الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني اكتئاباً شديداً فلا عمل ولا زواج ولا أصدقاء!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر بصراحة أنني أعاني من اكتئاب شديد، فقد بدأت تراودني ميول انتحارية، ولولا أن الانتحار محرم، لكنت أقدمت عليه منذ زمن، لقد تفاقمت حالتي عن ذي قبل، ربما بسبب عدم عملي، وأحس أن عمري يمضي دون زواج.

بالإضافة إلى قلة أصدقائي، أو بالأحرى انعدامهم، فبالرغم من وجود بعض المعارف، إلا أنني لا أجد من أتحدث إليهم عندما أمر بمشكلة، فأكتم ذلك بداخلي، حاولت البحث عن أصدقاء، ووجدت بالفعل شخصًا محترمًا، مثقفًا وواعيًا عبر الإنترنت، لكن خوفي الدائم من المجهول يمنعني من تجربة أي شيء جديد، فأبقى منعزلة، أتمنى أن أجد من يستمع إلي، هل تفكيري الانتحاري خاطئ؟

علمًا أنني الحمد لله أصلي وأصوم وأدعو الله، وأقول له: سامحني، أنا بشر ومغلوب على أمري، وهل من الخطأ أن أتحدث مع شاب عبر الإنترنت والهاتف، ونصبح أصدقاء، خاصة إذا كان مثقفًا، محترمًا وواعيًا، فهذا ما جذبني إليه؟

لا أعرف ماذا أفعل وإلى أين أتجه، لقد وصلت إلى حالة من التفكك الداخلي، وأخشى ألا أتمكن من تجميع شتات نفسي قبل فوات الأوان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

أعتقد أنك تعانين من عسر في المزاج من النوع الظرفي، ولا أعتقد أبداً أنك تعانين من اكتئاب نفسي حقيقي، وقد ذكرت بعض العوامل التي أصابتك بهذا المزاج المتعسر، وهذه العوامل هي: (الوحدة، عدم وجود عمل، عدم الاهتمام من جانب الآخرين) وهكذا.

أولًا: كل ما ذكرتيه أفكار سلبية شوشت عليك كثيراً، واستحوذت على تفكيرك، وأنستك الأشياء الجميلة في حياتك، لذا أدعوك حقًّا بأن تبحثي وتدققي وتكوني منصفة في البحث عما هو إيجابي في حياتك، ولا شك أن هناك أشياء كثيرة، فأنت في بدايات الشباب - هذه إيجابية عظيمة - أنت في هذه الأمة المحمدية العظيمة - هذه إيجابية أخرى - أنت لديك أسرة، أنت في كامل صحتك، أليست هذه إيجابيات؟! أنت الحمد لله محافظة على الصلاة وعلى الصوم، أليست هذه إيجابيات؟ وأنا على ثقة تامة أنه توجد أشياء كثيرة أنا لا علم لي بها.

والذي أود أن أنبه له أيضًا أنك ربما تكونين غير مدركة لما هو إيجابي في حياتك؛ وذلك لأن التفكير السلبي السوداوي التشاؤمي قد سيطر عليك، فيجب أن تكوني منصفة مع نفسك، ويجب أن لا تنظري إلى نفسك بهذا المنظور السلبي، انظري إلى إيجابياتك وحاولي أن تطوريها؛ لأن هذا هو المخرج العلاجي الرئيسي.

بالنسبة للانتحار أنت مدركة أنه حرام، وأيضاً ليس هنالك ما يدعوك أبداً للانتحار، هو فكر سلبي يجب أن يحقر ويجب أن يستبدل بفكر إيجابي.

الأمر الآخر وهو تواصلك مع من أسميته بشاب، قطعاً لا نحبذ هذا المنهج، ولا نريده لك أبداً، ولا أعتقد أنه سوف يفيد، وهذا نوع من العلاقات لا تُجدي، كثيراً ما تجعل الإنسان يشعر بالندم.

أنا أتفق معك أن الإنسان كيان اجتماعي ولابد أن يتواصل مع الآخرين، فلماذا لا تختارين طرقاً أخرى وطرقاً أفضل وأجمل، لماذا لا تذهبين إلى المراكز الثقافية الخاصة بالفتيات؟ لماذا لا تكونين من رواد حلقات القرآن وأماكن تحفيظ القرآن، وهنا يمكنك التعرف والتواصل مع الطيبات والصالحات من الفتيات، هذه هي الرفقة الطيبة وهذه هي الصداقة الجيدة، لكن ما تنتهجين الآن من منهج أنك كلمت ولداً على الإنترنت أو الموبايل، لا أعتقد أن ذلك مجد، لا أعتقد أن ذلك مفيد، ولا أعتقد أن ذلك سوف يوصلك إلى ما تريدين إليه، وهو أن تتحصلي على الاستقرار النفسي والزوج الصالح.

أعتقد أن المنهج الذي تنتهجينه يجب أن يُصحح، وأنت لديك المقدرة على ذلك بإذن الله، ولا أعتقد أنه قد فات الأوان، ولكن يجب أن لا يكون هنالك نكران وتبرير خاطئ، يجب أن تواجهي نفسك وتصححي مسارك، ويكون لك القوة والعزيمة، وتذكري دائماً أنك في حرز الله، وأن الإنسان الذي ينتهج المنهج الصحيح، المنهج الرباني، الإنسان الذي يقدر ذاته لا شك أنه سوف يحس بالسعادة ويكون الأمل والرجاء دائماً هو منهجه مهما واجهته مصاعب الدنيا، وسوف أصف لك علاجاً دوائياً بسيطاً يساعدك في تحسين مزاجك، ويزيل عنك تماماً هذا الشعور بالكدر.

الدواء يعرف باسم (Tofranil - توفرانيل) واسمه العلمي هو (Imipramine - ايميبرامين) وهو من الأدوية القديمة ولكنه مفيد، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة خمسة وعشرين ملجم، تناوليها يومياً صباحًا أو مساءً، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى خمسين ملجم يومياً، وهذه سوف تكون جرعة كافية، استمري عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى خمسة وعشرين ملجم يوميّاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم توقفي عن تناول هذا الدواء.

أوصيك أيضاً بالتمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة، فهي تجدد الطاقات الإيجابية لديك، وتقضي على الطاقات النفسية والجسدية السلبية.

وإليك ملخصاً لأهم النقاط:

1. تشخيص الحالة:
- يُرجح أن الحالة عسر مزاجي ظرفي ناتج عن الوحدة، وعدم وجود عمل، ونقص الاهتمام من الآخرين.
- يتم استبعاد الاكتئاب النفسي الحقيقي.

2. تغيير النظرة والتفكير:
* التأكيد على أهمية التركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة، مثل الصحة، والإيمان، والعائلة.
* مواجهة الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار إيجابية.
* التشجيع على تقدير الذات وتطوير الإيجابيات.

3. التعامل مع فكرة الانتحار:
* التأكيد على أن الانتحار حرام ولا مبرر له.
* اعتبار فكرة الانتحار فكرة سلبية يجب رفضها واستبدالها بأفكار إيجابية.

4. إدارة العلاقات الاجتماعية:
* التحذير من العلاقات غير الصحية عبر الإنترنت، والتأكيد على أنها غير مجدية وتؤدي إلى الندم.
* التشجيع على بناء علاقات صحية من خلال المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، مثل حضور حلقات القرآن والمراكز الثقافية.

5. العلاج الدوائي:
* وصف دواء "توفرانيل" (إيميبرامين) بجرعة تدريجية لتحسين المزاج.
* تحديد مدة العلاج الدوائي مع خطة لتقليل الجرعة تدريجيًا.

6. نصائح إضافية:
* التشجيع على ممارسة التمارين الرياضية المناسبة لتجديد الطاقات الإيجابية.
* التأكيد على أهمية الثقة بالله.

نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً