بالله أن توجهني وتنفعني، ونحن نثق بك - إن شاء الله - وإلا على ما أعتقد سألغي رحلتي.

والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي جابر محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح أنك تعاني من مركب المخاوف، فأنت خوفك ليس من الطائرة فقط، ولكن - كما ذكرت وتفضلت - موضوع الامتحانات، وكذلك المرتفعات، ويعرف أن المخاوف قد تتشكل وقد تتبدل، وهذا النوع من المخاوف يسمى بالمخاوف البسيطة.

أخي الكريم: أنا حقيقة أريدك أن تعالج هذه المشكلة معالجة جذرية، وقبل أن أتطرق إلى العلاج الإسعافي، فأريد منك أن تبدأ علاجاً دوائياً، أسأل الله أن يجعل لك فيه خيراً كثيراً، والعلاج الدوائي هو عقار يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat)، ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine).

زيروكسات وجد أنه يفيد كثيراً في هذا النوع من المخاوف، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) يومياً، تناولها في الصباح أو في المساء، إذا شعرت بزيادة في النوم فثبت الجرعة، استمر على نصف حبة لمدة عشرة أيام، ثم ارفعها إلى حبة كاملة، وبعد أسبوع ارفعها إلى حبتين، فهذه هي الجرعة العلاجية، وبما أنك مسافر بعد أربعة أسابيع، فأعتقد أن هذا الدواء قد يكون له أثر جيد، ولكن لن يبلغ إلى ذروة قمته من ناحية الفاعلية قبل ثمانية أسابيع.

استمر على جرعة الحبتين من الزيروكسات يومياً لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك خفضها إلى حبة ونصف لمدة ثلاثة أشهر، ثم إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم إلى نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن الزيروكسات.

وهنالك أدوية بديلة مثل السبرالكس، وكذلك الزولفت، ولكن الزويروكسات هو الدواء الذي اتضح أنه يساعد كثيراً في علاج هذا النوع من المخاوف.

بالنسبة للعلاج الإسعافي، فالزناكس شائع الاستعمال وسط الناس الذين يعانون من مخاوف الطائرات، وهو لا يسبب الصرع، هذا الكلام ليس صحيحاً، بل على العكس هو يساعد في نوبات الصرع الخفيفة، وطريقة استعمال الزناكس هي أن تبدأ في تناوله بجرعة ربع مليجرام ليلاً خمسة أيام قبل السفر؛ وذلك لتعرف مدى تفاعلك مع هذا الدواء.

ربع المليجرام يسبب النوم لبعض الناس، والبعض لا يسبب لهم النوم، البعض يحس بالاسترخاء على هذه الجرعة، والبعض يضطر لأن يرفع الجرعة إلى نصف مليجرام، فجرّب بنفسك أخي الكريم، ولا تنس أن الزيروكسات يساعدك أيضاً، فأعتقد ربع مليجرام سوف يكون كافياً جدّاً، تناوله ليلاً، وإذا كان تفاعلك معه جيداً وعاديا، فيمكنك أن تتناوله ربع مليجرام ثلاث ساعات قبل السفر أو يمكنك أن تتناوله فقط في الليالي السابقة للسفر - كما ذكرت لك - وبعد ذلك احمل معك حبة أو حبتين، يمكنك أن تتناولها في الطائرة إذا شعرت بأي نوع من المضايقة.

هنالك أيضاً من يتناول عقار الإندرال، والإندرال جيد جدّاً؛ لأنه يمنع الأعراض الجسدية المصاحبة للقلق، وهي تسارع ضربات القلب، والتعرق، والرعشة التي يحس بها البعض، فيا أخي الكريم ليس هنالك ما يمنع أيضاً من أن تتناول الإندرال بجرعة عشرين مليجراماً يومياً، خمسة أيام قبل السفر، وبعد ذلك جرعة عشرين مليجراما ثلاث ساعات قبل السفر.

هذه يا أخي علاجات دوائية كاملة، لا أعتقد أنك سوف تحس معها بأي نوع من المخاوف الحقيقية، وأنصحك - أخي الكريم - أن تركز أيضاً على الجوانب السلوكية، وأهم شيء في العلاج السلوكي، هو أن تحقر فكرة الخوف، وأن تصحح مفاهيمك حول هذا الخوف، وأعرف أن هذا الخوف ليس جبناً، إنما هو أمر مكتسب، والشيء المكتسب يمكن أن يُفقد؛ وذلك بالتعليم المضاد.

ويا أخي بالنسبة لعلاج المرتفعات، أتفق معك أنه من المخاوف المزعجة، وربما لا يتحسن الإنسان بسرعة، ولكن في نهاية الأمر - إن شاء الله - بالاجتهاد، والعزيمة، والتصميم، يمكن أن يتم التحكم في هذا النوع من المخاوف، وهو أن تبدأ فيما يسمى بالتعريض في الخيال، تعرض نفسك للخيال: تتصور أنك في مرتفع شاهق أو أنك في أحد هذه البنايات الشاهقة، وتنظر إلى الأرض، وظللت تنظر وقد تعطل المصعد مثلاً وأنت في سطح العمارة، وهكذا.

عش هذه الخيالات بقوة، وتذكر هؤلاء الناس الذين قاموا ببناء هذه العمارات الشاهقة، وهؤلاء العمال الذين يقومون بنظافة هذه المباني من الخارج، وأنت تشاهدهم يومياً، عش هذا التفكير الخيالي؛ فهو مفيد أخي الكريم.

وأنصحك أن تبدأ التطبيق ولا تتجنب، حاول أن تصعد إلى البنايات تدريجياً، ابدأ الطابق الثاني، الطابق الثالث، وهكذا.

وكل شيء - أخي الكريم - يعالج بالمواجهة؛ لأن التجنب يزيد المخاوف، أما المواجهة فهو العلاج الرئيسي لتلك المخاوف.

بالنسبة للخوف من الطائرات: أخي الكريم دعاء الركوب مهم، وهو باعث على الطمأنينة، وأريدك أيضاً أن تعيش رحلة السفر من بداياتها، اذهب إلى وكالة السفر، قم بشراء التذاكر، انظر إلى هؤلاء الناس الذين يأتون لعمل الحجوزات، الأمر فيه شيء من الجماعية الكبيرة، وهذه يجب أن تشعرك بالطمأنينة.

وأحد الأخوة نصحته أن يقرأ عن الطائرات، يقرأ عن الأخوان رايت، وكيف طاروا، وكيف هي التجارب الأولى، وكيف تصنع هذه الطائرات، هذا أيضاً فيه نوع من التمكين المعرفي للإنسان، يقربك من الشيء، وهذا يجعلك لا تخاف.

أخي الكريم: تمارين الاسترخاء مهمة جدّاً، تمارين التنفس، تنفس تنفساً عميقاً عن طريق الأنف وأنت في حالة استرخائية، وبعد ذلك تمسك الهواء في صدرك لفترة قليلة، ثم بعد ذلك تخرج الهواء، هذه التمارين وجد أنها مفيدة جدّاً، فاجعل لنفسك نصيبا فيها.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وإن شاء الله تسافر سفراً سعيداً، والأمر أبسط مما تتصور، لا تعش مع القلق التوقعي، وإن شاء الله تعالى مع الأدوية التي وصفناها لك، والإرشادات البسيطة إذا طبقتها سوف تجد - إن شاء الله - أن هذه المخاوف قد انتهت.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً