الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدمنت العادة السرية وتأثرت حياتي كلها، فكيف أنجو منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب بكلية الطب، ابتليت بالعادة السرية منذ وقت طويل، وفي رمضان تركتها، وكنت ملتزمًا بالصيام وقيام الليل، ودعوت الله أن يرزقني الفتاة التي أحبها بالحلال، واستجاب الله ذلك وخطبتها، وأحسبها متدينة.

بعد رمضان هاجمني الشيطان، وعدت للعادة والأشياء السيئة التي تركتها، ومنها: مقارنة حياتي بالآخرين، وقسوة القلب، وعدم القدرة على أداء العبادات، وابتعدت عن الله، ويأتيني الشيطان في لحظات الإحباط واليأس والفشل، فضاعت مني ثلاث سنوات في تخصص الطب بتقديرات ليست عالية، حتى بعد خطبتي صرت أخاف من المعاصي أن يحرمني الله بسببها من النعم.

أنا خائف أن أكون مشمولًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ".

أفيدوني: كيف أتوب إلى الله توبة نصوحاً وأكفر عن ذنوبي؟

الأمر الثاني: زواجي بعد سنة ونصف أو سنتين، فهل ابتعادي عن العادة السرية، وممارسة الرياضة، والاهتمام بالأكل الصحي -طوال تلك الفترة- سوف يزيل آثارها نهائيًا، ويحسن من قدرتي؟ وهل يجوز الدعاء بأن يرزقني الله القوة الجنسية التي تعينني على الزواج والتمتع بزوجتي؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك لنتوب. سعدنا جدًا بالنجاح الذي تحقق لك في شهر الصيام والقيام، وتلك وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للشباب: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء".

والشريعة تجعل صيام التطوع فرصة للإنسان، ليبتعد عن مثل هذه الشهوات، فإن الصيام فيه الجوع الذي يضيق مجاري الشيطان، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

ثانيًا: أنت -والحمد لله- تركت هذه الممارسات الخاطئة، والمعاصي والعادات السالبة والمخالفات، ووجدت حلاوتها وشعرت بنجاحك، ويسر الله عليك أمر خطبة الفتاة المذكورة، والتي تذكر من دينها وأخلاقها الأمر الذي يسر، فاجعل شكرك لله تبارك وتعالى بالبعد عن معصيته، وتب إلى الله توبة نصوحاً، ولا تستجب للشيطان؛ لأن الشيطان يوقع الإنسان في المعصية، ثم بعد ذلك يريد أن يوصله إلى الإحباط واليأس، واعلم أن الله ما سمى نفسه غفورًا إلا ليغفر لنا، ولا سمى نفسه توابًا إلا ليتوب علينا، لكن التوبة التي نريدك أن تتوبها هي التوبة المقبولة عند الله، والتي تخلص فيها لله، التي تصدق فيها مع الله، التي تندم فيها على ما مضى، التي تعزم فيها على عدم العودة، التي تتوقف فيها عن المخالفة، التي تبتعد فيها عن الأسباب الموصلة إلى هذه المخالفة.

فإن الإنسان إذا غض بصره، وابتعد عن مواطن الشبهات ومواقعها، وابتعد أيضًا عن كل ما يثير شهوته، فإن في هذا العون له على ترك هذه الممارسة الخاطئة، وأشغل نفسك بطلب العلم، فإن فيه الفوائد الكثيرة، فإذا مارس الإنسان الرياضة، وقبل ذلك انهمك في الصيام والعبادة، ثم أشغل نفسه بالدراسة والعلم النافع المفيد، فإن هذه أمور فيها العون -بعد توفيق الله تبارك وتعالى-، على ترك تلك الممارسات الخاطئة.

أما القوة التي تبحث عنها في أمر الشهوة، فأنت ستنالها مباشرة بمجرد التوبة النصوح، والثبات على هذه التوبة، وإذا حصل وضعفت وسقطت فلا تحزن طويلًا، ولا تستسلم للشيطان؛ لأن الحسن البصري قيل له: نتوب ثم نعود، نتوب ثم نعود إلى متى يا إمام؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المخذول.

ونقول هذا الكلام ليس تهوينًا من الوقوع في المعاصي، فأمرها عظيم، ولكن حتى لا يجد الشيطان فرصة؛ لأن الشيطان يريدك أن تصاب بالإحباط، ويريدك أن تنهمك في هذه المعاصي، بل يريدك أن تصل إلى اليأس من رحمة ربنا الرحيم سبحانه وتعالى.

واعلم أنك وقد شعرت بأن ذنوب الخلوات خطيرة، فينبغي أيضًا أن تتجنب الوحدة، فإن الشيطان مع الواحد، وإذا خلوت بنفسك فاجتهد أن تكون ذاكرًا لله، أن تكون مطيعًا لله، تاليًا لكتابه، ولا تذهب إلى الفراش إلا عندما تتهيأ للنوم، ولا تمكث في الفراش بعد أن تستيقظ، وغير العادات التي تقودك إلى هذه الممارسة الخاطئة، وذكر نفسك بالله ومراقبته، فإن هذا أيضًا مما يعينك على ترك هذه الممارسة، وأهمية الرياضة، والأكل الصحي، هذه أمور لها فوائد كبيرة، لكن الأهم من هذا هو أن تصطحب المراقبة لله تبارك وتعالى.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وأن يعينك على الخير، ونحن نريد أن نقول لمن رزقه الله الحلال، ويسر عليه أمر الحلال، أرجو أن يكون شكرك لله في الابتعاد عن كل ما يغضبه من هذه المعاصي.

ونسال الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً