الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابتني نوبات خوف وهلع من يوم القيامة، ما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على هذا الموقع، والله يجزيكم عنا وعن المسلين خير الجزاء.

أما بعد: أعاني في هذا الوقت من نوبة قلق وهلع من يوم القيامة بدأت هذه الحالة قبل شهر، عندما شاهدت بالقدر فيلما عن نهاية العالم 21/12/2012

تابعت هذا الفيلم لمدة دقيقتين فقط، إلى أن ذكر الفيلم أن في هذا اليوم ستخرج الشمس من مغربها، وأنا أقفل التلفزيون بطريقة لا إرادية، وبدأت بعد ذلك الأعراض تفكير مستمر بذلك اليوم، وضربات في القلب وصعوبة في التنفس، وساوس ارتباك مستمر أكره مكان غروب الشمس.

أنظر إلى مكان غروب الشمس وأقول في نفسي كيف يكون ذلك اليوم؟! وأخاف من الليل والقمر، وأخاف من المذنبات والفضاء، وتصيبني نوبات وسوسة عند فتح قنوات الأخبار، وأنتظر خبر اقتراب جرم أو مذنب من الأرض، مما جعلني أكره الأخبار رغم اهتمامي الشديد قبل بالأخبار، وكنت أقضي جميع أوقات فراغي بمتابعة الأخبار، لم أعد أفكر أو أعمل لطموحاتي المستقبلية التي كانت تشغل وقتي وتفكيري في كل لحظة، واجتهدي لها مما جعلني من المتفوقين دراسيا، لكن الآن لم أعد أرغب بأي شيء منها، ولم أعد أهتم لدراستي مثل قبل.

أيام طفولتي كنت أمر بنوبات خوف إذا سمعت بعلامات يوم القيامة، وكنت أبكي إذا سمعت ذلك، بل كنت في خطبة الجمعة لا أدخل المسجد إلا إذا سمعت الشيخ يتحدث عن موضوع غير يوم القيامة، وبعد تلك الفترة لم تأتني هذه النوبات بل كنت أبحث عنها لكي أرجع إلى الله وأهتم بعبادتي، وكنت أقول لماذا قلبي لا يخشع؟!

أتمنى منكم تشخيص حالتي، ونصحي، بارك الله لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أتفق معك أن الذي أصابك هو نوبة هلع شديد، وهو نوع من القلق النفسي المفاجئ المصحوب بأعراض نفسية، وجسدية أهمها تسارع في ضربات القلب، والجانب النفسي يتكون من القلق والهلع والوساوس، ويسيطر عليك كما تفضلتَ وذكرت القلق المستقبلي حول يوم القيامة، وأنت مشغول أيضًا بالمذنبات والنجوم والشمس وغروبها، وهذه كلها أفكار قلقية وسواسية.

علاج مثل هذه الحالات يتم من خلال أن لا تناقش هذه الأفكار كثيرًا، بل تجاهلها، وأنت تعرف تمامًا أن حياة الآخرة هي الحياة الدائمة، ونحن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نُحشر في زمرته ونُرزق شفاعته، ونسعى ونعمل ليوم القيامة، ونتقي الله ما استطعنا.

هذه هي المبادئ العامة، والساعة لا يعلم قيامها إلا الله تعالى، قل لنفسك (لماذا أشغل نفسي بأمر لا أعرفه ولا يعرفه من هم أعرف مني)، هذا النوع من الفكر يواجه بهذه الصورة.

بالنسبة للفضاء وللشمس والقمر والمذنبات: حوّل هذا الفكر الوسواسي إلى فكر إيجابي، هي تسبح وتعبد الله تعالى، أمسك الأمر من هذه الزواية، كل شيء يسبح بحمد ربه، كل شيء يعبده سبحانه وتعالى، وهي حقيقة تدل على عظمة الخالق، لا تنظر إليها كشيء منفر، انظر إليها كشيء محبب، انظر إليها بتفكر، قال تعالى: (إن في خلق السموات والأرض لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربما ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار).

التجاوب مع هذه الأشياء بالتفكر والنظر، كما قال تعالى: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) هي الطريقة الأساسية والضرورية لعلاج مثل هذه الوساوس التوترية، فانظر لتلك الشجرة، ذات الغصون النضرة، كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة، وانظر... وهكذا.

أنصحك أيضًا بممارسة تمارين الاسترخاء، فهي فيها خير كثير جدًّا لك، تؤدي إن شاء الله إلى الطمأنينة، وإلى استرخاء النفس، ولتطبيق هذه التمارين أرجو أن تتصفح أحد المواقع على الإنترنت التي توضح كيفية إجراء هذه التمارين.

أرجو أن تتواصل اجتماعيًا، أن تكون بارًا بوالديك، وأن تصل رحمك، هذا وجد أنه يرفع من الكفاءة النفسية بصورة ملاحظة جدًّا.

ممارسة الرياضة الجماعية أيضًا فيها خير كثير.

أود أن أنصحك حقيقة بتناول أحد الأدوية المضادة للهرع والهلع والوساوس والمخاوف، إن أردت أن تذهب لمقابلة طبيب نفسي فهذا حسن، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فأرى أن عقار سبرالكس - والذي يعرف علميًا باسم إستالوبرام - سيكون دواءً مناسبًا لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به.

ابدأ في تناول السبرالكس بجرعة خمسة مليجرام - نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - تناولها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة (عشرة مليجرام) يوميًا، واستمر عليها لمدة شهر، ثم اجعلها عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعلها خمسة ومليجرام يوميًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، هو دواء فاعل ومتميز، وسليم وغير إدماني.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق ولسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً