الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قررت عدم التواصل مع والدي بسبب إساءته لي، فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب كنت أعيش في أسرة، وانفصل أبي عن أمي، فقد حدث الطلاق بينهم مرتين، ثم حصل الطلاق الأخير بينهم، أبي لا يعترف بالتطليقات السابقة، رغم أنها مثبتة، ويريد مني إقناع أمي بالرجوع، وأنا أعلم أنه حرام، فرفضت ولم أترك وسيلة إلا وحدثته بها لترك هذا الشيء، لكنه يرفض، وإذا خالفته يدعو علي، ويسبب لي ضررًا نفسيًا، ولم يترك شيئًا إلا واستخدمه للضغط.

وصلت الأمور إلى الطعن بشرف أمي وأخواتي وزوجة أخي، وهو يقيم دعوة قضائية كل فترة، ويسبب لنا المشاكل في المجتمع بسبب قذفه للناس وسبهم، وهذا يعرضنا لمشاكل مع المحيطين بنا، ويهددنا بأن يطلق أختي من زوجها، ويسبب لها المشاكل، فوق كل هذا كان متزوجًا من امرأة غير أمي، وتزوج مجدداً بعد الانفصال، ويطلب مني أنا وأخي مبالغ لا طاقة لنا بها، فنحن عمال، ومع ذلك نعطيه ما يكرمه الله به.

تركت البلد التي نقيم فيها، لأنني لم أعد أطيق البقاء، وغير قادر على تحمل السمعة السيئة، وما زال والدي على ذلك، حتى في الرسائل الصوتية، ومع ذلك والله شاهد أننا لا نسيء له، لكنني لا أحتمل كل هذا الضغط، فقررت مسح جميع وسائل التواصل معه بسبب تسببه لي بحالة نفسية.

للعلم أبي يحلف على كتاب الله بغير حق، ويقذف المحصنات، ولا يقيم حدود الله، وأنا نصحته، وكل نصيحة نصحته بها كانت بدعوة تدمع القلب، كل ما أريد معرفته هل أنا آثم على قلة تواصلي معه ليس كرهًا ولكن حفاظًا على نفسي؟ لم أعد أطيق ضيق الصدر والخذلان، للعلم أنا لم أعق والدي يومًا ولم أسئ له.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يتولى عونك، وييسّر لك بر هذا الوالد والإحسان إليه، فنحن نتفهم المعاناة التي تعيشها بسبب تصرفات والدك، ولكننا مع ذلك نذكّرُك بعظيم حق الوالد على ولده، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالد في أشد حالات الوالد إساءة لولده، فقال سبحانه وتعالى: (وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا)، فأمر بمصاحبتهما بالمعروف في حال مجاهدتهما للولد ليكفر بالله تعالى، ومعلوم أنه ليس هناك إساءة أكبر من إساءة مَن يُجاهدُك ويحارُبك من أجل أن تكفر بالله تعالى.

نصيحتُنا لك -أيها الحبيب- أن تحاول الإحسان إلى والدك، وتجنب إساءته بقدر استطاعتك، وتصبر على ذلك، ونرشدك أولاً إلى ما يُعينك على تجاوز الإساءات من والدك، وذلك بأن تتذكّر إحسانه السابق إليك، فقد جعله الله تعالى سببًا في وجودك في هذه الحياة، وهذا السبب وحده يكفي لأن تعترف له بالفضل، فإنه بوجودك هذا وهدايتك إلى الإسلام قد هيأك الله سبحانه وتعالى للحياة الخالدة الأبدية.

نسأل الله أن يتوفّانا وإيَّاك على الثبات في التمسك بالإسلام، فهذا النعيم الذي يعيشه الإنسان في حياته الأخروية، وقد يُرزق نعيمًا كبيرًا في حياته الدنيوية، هذا كلُّه فرعٌ عن نعمة الوجود، ونعمة الوجود كان سببها هذا الوالد، فينبغي ألَّا تنسى هذه الحقيقة، وتذكُّرُك لهذا الإحسان السابق إليك والمعروف القديم الذي فعله والدك بك؛ هذا يدعوك لأن تجاهد نفسك في الإحسان إليه وإن أساء هو.

ثم اعلم -أيها الحبيب- أن البر الواجب عليك بقدر طاقتك واستطاعتك، ومن البر الواجب النفقة على الوالد إذا كان فقيرًا محتاجًا، والإنفاق عليه وعلى زوجته، ولكن بقدر استطاعتك، وبمشاركة إخوانك وأخواتك القادرين منهم.

أمَّا قطع الاتصال به كلِّيًّا وهجره؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه عقوق واضح بيِّن، وحجّة أنه يُصيبُك بحالة نفسية أيضًا حجّة غير مُسلّمة، ينبغي أن تجاهد نفسك في أداء ما عليك، وتتجنّب ما فيه الضرر، فإذا كانت بعض أنواع المحادثات هي التي تجلب لك الضرر وإيذاء والدك لك فتجنّب ذلك القدر، وأمَّا السلام والسؤال عن الحال ووصلْه بما تقدر عليه من النفقة؛ فهذا أمرٌ لا يمكن أن تتضرر به إذا فعلته.

اعلم -أيها الحبيب- أن الإحسان إلى المُسيء ومقابلة السيئة بالحسنة سببٌ أكيد في قلب العدو صديقًا كما قال الله عز وجل: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم).

استعن بالله سبحانه وتعالى وادعه أن ييسّر لك البر بهذا الوالد والإحسان إليه بقدر استطاعتك، وما فعلته بشأن عدم إرجاع أُمّك إليه وإعانته على ذلك بعد علمكم بأنه قد طلقها ثلاث تطليقات تصرُّف صحيح منكم، ولا يجوز لكم أن تُطيعوا هذا الوالد في معصية الله، فقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى).

نسأل الله أن ييسّر لك الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً