الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتابني ندم وألم بسبب العادة السرية التي كلما تبت منها رجعت إليها!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 16 سنة، وأنا مبتلى بالعادة السرية، حيث أتوب وأرجع إليها مرةً أخرى، مع العلم أنني أصلي، وأقرأ القرآن الكريم، فقد شاهدت فيديوهات لتركها، ولكن بدون جدوى، لا أعرف سبب معصيتي لله! هل يتقبل الله توبتي على كل ذنبٍ فعلته؟ حيث أندم ندمًا شديدًا عندما أرتكب هذه العادة السيئة!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي العزيز- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أخي الكريم: اعلم -وفقك الله- أن الندم توبة، لكنك مع ذلك تحتاج أن تجتهد في معرفة الأسباب التي توقعك في هذه العادة، أو تجعلك تضعف أمامها فتعود إليها، وتعيش في هذا الندم والألم بشكل متكرر، والذي لربما يفسد حياتك، ويشغل فكرك، ويجعلك تشعر بضيق وهم وكدر، لذلك سنوضح لك بعض الأمور التي تعينك على التخلي عن هذه العادة، ولا بد من أن تجتهد فيها، وتسعى للعمل بمضمونها قدر استطاعتك.

أولًا: عليك بغض البصر، فهو الباب الذي يدفع القلب للتمني، والعقل للخواطر، لذلك ربط القرآن بين غض البصر، وبين حفظ الفرج، وجعل ثمرة غض البصر زكاة النفس ورفعتها، فقال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ۚ ذٰلك أزكىٰ لهم ۗ إن الله خبير بما يصنعون)، فلا بد أن تغض بصرك، لتتجنب كل محفزات الشهوة لهذه العادة، مثل الأفلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والصور وغيرها.

ثانيًا: لا تتح الفرصة لعقلك بالاسترسال بالخواطر والأفكار التي تثير الشهوة، وبمجرد ورود هذه الخواطر في مخيلتك استعذ بالله، وتشاغل بأي شيء نافع، كممارسة الرياضة، أو القراءة، أو أي عمل يشتت الفكر عن الاسترسال في تلك الخواطر؛ لأن الاسترسال في التخيلات والأفكار يؤدي إلى تحريك الشهوة في النفس، فتبحث عن وسائل للتنفيس، وهذا يحتاج لمجاهدة ووقت، لكنك ستجد ثمرته -بإذن الله-.

ثالثًا: اجعل لنفسك نشاطًا وعملًا مفيدًا يشغل وقتك، ولا يتيح لك فرصة للانشغال بهذه العادة، مثل الأعمال التطوعية، أو طلب العلم، أو حفظ القرآن، أو البقاء في المساجد، أو كل مفيد يرتقي بعقلك وروحك.

رابعًا: تجنب الخلوة، والإفراط في الأكل والنوم؛ فكل ذلك مما يثير الشهوة في النفس، ويدفعها للبحث عن تصريف لها، لذلك أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الشباب في مواجهة الشهوة إلى أمرين، الأول: الزواج لمن استطاع، والثاني: الصيام لمن عجز عن الزواج، فقال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

خامسًا: عزز جانب الثقة بالنفس؛ لتقوى على مواجهة الشهوات عمومًا، وذلك من خلال عدة أمور:

- أن تجعل لك هدفًا في الحياة يسمو بروحك وعقلك وحياتك، وهذا الارتقاء يجعلك تستصغر هذه العادة المحرمة، وتسمو نفسًا وروحًا عن هذه الأفعال الدنيئة، فأنت صاحب هدف وغاية أكبر وأعظم من هذه الأفعال.

- اقرأ في سير النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعظماء الإسلام، والصحابة، والفاتحين، فالاطلاع على سيرهم يسمو بالروح، ويرتقي بالهمة إلى تجاوز هذه العادة.

- اقرأ، وثقف نفسك عن المخاطر الصحية والنفسة والسلوكية التي تنتج عن هذه العادة والإفراط فيها؛ فهذا يساعدك على تعزيز جانب الخوف في النفس من نتائجها الصحية، والعقلية، والسلوكية.

سادسًا: ابحث لك عن أصدقاء صالحين تقضي وقتك معهم، وتتشارك معهم الأنشطة والأعمال المفيدة، وابتعد عن رفقاء السوء، فهم يذكرونك بالمعصية، ويهونونها في نفسك.

أخي العزيز: أنت الآن في سن المراهقة، وهو سن العنفوان والشهوة؛ لذلك عليك أن تصون نفسك عن كل ما يدنسها من قبيح الأفعال والأقوال، وتبادر لطلب العلم؛ لتعرف مداخل الشيطان، وأسباب الغواية، وكيف تحفظ نفسك عن مغريات الشهوات.

وينبغي أن تعلم -وفقك الله- أن الله يقبل التوبة، ويغفر الزلل، ويفرح بتوبة عبده إذا رجع إليه، متى ما حقق شروط التوبة، من الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه، فإن ضعفت نفسك في لحظة وعدت للذنب فلا تجزع أو تقنط من رحمة الله، وبادر بالتوبة، حتى وإن تكرر الذنب منك، فالشيطان يريد أن يشعرك بالقنوط؛ لتترك التوبة والندم، وتنغمس في الشهوات.

أخيرًا: -أخي العزيز-: عليك بالدعاء، والتضرع لله تعالى أن يعينك على نفسك وشهوتك، وأن يوفقك للابتعاد عن كل الفتن والشهوات ما ظهر منها وما بطن، فأكثر من نوافل العبادات، وقراءة القرآن، وكل عمل برٍ وطاعة؛ فهذا مما يعين ويقوي القلب على رفض هذه العادة.

أسأل الله أن يشرح صدك ويغفر ذنبك، ويعينك على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً