الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وساوس ورهاب اجتماعي، ما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.
بداية أشكركم على هذا الموقع المتميز والرائد في العالم العربي.

أبلغ من العمر 26 سنة، وأعاني من اكتئاب شديد وتصيبني نوبات الهلع، والتي ازدادت عندي بعد أن قمت بعمل جراحي للبوليبات الأنفية، لأن الوضع النفسي زاد سوءا عندي.

أنا خريج جامعي سوري مختص بالأدب العربي، لا أعمل بسبب الحرب، كما أن جو العائلة غير مناسب، مشاكل عائلية، وفقر مادي، والمرض بدأ قبل 6 سنوات، كنت سنة ثانية جامعة محافظا على صلاتي.

مارست العادة السرية، وفي أحد الأيام أحسست بألم شديد في رأسي، الشق الأيمن تحديدا، غير اعتيادي، ذهبت للمسجد لأداء صلاة المغرب أثناء الصلاة، جاءتني حالة خوف شديدة، وأحسست أني سأموت ثم بدأت أعراض الخوف الشديد تسارع ضربات القلب، ضيق الصدر، دوار، تعرق، قفز ذكريات الطفولة.

هي وساوس مخيفة ومرعبة، وأفكار سوداوية سيطرت علي، (من هو الله؟ لماذا نعيش؟ ما الفائدة من حياتنا؟ كيف يوم القيامة؟)

لدي خوف الخروج من المنزل, خوف من كل ما هو خارج حدود منزلي، عملت في فندق بدوام ليلي وظللت أسهر الليل، وأتابع دراستي وانتهى عملي بعد أن أصبت باليرقان بسبب نوبة خوف في أحد الأيام، وأنا أقرأ نظرية لداروين.

يختلط الاكتئاب عندي بسبب فقر أهلي، وبعقدة الذنب بسبب ممارسة العادة السرية، وتنتج وساوس ونوبات خوف وهلع.

أنا مغترب عن موطني الأصلي، فأنا ابن قرية، والمرض أصابني بعد أن غادرت قريتي بأربع سنين تقريبا.

أصبحت أحس أني شخصيتان، أو عشت حياتين حياة أولى في قريتي وحياة ثانية في دمشق، وبسبب مرضي تخرجت من الجامعة بمعدل ضعيف نسبيا.

نتج عن الخوف ضعف ذاكرة وتأتأة في الكلام، ونتج عن العادة السرية جسد منهك ورهاب اجتماعي.

هل أنا مجنون؟ وهل أقدر على الزواج؟ والدي إنسان بسيط، ومبذر للمال وفقير معدم..

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ hasen حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيها الفاضل الكريم: أهنئك بالتخرج من الجامعة حتى وإن كان المعدل ليس الذي تبتغيه، فهذا في حدّ ذاته إنجاز.

رسالتك قطعًا مؤثرة، وقد عبرت فيها عن شعورك بالكدر والكرب والأفكار السوداوية، وأعتقد أن الذي تحتاجه بالفعل أن تتدبر وتتأمل في هذه الأفكار، هذه أفكار غير مرغوبة، ومن وجهة نظري أعتقد أنك حاصرت نفسك في الجانب السوداوي من الفكر والمشاعر، وهذا خطأ كبير، الدنيا طيبة أيها الفاضل الكريم، فاسأل الله أن يغنيك من فضله، وأن ييسر أمرك، واسعَ في دروب الحياة.

حاول أيها الفاضل الكريم أن تتوقف ولو تدريجيًا من العادة السرية، حتى تتركها تمامًا، وارتق بصلاتك واجعلها خاشعة، هذا إن شاء الله يغنيك عن مصاعب كثيرة جدًّا في هذه الدنيا؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن الصلاة نور، ولأنها تريح الإنسان، ولأنها عماد الدين.

لا تنس أنه لديك طاقات، فأنت في هذا العمر الجميل، لديك طاقات نفسية، طاقات جسدية، إذا ما سخرتها وحولتها لتصبح طاقات مرغوبا فيها من خلال تجنب الفكر السلبي أعتقد أنك سوف تنجز إنجازًا عظيمًا.

نعم نحن نقدر الظروف التي تمر بها بلاد الشام، ونسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين جميعًا وأن يفرج عن المسلمين، والأمور تتبدل أيها الفاضل الكريم، هكذا طبيعة الحياة وسنتها، فكن في جانب التفاؤل، ابحث عن عمل، غيّر طريقة تفكيرك.

أقول لك: إنك غير مجنون، وإنك تستطيع الزواج، وتعرف – أيها الفاضل الكريم – أن الزواج إن شاء الله تعالى هو باب من أبواب الرزق، قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله}.

ووالدك – جزاه الله خيرًا – قطعًا كان مساندًا لك حتى وإن كان فقيرًا، واسأل الله تعالى أن يهديه حتى لا يبذر بالمال، وأنت من جانبك اسعَ دائمًا في بِرِّه ومساعدته.

انتقالك من القرية إلى المدينة: هذا أمر شائع، لا ينطبق عليك لوحدك، وأنت كما ترى الآن أن الحواجز الجغرافية أصبحت ليست مشكلة، لا تمثل شيئًا مهمًا أبدًا في حياة الناس.

النوبة التي حدثت لك أثناء الصلاة كانت هي نوبة هرع وهلع، وهي الحمد لله تعالى انتهت فلا توسوس حولها، والهلع والهرع هو نوع من القلق النفسي المفاجئ لا تُعرف أسبابه في معظم الأحيان.

فاطرد هذه الأفكار، فكّر إيجابيًا، بدِّل مشاعرك، حسِّن إدارة وقتك، مارس شيئًا من الرياضة، وابحث عن عمل، وأنا أيضًا أفضل أن تتناول أحد الأدوية التي تحسِّن مزاجك وتزيل عنك هذا الكدر إن شاء الله، الدواء الذي نرشحه يعرف باسم (سيرترالين) وقد تجده تحت مسميات تجارية مختلفة في سوريا، اسمه الشائع (زولفت) أو (لسترال) والجرعة المطلوبة في حالتك هي حبة واحدة (خمسون مليجرامًا) تناولها ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهر، ثم حبة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

دواء غير إدماني وغير تعودي، ويزيل التوترات والقلق والوساوس والاكتئاب كما ذكرت لك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً