الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت وأصبحت أتكاسل عن الصلاة وأقع في المحرمات!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 17 سنة؛ ولدت من أبٍ عربي، وأعيش في أوروبا وسط عائلة أوروبية، أحببت ديني، وربِي، والجنة منذ صغري، والتزمت بالصلاة والحجاب دون إكراه من أي شخص، وكنت أقرأ القرآن وقت فراغي، وكان حلم طفولتي أن أصبح غنية؛ وأذهب لمساعدة الأطفال في الصومال، وأقدم لهم المال والطعام، وكنت أبكي عندما أرى صورهم.

مشكلتي أن أهل والدي ضدي، وكانوا يطلبون من أبي أن أخلع الحجاب عند خروجي من المنزل، وكانوا يعارضون وضعي للحجاب لأننا نعيش في أوروبا، ويقولون لأبي بأنني صغيرة، وكانوا يتسببون بفعل الفتنة بيني وبين أهلي، وأهلي يصدقونهم.

كنت أستيقظ كل يوم لكي أصلي صلاة الليل، وأبكي في صلاتي، خاصة عندما أقرأ قوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم"، فكنت أشعر أنني أصلي على الصراط المستقيم، وأن جهنم أسفل الصراط، ولكن الله يثبتني على الصراط، ويمنعني من الوقوع من شدة إيماني، ولم أكن أتوهم ذلك كله، ولم أكن أسرح أبدًا في صلاتي، وكنت أشعر أنها لقاء بيني وبين الله -عز وجل-.

عندما كبرت بدأت أحلم بنشر الإسلام في أوروبا، لكي أثبت للجميع بأنه الدين الصحيح، وبدأت أدرس باجتهاد، وحصلت على المجموع الكامل من الدرجات، وكنت أسعد إنسانة، لأنني أعلم أن ذلك كله بسبب توفيق الله لي، وكان حلم أهلي أن أصبح طبيبة.

ولكني تغيرت كثيرًا هذا العام، ولا أعلم كيف حصل ذلك التغير؟ فقد أصبحت أفعل أشياء محرمة، ولا أستطيع تركها رغم محاولاتي في ذلك، وأتكاسل عن الصلاة أو أتركها أحيانًا، وهجرت القرآن، وتأخرت في دراستي، ولا أركز أثناء الدراسة، وأشعر بأنني أكثر الناس غباءً على وجه الأرض بسبب كثرة ذنوبي.

حاولت التوبة كثيرًا، ولكنها لم تكن توبة صادقة من القلب، واشتقت لدموعي في الصلاة، وعند قراءة القرآن، لأنني كنت أشعر بلذتها، واشتقت لنفسي القديمة، وأشعر بأنني لا أخاف من أي شيء، وليس لدي أصدقاء بسبب جمالي، بل لدي عاشقين من بني آدم، وحاسدين من بنات حواء.

وأتذكر باستمرار موقفًا حصل لي ولا أستطيع نسيانه؛ فقد كنت أتمشى ذات يوم مع صديقاتي، وكانوا يطلبون مني ألا أمشي معهن لأنني أجمل منهن، وكل من يشاهدنا من الشباب ينظرون لي وحدي، ولا ينظرون إليهن، رغم أنني لا أكترث للشباب، لأنني لا أرى نفسي جميلة، ولكنني أشعر بنظرات من حولي عندما أمشي في الطريق، وكثيرًا ما كنت أبكي، لأن جمالي جلب لي الكثير من المشاكل.

أحب أن أتعلم الكثير من الأشياء الجديدة وأتقنها بسرعة، والجميع ينزعج مني بسبب ذلك الأمر، وعندما أساعد من حولي، لا أجد من يشكرني، ولا أشعر بقيمتي عندهم، وأشعر بأنني وحيدة لا أحد بجانبي، وأشعر وكأنني طير انكسرت أجنحته وسقط على الأرض، لذلك لا أرى أن هناك أي شيء ذا قيمة لكي أقاتل للعيش من أجله، فهل سوف يسامحني الله على ما أفعل؟ فأنا أعلم بأن الله لا يغفر لمن تاب ثم عاد لفعل المعاصي مرة أخرى، وأرجو منكم توضيح أسباب فشلي في كل شيء، ولماذا الجميع يقف ضدي ولا يقدرون جهودي أو يشكرونني؟

أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة الإسلام حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يتوب عليك ويصلح الأحوال، وأن يقدر لك الخير، ويحقق الآمال.

التواب يغفر الذنب ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فتعوذي بالله من شيطان يريد أن يبعدك عن الخيرات، ويؤيسك من المغفرة والرحمات، فعامليه بنقيض قصده، وجددي التوبة، وتذكري أن الله يفرح بتوبة من تتوب، وهو سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين، ولا مانع من تكرار التوبة حتى يكون الشيطان هو المخذول، وأشغلي نفسك بعبادة الله واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

أسعدنا ما كنت عليه من صلاح وتلاوة، وخشوع وخضوع، وصلاة، ونؤكد أن من ذاقت لذة العبادة سوف تعود، وثقي بأن العظيم الذي حفظك ووفقك بالأمس حي موجود، فأقبلي عليه، وتوبي إليه بإخلاص، وصدق وندم وعزم على عدم العودة، وتوقفي عن الخلل والخطأ، وأكثري من الحسنات الماحية، وحافظي على نفسك، ولا تصادقي إلا الصالحات، فإن لم تجدي فاجعلي كتاب الله جليسك، فإنه جليس لا يمل، وصاحب لا يغش، وما جالس أحد كتاب الله إلا قام عنه بزيادة ونقصان، زيادة في هدى، ونقصان من عمى وجهالة وضلالة.

ونتمنى أن لا تنسي أهلنا في الصومال، والمستضعفين في كل مكان، وساعديهم بقدر الإمكان، ومن كان في حاجة إخوانه كان الله في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ولا تجاملي في أمر دينك، وعودي إلى الله، وسوف يعود لك السعد والانشراح، ومن التي أقبلت على الله بصدق ولم يساعدها الله ولم يوفقها؟ فثقي بربك، وأملى ما يسرك، وخالفي عدونا وعدوك، ونكرر الترحيب بك في موقعك، ونتشرف بمتابعتك حتى تعودي إلى ما كنت عليه من الخير، واجعلي لنفسك هدفاً، واعلمي أن قيمتك علية، وسوف يقدر الله لك من يعينك ويسعدك، وندعوك إلى القرب من أسرتك بعد طواعيتك لربك.

وفقك الله وسدد خطاك، وحفظك وتولاك وسددك وثبتك، ونسأل الله أن يهديك ويثبتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً