الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتابني خوف من الزواج بسبب شكلي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة في العشرين من عمري، أحمد الله أنني أجاهد نفسي وأحاول الالتزام بأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قدر المستطاع، ولكنني لست على قدر من الجمال، سواء في الشكل أو الجسد، فأنا قصيرة ونحيفة جدًا، ولست اجتماعية، نعم، أخرج إلى الجامعة، وأحضر الكورسات، وحلقات حفظ القرآن، لكنني خجولة جدًا إلى حد يصل إلى الانطواء.

وذلك الخجل ليس مقتصرًا على الخارج، حتى مع أهلي في البيت، فأنا لا أشاركهم الحوار أبدًا، أو أي شيء، وكأني غير موجودة، حاول أهلي دعمي حتى أتحدث، لكني أشعر بالتوتر، ولا يمكنني ذلك، ولا أعرف السبب! وخصوصًا علاقتي مع أبي، رغم أنه يحبني جدًا، ويعاملني كالأميرات، وأنا أغلى شخص عنده، فقد كنت في صغري قريبة منه، وحينما يدخل البيت كنت أجري نحوه وأحضنه، ومع مرور الوقت شعرت بأنني كبرت، فتوقفت عن ذلك، وشيئًا فشيئًا ابتعدت عنه.

في طفولتي كنت أسرق، وعندما اكتشف أبي الأمر، ضربني للمرة الأولى في حياته، وكنت حينها في الصف الأول الإعدادي، وتخلصت من هذه العادة الآن -الحمد لله-، وتبت منها، لكن يبدو أنني خسرت ثقة أبي وأهلي، وهذا أثر على شخصيتي، وأهلي لا يفتحون هذا الموضوع أمامي، لكنني أشعر أن خجلي منهم يسيطر عليَّ، وعندما جلست وفكرت، وجدت أن ذلك هو السبب، لكنني لا أعرف الحل.

أما مع الأشخاص الغرباء فيظنوني (انطوائية)، ويرجع ذلك لعدم ثقتي في نفسي وشكلي، خاصة لاندهاش الجميع عند سماع أنني طالبة جامعية؛ لأن شكلي يشبه طفلة في المرحلة الابتدائية.

أما مشكلتي الثانية فهي مع الوزن والطول: ليس لدي مشاكل عضوية، ولكن قلة الطعام هي مشكلتي، فأنا أحاول زيادة الطعام بطريقة صحية، وأذهب إلى الجيم، لكن طولي يمثل عائقًا بالنسبة لي، فطولي 148 سم، ووزني 50 كجم، هل يمكن أن أطول الآن؟

وأريد حلًا مع الانطواء وعدم الثقة في النفس: لدي أصدقاء مقربون جدًا، ومعهم أكون شخصية مختلفة تمامًا، أمزح كثيرًا وأشعر بالراحة، لكن مع الأشخاص الجدد أو الغرباء، أشعر بأني غير قادرة على تركيب الكلام، وأقول عبارات غير مفهومة أحيانًا، كما أن صوتي منخفض، وهذا يجعل الآخرين يطلبون مني إعادة الحديث أكثر من مرة، وهذا يشعرني بالتوتر، وأرغب في إيجاد حل جذري لمشكلة انطوائيتي، وعدم ثقتي بنفسي، وطريقة كلامي، وصوتي المنخفض، وكذلك مشكلة طولي ووزني.

دائمًا ينتابني خوف من عدم الزواج، وأعلم أن هذا رزقٌ من الله، وأحسن الظن به، لكن من سيتزوج فتاة يبدو جسدها وكأنها (طفلة) في المرحلة الابتدائية؟ نعم، لا ينبغي أن يكون الشكل هو المعيار الأساسي للزواج، لكنه يلعب دورًا مهمًا، كما أني أريد أن أكون قادرة على إعفاف زوجي.

أنا لا أتحدث كثيرًا مع الناس، فكيف يمكن لهم أن يتعرفوا على شخصيتي ليعجبوا بها أساسًا؟ هذا الأمر جعلني أُصاب بتعلق داخلي مع أي شخص يُقدِّم لي معروفًا بسيطًا، أو يقدم لي شيئًا ويحدث بيننا أي تعامل، فأبدأ في بناء الخيالات في ذهني بأنه يحبني.

وأشهد الله أنني أغض بصري، ولا أذهب إلى أي مكانٍ مختلط، وأتجنب مواضع الفتنة، لكن هذا الشعور يراودني كثيرًا، ولو رأيت شخصًا صدفة، وكان يمسك السواك أظنه ملتزمًا وأظن بأن القدر سيجمعنا، وهذا يزعجني كثيرًا، فأنا أريد حفظ قلبي ولا يدخله غير زوجي، ولا أريد أن أكون خفيفة وسهلة التعلق، فكيف أتخلص من هذا التفكير؟

ابتُليتُ في دراستي وحلمي من قبل، فقد كنت طالبةً متفوقة، وكان شغفي دراسة الطب، ورغم ذلك لم أدعُ الله أن أدخل كلية الطب، وتركتُ الاختيار لله، ولم أُقصِّر أبدًا في الاجتهاد، والله يشهد، وأتت نتيجة الثانوية بما لا أتوقعه، وما زلتُ أحاول التعافي من أثر ذلك، علمًا أنني التحقتُ بكلية التربية.

نعم، أعلم أنها أنسب شيء للمرأة، وأدرك أنني كنتُ أدعو دائمًا بأن يختار الله لي المكان الذي أستطيع فيه خدمة المسلمين، لكنني أشعر بأنني غير مؤهلة لهذا المجال، فأنا لا يمكنني الشرح أو إيصال المعلومة، وهذا أبعد ما يكون عن شخصيتي وطبيعتي، كما أن جسمي صغير، وصوتي منخفض جدًا، ولا أعرف كيف سأتمكن من الشرح لطلاب الثانوية بهذه الظروف، ولا أستطيع حتى الآن تقبُّل الكلية.

أعلم أن الخير فيما اختاره الله، وأؤمن بأن الرزق بيد الله، يمنح من يشاء ويمنعه عمن يشاء، وكل هذه حقائق أرددها وأصبر بها من حولي، لكنني لا أستطيع تطبيقها على نفسي، وأملي الوحيد أن أتزوج من رجل يعوضني عن ذلك كله.

آسفة جدًا على الإطالة، ولكني أحتاج إلى الفضفضة، وأريد أن يطمئن قلبي، أرجو المساعدة في إيجاد حلول عملية لمشاكلي؛ لأن الكلام النظري أعرفه، وكذلك أحتاج لدعوات أبتهل بها إلى الله في مطلبي.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يعينك على كل أمر يرضيه.

سعدنا بقربكِ من والدكِ، ونتمنى أن تهتمي باستئناف تلك العلاقة، وألا تقفي عند الخطأ الذي حدث، فالأخطاء متوقعة، والأسرة قادرة على العفو والتسامح، خاصة أن ما حدث كان مرتبطًا بمرحلة عمرية معينة، -والحمد لله- أنكِ تجاوزتِ هذه المرحلة.

سعدنا أيضًا لمستواكِ العلمي المتميّز، ونؤكد أنكِ قادرة على التفوق في أي مجالٍ تدخلينه، وكما ذكرتِ، فإن التربية تُعد مجالًا مناسبًا للمرأة، خاصة أنه يُتيح لها التعامل مع الصغار، والمهم ليس نوع التخصص فقط، بل أن يتفوق الإنسان في المجال الذي التحق به، فالعالم اليوم لا يحتاج فقط إلى حملة الشهادات الجامعية، بل يحتاج إلى المبدعين المتفوقين المبدعين الذين يمكنهم إضافة الجديد، والتطوير في المسار الذي اختاروه لحياتهم.

كما نوصيكِ بتوسيع علاقاتكِ الاجتماعية، أولًا من الأسرة؛ فهم أقرب الناس إليكِ، ثم بعد ذلك الأسرة الكبيرة، ومن ثمّ بناء علاقات مع الصالحات والمتفوقات، فهذه العلاقات تُساعد على تعزيز الثقة بالنفس، وتحقق التوازن النفسي والاجتماعي.

ولا تظني أن النجاح في الحياة صعبٌ، فكل شيء بقضاء الله وقدره، وأحسني الظنّ بالله، وابذلي ما بوسعكِ، ولا تجعلي نفسكِ سجينة الابتعاد عن الآخرين، فالإنسان لا يمكن أن يسعد وحده، والشيطان دائمًا مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، فاحرصي على اتخاذ صديقات صالحات، وأشغلي نفسكِ بتلاوة القرآن وطاعة الله، واهتمي أيضًا بجانب التعلم والتفوق.

أما بالنسبة إلى مسألة الزواج؛ فهو رزقٌ من الله، ومن الأسباب التي ينبغي أن تحرص عليها الفتاة: الدعاء بأن يرزقها الله الزوج الصالح، والتواجد في محيط النساء الصالحات، وإظهار أجمل ما لديكِ من أدبٍ وعلمٍ وخير، فالكثير من النساء يبحثن عن زوجات فاضلات لأبنائهن أو إخوتهن، وأنجح أنواع الزيجات هي التي تتم بهذه الطريقة، لأنهن يعرفن من يخطبن له، ويتعرّفن على الفتاة التي سيدخلنها إلى حياتهم.

على كل حال، نحن سعداء بتواصلكِ معنا، ونؤمن بأنكِ قادرة -بتوفيق الله- على تبديل هذه الصورة، والنجاح في كل مشاريع حياتكِ، فاطمئني، واجتهدي في الخير الذي تقومين به، ونسأل الله أن يتقبّل منكِ صالح الأعمال.

ومساعدتُنا لك ستستمر، ولكن أرجو أن تطرحي مزيدًا من الأشياء التي يمكن أن تساعد المستشارين على الإجابة، خاصة في المحور الطبي، فهو بحاجة إلى مزيد من المعلومات، ونحب أن نؤكد أن الإنسان يستطيع أن يُعدّل صحته بالمتابعة مع الأطباء، واختيار الأطعمة المفيدة التي يجني منها الجسم فوائد.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات، وتواصلي مع أهل الاختصاص في كل مجال، ونسأل الله أن يُعجّل لك بالشفاء والعافية، وأن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب التي تواجهك، والتي لا تستطيعين بسببها الدخول إلى عالم الناس والحوار معهم.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً