الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اكتئاب وتوتر بعد أن علمت بعدم قدرتي على الحمل الطبيعي مجدداً.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدايةً: أود أن أشكركم على كل ما تقدمونه من خلال موقعكم هذا، بوركتم، وجعله الله في ميزان حسناتكم.


أنا سيدة متزوجة منذ 8 سنوات، حدث لي حمل في أول شهر، لكنه انتهى بالإجهاض، ثم حملت خارج الرحم، وتم استئصال إحدى قنوات فالوب، وحصل إجهاض بعدها بشهرين، تأخرت بعدها في الحمل لمدة سنتين، ثم رزقني الله من فضله بالحمل السليم مرتين -والحمد لله تعالى-، فقد رزقت بولدين معافين، وبعد 3 سنوات فكرت في الحمل مرةً أخرى، فحصل حمل خارج الرحم للمرة الثانية، وتم استئصال القناة المتبقية منذ أسبوع -والحمد لله على كل حال-.

لا أنكر أنني في حالة نفسية سيئة، واكتئاب شديد، رغم تقبلي لقضاء الله وقدره، ولكني فكرت في طفل الأنابيب من أجل رفع معنوياتي كامرأة أكثر من رغبتي في الإنجاب نوعاً ما، علماً أن عمري 35 سنةً، ولا توجد لدي أي مشكلة في التبويض، وكذا زوجي سليم -والحمد لله-، وهذا ما جعلني أحس بأني معترضة على ما كتبه الله لي.

أحس أحياناً أن حياتي انتهت؛ فأبكي وأتذمر، ثم أعود وأستغفر، وأدعو الله أن يحفظ لي أولادي، ويبارك لي فيهما.

وأشعر أحياناً بالخوف الشديد على أطفالي من أن يصيبهما أي مكروه لدرجة مبالغ فيها، متحسسة من زوجي لدرجة كبيرة، مع العلم أنه نعم الزوج، لم يؤذني بكلمة، ووجدته نعم السند.

صحيح أنه كان يتمنى أن يرزق بأولاد كثر، لكنه إنسان مؤمن، فكرة أن يكون تقبله مؤقتاً، أو أنه قد ينزعج مستقبلاً تؤرقني، وتعكر صفو حياتي، مع العلم أني لم أخبره لحد الآن بانعدام فرص الحمل الطبيعي.

أرجو نصيحتكم لي، وأدعو الله لي أن يلهمني الصبر، وأن يغفر لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ توبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يكتب لك أجر ما حصل لك من ألم ومرض ومعاناة، كلُّ ذلك في موازين الحسنات، فاتقي الله واصبري، واعلمي أن الصبر عند الصدمة الأولى، وأن الإنسان يُؤجر على صبره، وما أُعطي الإنسان عطاءً أوسع من الصبر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُبارك لك في الأبناء، وأن يُلهمك السداد والرشاد، وأن يجعلنا جميعًا ممَن إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.

ونحمد الله تبارك وتعالى الذي رزقك بهذا الزوج الراضي بقضاء الله وقدره، ولذلك أرجو ألَّا تعطي الأمور أكبر من حجمها، وثقي بأن هذا الكون ملْكٌ لله، ولن يحدث في كون الله إلَّا ما أراده الله، وأن الذي يُقدّره الله هو الخير، {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم}.

فما حصل لك من المعاناة، وتكرار الإجهاض، وتكرار الحمل خارج الرحم؛ كلُّ ذلك مزيد من الحسنات، وثواب عند الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يُبارك لك في الأبناء، وأن يُصلح لنا ولكم النيّة والذريّة.

الإنسان غير مسؤول عن الحزن على ما مضى، وغير مسؤول عن التفكير في الشيء الذي لا يحصل، لأن البكاء على الماضي مثل البكاء على لبن مسكوب؛ فإن البكاء لا يردُه، والنظر في المستقبل والتأمّل فيه وإعطاؤه أكبر من حجمه؛ كلُّ ذلك ممَّا يُتعب الإنسان، لأن هذا بأمر الله تبارك وتعالى، ولذلك نحن نفعل الأسباب، ثم نتوكّل على الكريم سبحانه وتعالى.

والحمد لله إذا كان الزوج لا يطرح هذه المواضيع، ولا يُناقشها، فلست بحاجة لهذا، واعلمي أن الأطباء أيضًا كلامهم قد يتغيّر، وأن الأمر قد يكون خلاف ما وصل إليه الطبيب، وخلاف ما حدّده الطبيب.

على كل حال: الذي يريد أن يُرزق بطفل ينبغي أن يحمد الله؛ لأن هناك مَن ليس عنده أطفال، والذي عنده طفلان ينبغي أن يحمد الله كثيرًا، والذي أعطاه الله العافية ينبغي أن يحمد الله، والكل ينبغي أن يحمد الله في السراء والضراء، والشريعة تدعونا إلى الرضا بقضاء الله، وأن ننظر إلى مَن هم دوننا في أمور الدنيا، كما علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن ننظر إلى مَن هم أقلَّ مِنَّا، (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ، في المال، في الولد، في العافية، في كل أمور الدنيا، (‌وَلَا ‌تَنْظُرُوا ‌إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عليكم).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممّن يرضى بقضاء الله وقدره، لأن هذا هو باب السعادة الأعظم، فالسعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضاء الله وقدره، والمواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

ونحيي اهتمامك بالأطفال، لكن ينبغي أن يكون في الاهتمام بهم اعتدال؛ لأن الحافظ هو الله تبارك وتعالى، والخوف الزائد عليهم يُخرجُ أطفالاً ضعافًا لا يستطيعون مواجهة صعوبات الحياة، ونحمد الله تبارك وتعالى دائمًا الذي أعطانا دائمًا، و(عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).

وصدق الشاعر:
إِذا كانَ شُكري نِعمَةَ اللَهِ نِعمَةً ... عَلَيَّ لَهُ في مِثلِها يَجِبُ الشُكرُ
فَكَيفَ بلوغُ الشُكرِ إِلّا بِفَضلِهِ ... وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِتَّصَلَ العُمرُ
إِذا مُسَّ بِالسَرّاءِ عَمَّ سُرورُها ... وَإِن مُسَّ بِالضَرّاءِ أَعقَبَها الأَجرُ
وَما مِنهُما إِلا لَهُ فيهِ نِعمَةٌ ... تَضيقُ بِها الأَوهامُ وَالبرُّ وَالبَحرُ

فنحمد الله تبارك وتعالى على ما أعطانا، ونشكره على ما أولانا؛ لأننا بشكرنا لربّنا ننال المزيد، إذ قال ربنا فقال: {وإذ تأذّن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم}.

اجتهدي في التعرف على نعم الله عليك، ثم القيام بشكرها، فإذا شكرتم هذه النعم نلتم من الله المزيد، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والعافية، وأن يُقدّر لكم الخير ثم يُرضيكم به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً