الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب ابن خالتي ولكنه غير متدين، فهل يصلح لي زوجًا؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 19 سنة، لست بتلك الملتزمة، لكن لدي خوف من الله، وأحاول قدر المستطاع الالتزام بتعاليم الدين.

رغم عدم التزامي إلا أني طوال عمري لم أكلم شاباً، أو أقيم علاقةً مع شاب، أو أنظر إلى شاب، بل أريد أن أكون طاهرةً لزوجي، ويكون هو أيضاً طاهراً لي.

أنا دائماً متعصبة ضد فكرة الزواج من شخص كلم أو أقام علاقةً مع فتاة قبل الزواج؛ حيث إن الغيرة تقتلني، وأحس بالخيانة والخذلان، ولكن دون أي رغبة أو تحفيز مني، حيث وقعت في حب قريب لي وهو -ابن خالتي- عندما كان بعمر 12 سنة.

أعلم أن الحب لله عز وجل فقط، لكن مع جميع محاولاتي ما زلت أحب هذا القريب، وأنا واعية للتغيرات الهرمونية، وتأثير الأفلام الرومانسية، والأفكار الغربية الخاطئة، لكن مع كل أبحاثي فإن قلبي ما زال ينبض عندما أراه ليومنا هذا.

لقد نشأت مع هذا الشاب منذ الصغر، تحت الضوابط الشرعية التي فرضها الدين، علماً بأني لست محجبة، وهو يكبرني بعشر سنوات، وأمهاتنا أخوات، والعلاقة في الأسرة أكثر من مثالية، خالتي وبناتها عائلتي الوحيدة، لدي أخوان يصغرانني، وعلاقتنا أكثر من رائعة، وهم أسرة طيبة، محبة للخير، وقد وقف الشاب وعائلته معنا في عدة مواقف مرت بها عائلتي، ولهم فضل علينا كبير.

المشكلة أني أحاول أن أتخطى مشاعري له، وأدعو له بزوجة صالحة، وذرية صالحة دائماً، وأن يعوضني الله بزوج صالح، وأن يسرع زواجه ببنت الحلال.

هذا الشاب وبسبب ظروف خاصة دخل عالم الملاهي الليلية، فهو لديه صديق واحد، والشاب يدخن ويشرب الخمر، ويزني، ويرتدي ذهباً، وبالتالي فهو غير صالح كزوج من ناحية الدين.

علماً بأن والدتي جداً متدينة وملتزمة، وهي التي ربته وأخواته، ولقد أحببته لأخلاقه، فهو رجل بمعنى الكلمة، تجتمع فيه مكارم الأخلاق والصفات الحسنة، خصوصاً أنه طيب مع عائلته وأخواته، نعم الأخ والسند، بار بوالدته، ووالده متوفى، يتصدق، ويساعد الفقراء والمساكين، ويبذل من ماله من أجل الخير في كل فرصة، ويصرف على أخواته وأمه وإخوته، ومتحمل للمسؤولية، ورجل شهم وأمين.

من ناحيتي أنا مقبلة على الحياة، سأدخل كلية الطب هذا العام، ومن المستحيل أن أتزوج لصغر سني، وعدم كفاءتي، وما زالت لدي أحلام وطموحات لأحققها.

سؤالي هو: برغم أنه غير متدين لكنه خلوق، وبفرض حبي له وعدم إمكانية زواجي به، هل يجوز أن أدعو الله أن يزوجني به، أم أنه ظلم في حقي كوني أرغب برجل أصغر؟ وكيف أتخلص من حبه كون حبي له أجده خيانة لزوجي مستقبلاً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يبارك لك في أهلك، وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.

أولاً: أختنا الفاضلة: نحمد الله إليك هذا العقل المتزن على صغر سنك، كما نحمد الله إليك حرصك على الطهر، وبحثك عن الصلاح، وهذه صفات الأخت الصالحة التي نرجو لها الخير في الدنيا والفلاح في الآخرة.

ثانياً: -أختنا- بقيت لنا نقطة نريد أن نحدثك فيها قبل الإجابة على سؤلك، وهو قولك: لست محجبة، فهل تقصدين بالحجاب: النقاب، أم تقصدين بالحجاب غطاء الشعر؟

إننا نعيذك بالله -أختنا- أن تكوني ممن تظهر شعرها أو ذراعها؛ لأن هذا محرم في ديننا، وأنت كما ذكرت تخافين عقاب الله عز وجل، فاحذري التهاون في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البُختِ المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها). رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

القرآن نهى عن إظهار المرأة زينتها، قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور: من الآية31).

جاء الأمر بارتداء الجلباب في أكثر من آية، منها قوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْن) (الأحزاب: من الآية 59)، وقال تعالى: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: من الآية 33). فاحذري -أختنا- من مغبة ذلك، ونسأل الله أن يعينك على طاعته.


ثالثاً: نريد أن يطمئن قلبك، وأن يهدأ فؤادك، فمن قدره الله لك زوجاً سيكون دون تنازل منك أو تشوف، وتقدير الله لعبده هو الخير له، وصلاحك في ذاتك بشارة بأن الله سيرزقك الرجل الصالح، نعم -أختنا- فزوجك قد كتبه الله لك قبل أن يخلق السموات والأرض، هو في علمه فاطمئني.

روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: (اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وتقدير الله للعبد هو الخير لا محالة.

رابعاً: إن مشاعرك -أختنا- مختلطة عليك بين صفات جيدة في شاب ساعدكم، وساعد غيركم، وصفاته الخلقية جيدة، وبين من يصلح لك زوجاً، فالزواج الصحيح -أختنا الكريمة- لا يبنى على مثل هذ الشعور القاصر، فالشاب مع ما ذكرت فيه من خير، لكنه لم يترك قبيحة تصرف عن الزواج إلا وفعلها، تدخين وخمر ونساء وملهى!

كيف لفتاة غيورة بطبعها أن تتزوج من رجل وهي تعلم أنه قد زنى قبل ذلك؟!

إن نصيحتنا لك هي صرف هذه الفكرة من رأسك، بل نقول لك حتى ولو تقدم لزواجك فيجب عليك الرفض؛ فإن من استمرأ الحرام يصعب عليه الاكتفاء بالحلال بعد الزواج، وطبيعتك وتربيتك ستحول دون التأقلم مع من هذا شأنه، فانصرفي -بارك الله فيك- عنه تماماً، واجتهدي في تحديد هدف قوي لك والعمل عليه، خاصة وأنت مقدمة اليوم على كلية الطب، وهي تحتاج إلى فراغ وقت، وصفاء ذهن.

خامساً: يمكن أن تسألي كيف أنساه؟ والجواب يحتاج إلى أربعة أمور، وهي:

1- الاقتناع التام بأنه لا يصلح، حتى وإن هداه الله لتأريخه الذي سيلازمك، وعليه فأمامك عقبات منها: تأريخه المعروف لديك، وإقامته على المعصية حتى اليوم، وعمله المرتبط بالمعاصي، كل هذه عوائق تصرفك عنه متى ما داومت على التفكير فيها.

2- الإيمان التام بأن (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)، وأن الله سيعوضك خيراً منه، سيعوضك بشاب صالح -إن شاء الله- لم يعرف امرأة غيرك، هذا -أختنا- خير لك في دينك ودنياك.

3- الاقتناع بأنك قادرة على نسيانه، وعدم السماح للشيطان المتربص بك بأن يوهمك بأن هذا محال، أو أنك غير قادرة على ذلك، الاستسلام للعجز عجزًا زائدًا، فانتبهي.

4- عدم تتبع أخباره، أو التفكير فيه، وصرف الذهن مباشرة إلى شيء عملي، والزمن جزء من العلاج.

الزمي الدعاء بأن يعينك الله على تجاوز تلك الأزمة، وأن يرزقك الزوج الصالح البار بك، كما نوصيك -أختنا- بأن لا تخبري أحداً بما ذكرته لنا، وخاصة الخاطب الجديد الصالح بعون الله.

كتب الله أجرك، ورزقك الصلاح في دينك ودنياك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً