الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل علي رعاية بنات زوجي من زوجته الأولى إذا كان مقصرا في حقي؟

السؤال

السلام عليكم.

أسعدك الله، أنا محتارة جدًّا وقلقة, ولا أعلم ما الصواب الذي علي أن أفعله؟ فأنا إنسانة تزوجت من رجل مطلق، ولديه ابنتان، وعندما تزوجت شرطوا علي أن البنات لن يكنّ عندي، وليس لي أي علاقة بهنّ، ولكني عندما تزوجت تغير الوضع فقد كنّ يأتينني من بداية زواجي, وجلسن عندي أسبوعاً تقريباً، والمشكلة أنهن صغيرات، فأعمارهن (3 سنوات) تقريباً، يعني مسؤوليتهن صعبة، وزوجي بخيل جدًّا, ولا يحترمني, ومقصر معي، وحاليًا أم البنات ستتزوج, والأكيد أنهن سيكنّ عندي, وأنا الآن عند أهلي، لي 8 شهور غضبانة، وتم على زواجي سنتان تقريبًا، وليس لدي أطفال, وأنا إنسانة ليس عندي صبر نهائيًا.

ساعدني, جزاك ربي خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم رائد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإننا نشكر ابنتنا الفاضلة اهتمامها بالسؤال، وإنما شفاء العي السؤال، والواضح من حالها أنها تزوجت من هذا الرجل الذي طلق زوجته الأولى وله منها بُنيات، وأنهم قد وعدوها بأن البُنيات لن يكنَّ معها، ثم بعد ذلك إذا بالبنيات يمكثن عندها أسبوعًا, ولاحظت حاجتهنَّ إلى الرعاية, وإلى العناية لصغر سنهن.

نحن نريد أن ننبهك إلى أن الإنسان إذا أحسن لأمثال هؤلاء الصغار فإنه يؤجر عند الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى يحرض على فعل الخير تجاه أمثال هؤلاء، فيقول: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}, إذا تخيل الواحد منا لو أن أطفاله الصغار حُرموا منه, واحتاجوا لعناية الآخرين, وإلى رعاية الآخرين، ما هي الطريقة التي يُحب أن يعامِلْ بها الناس أطفالَه الصغار، بنفس الطريقة ينبغي أن يُعَامِلْ أطفال الآخرين؛ فإن الإنسان لا يدري ماذا يحدث له في هذه الحياة، ولذلك هذا باب من أبواب البر والإحسان، أرجو أن تنظري إليه من هذه الناحية، ليس لأن هؤلاء البنات - أو البنيات – هنَّ لامرأة أخرى، والحقيقة ليس بينك وبينها عداء، حتى لو حصل ذلك فما ذنب أولئك البنيات الصغيرات! بل ما ذنب الصغيرات في إساءة الرجل إذا أساء أو قصّر أو كان بخيلاً؟! .. هذه النقطة الأولى.

أما المسألة الثانية: فإننا ندعوك إلى أن تحافظي على هذا الزوج رغم بخله، وحاولي أن تنظري إلى الجوانب الإيجابية والإحسان فيه، فإذا كان من المصلين فقطعًا هو فيه إيجابيات, وعنده سلبيات، والبخل من السلبيات الكبرى بلا شك، ولكن الإنسان لابد أن ينظر نظرة شاملة، يضع الإيجابيات في كفة, ويضع السلبيات في كفة، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، كذلك ينبغي أن تنظري لحالك, وأنت أعلم بنفسك، ولا يخفى على أمثالك أن مسألة طلاق المرأة وكونها تجلس بعد ذلك بلا زوج, ولا يتلفت إليها الناس, ولا يتقدم لها خطاب مهما كانت درجة الجمال، ومهما كان الخير الذي فيها، هذا حقيقة يخيف كل من تريد أن تفكر في فراق زوجها، وفي ترك بيتها؛ لأن هذا بكل أسف ما كان له أن يحدث لولا تأثير المسلسلات والثقافات الدخيلة التي بدأت تشوه صورة المطلقة، حتى ولو كانت صالحة, حتى ولو كانت طيبة، ولذلك أرجو أن تبصري نهايات هذا الطريق، فلا تستعجلي فراق هذا الزوج مهما كانت الأسباب والدوافع، إذا كانت عنده إيجابيات، وقد ذكرت أنه بخيل, ولم نعرف الجوانب الإيجابية الأخرى، وكونه لا يحترمك, أو كونه مقصرًا معك، ولم توضحي هذا النوع من التقصير، ولكن أنت أعلم بزوجك منا ومن كل أحد، فحاولي أن تضعي إيجابيات الرجل في كفة, وسلبياته في كفة، ثم حاولي أن تنظري بعد ذلك إمكانية الإصلاح، إمكانية التأثير عليه.

أما بالنسبة لمسألة البنيات: فإذا تزوجت الزوجة الأولى فعلاً فستكون الحضانة عنده, وستنتقل البنيات إلى بيته، والإنسان يختار الأحسن لمثل هؤلاء الصغار، وهؤلاء الصغار ليس لهنَّ ذنب.

لاحظت أيضًا من خلال الاستشارة أنك عند أهلك، ولستُ أدري ما هو رأي الأهل، ولماذا أنت غاضبة من زوجك، وهل السبب هم البنيات أم هنالك أسباب أخرى؟ وما هي ردة فعل هذا الرجل؟ وهل جاء وسأل عنك، وأرسل لك مصروفًا وسأل عن أحوالك؟ أم لا يحدث هذا؟ وعلى كل هذا فإننا ندعوك إلى أن تشاوري من حولك، وأن تستخيري الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان إذا تحير في أمر ولم يعرف وجه الصواب فإنه يصلي لله صلاة الاستخارة، ويسأل الخير ممن بيده الخير، ولأهمية هذه الصلاة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.

وأعتقد أن مدة السنتين غير كافية في الحكم على هذا الرجل، وإذا كان الغضب من أجل البنيات الصغار فنحن ندعوك مرة أخرى إلى فعل هذا الخير, وإلى القيام برعاية هؤلاء البنيات، والإحسان لهنَّ، وإذا أحسنت لهؤلاء الصغار فإن الله تبارك وتعالى سوف ييسر لك الأمر, وقد يرزقك أطفالاً، وحاولي أن تصبري، يعني لا تقولي (ما فيَّ صبر, ولا أستطيع أن أصبر نهائيًا)؛ لأن الصبر هو نصف الإيمان، ولأن الصبر هو مفتاح الفرج، ولأن العاقبة للصابرين، ولأن هذه الحياة لا يمكن أن يسعد فيها أي إنسان إلا إذا كان عنده الصبر، فعوّدي نفسك على الصبر على ما تكرهين، حتى يأتيك من الله تبارك وتعالى الخير.

ولا يحملك تقصير هذا الرجل على التقصير في حقه؛ لأن الله يجمع الناس بين يديه سبحانه وتعالى, وتُجزى عنده كل نفس بما تسعى، فإذا قصر الرجل فليس عذرًا للمرأة في أن تقصر؛ لأنها تتعامل مع الله تبارك وتعالى، وستقف بين يدي الله تعالى لتسأل عمَّا لها وعمَّا عليها، وكذلك الرجل لا ينبغي أن يقابل تقصيرها أو إساءتها بالإساءة، ولكن دائمًا خير الأزواج عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، والدين يدعونا إلى الإحسان، فأرجو أن تراجعي أمرك بمعايير الشريعة, وليس بمقاييس المجتمع، ولا تستمعي للمحرضين والمحرضات، ولا تجعلي وجود البنيات الصغيرات المسكينات سببًا في تركك لهذا الزوج، واعلمي أن ظل الرجل في البيت خير للمرأة من أن تعيش بلا زوج في هذه الحياة المليئة بالفتن.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، ونتمنى أن تتواصلي مع الموقع، وأرجو أن نسمع عنك الخير، ونسأل الله لك التوفيق والسداد, والهداية والرشاد، وأستغفر الله العظيم لي ولك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً