الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة والدي تغيرت حياتي النفسية والأكاديمية، أرشدوني

السؤال

السلام عليكم..

التحقت بكلية الصيدلة بعد قضائي عاماً في كلية الهندسة، والآن أنا في السنة الثالثة، بمعنى أني قضيت ٤ سنوات في الجامعة، التحقت بالصيدلة رغماً عني؛ لأنني لم أكن أضمن حياتي كفتاة في كلية الهندسة، خصوصاً وأن منهج جامعتنا ليس قوياً كباقي الجامعات.

تخليت عن آخر طريق متاح لي لتحقيق ما أريد، والتحقت بأكثر جامعة أكرهها منذ طفولتي؛ لأنها الوحيدة المتاحة لي، وأيضاً رغبة أمي (هي لم تجبرني)، ولكي أضمن حياةً أفضل.

توفي والدي قبل التحاقي بالصيدلة بشهر، ولم أكن أعلم أنه قد تم قبولي بها وقتها، كنت حينها سأكمل مسيرتي في الهندسة، وكنت سأتم اختبارات القدرات للدخول للأقسام، وألتحق بالقسم الذي أريده، لكن علمت بعد أسبوع من بداية الدراسة أنه تم قبولي، وانتقلت، ومن هنا لم أر في حياتي إلا الحزن.

ابتعاد عن الدين والقرآن، ضياع رمضان، انعزال عن العالم، جهد بلا فائدة، أسوأ العلامات على الرغم من أن علاماتي في الهندسة كانت جيدةً، وكذلك في اختبار القدرات. بعد وفاة والدي: وحدة، وألم، ومشاكل من جميع الاتجاهات، نفور الناس مني بعد فترة، ولأن حالتي النفسية أصبحت في الحضيض ذهبت لطبيب نفسي، وبدأت بجلسات العلاج والأدوية، وكنت قد بدأت بالتحسن، وزادت همتي وتقربي من الله كثيراً، لكن تأبى الدنيا أن تتركني سعيدةً؛ فأنا في فترة الاختبارات الآن، مع أسوأ أداء لي في حياتي، وأصبحت لا أقدر على الاستيقاظ، وفقدت رغبتي في الحياة والموت والعبادة، أتمنى فقط أن أختفي!

سؤالي: لماذا أنا؟ ماذا فعلت؟ هل هذا بسبب ذنوبي؟ غيري مذنب وسعيد، هل يكرهني الله؟ هل أنا سيئة لكي أستحق كل هذا؟ ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: نأسف على ما تمرين به، ويبدو أنك تمرين بأوقات صعبة للغاية، من فقد والدك، إلى التحولات في حياتك التعليمية، والصراعات العاطفية، وما تمرين به الآن في دراستك، والصراعات النفسية، فكل هذا يمكن أن يكون مرهقاً للغاية.

نود أن نذكرك بأن الله لا يكرهك، والإسلام يخبرنا بأن الله محب لخلقه، فالخلق عيال الله، وأن الصعوبات والتحديات هي جزء من الحياة وتجاربنا الإنسانية كبشر، أيضاً: لا يعتبر الإسلام أن المعاناة في هذه الحياة هي دليل على أن الله يكرهك أو أنك سيئة، بالعكس، الإسلام يعتبر أن المصاعب والتحديات قد تكون اختبارات لتنقيتنا، واختبار لصبرنا وإيماننا، قال الله تعالى: "ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة:155].

بناءً على هذا، نحن نشجعك على الاستمرار في العلاج مع الطبيب النفسي الذي تتعاملين معه؛ فالأمور النفسية مثل الاكتئاب والقلق يمكن علاجها، وقد تستغرق بعض الوقت للشعور بالتحسن، لكن هناك دائمًا أمل.

بالإضافة إلى ذلك، حاولي الاعتناء بنفسك بشكل جيد، النوم الجيد، والتغذية الصحية، والنشاط البدني، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على صحتك النفسية.

ننصحك أيضًا بأن تتواصلي مع أشخاص تثقين بهم، وتشعرين بالراحة في التحدث معهم، عن مشاعرك وما تمرين به، قد يكونون أصدقاء، أو أفراد الأسرة، أو مرشدين دينيين (دعاةً)، لا تترددي في طلب الدعم عندما تحتاجينه.

إذا كان تغيير التخصص هو سبب كل هذه المتاعب، فبإمكانك إعادة التفكير في دراسة تخصص آخر، لكن طالما وأنت في السنة الأخيرة فقد يكون هذا الخيار غير محبذ، كما أنه سيكون هدراً للوقت والمال، لذلك نقترح عليك خياراً آخر، وهو أن (تحبي) التخصص الحالي الذي تدرسينه، قد يبدو هذا الخيار أشبه بالمزحة، لكن فعلياً يمكنك تحقيق ذلك بالتدريب، وتغيير القناعات، ربما تحتاجين لسلوك بعض الدورات المتخصصة في هذا المجال، فلا تنسي أن أقدار الله خير لنا، فنحن لا نعلم أين الخير، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن يكون تخصصك الذي تكرهينه اليوم هو مفتاح النجاح لك في المستقبل، وقد تقولين الحمد لله إذ واصلت الدراسة.

بخصوص نقص إيمانك، وانشغالك عن الطاعات: هنا يمكنك إعادة برمجة الوقت وتنظيم جدولك اليومي، وستجدين فرصةً كافيةً لذلك -إن شاء الله- وإن كنت ممن يتابعون البرامج والتطبيقات؛ فعليك بكثرة سماع ومشاهدة ما يرفع همتك ويقوي إيمانك، فإذا سمعت كثيرا حول هذه الأمور ستتغير نظرتك للحياة، وكذلك متابعة من يرفعون همتك ويكون لكلامهم الأثر، وكوني إيجابية وملهمة لغيرك.

أما بخصوص نقص درجات الاختبارات، فهو بسبب الحالة النفسية السيئة التي تمرين بها، وبمجرد تحسن حالتك النفسية سيعود وضعك إلى سابق عهده.

وأخيراً، لا تنسي أن تتواصلي مع الخالق من خلال الصلاة والدعاء قبل التواصل مع خلقه بالاستشارة، فالله عز وجل يحب أن يسمع دعاء عبده وتضرعه، وهو أقرب إلينا وأسرع بالإجابة ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦].

سهل الله أمورك، وكتب لك النجاح والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً